رسالة المقاومة
عملية القدس تمت بقوة وإبداع كما رصدتها القوى الفلسطينية، دفعت الإعلام الصهيوني إلى وصفها بالصعبة والمعقدة، وتميّزها يبرز في قتل ثمانية مستوطنين والعدد يزداد في عملية واحدة، بمعنى أن المنفذ كان مميزا في التصويب، وهذا النوع من الشباب ربما كان مخزونا مخفيا من المقاومة، لأنه يتميز بالدقة والإتقان في الرمي وأشد وأفضل من عمليات رجال حققوا رميا وقتلا لمستوطن أو اثنين..
المقاومة تعمدت مثل هذه العمليات وأخرجت إنسانا ثقيلا ونوعا بشريا مقاوما مميزا مختلفا هذه المرة، وأظن أن السبب في الإخراج هو إرسال رسالة إلى الاحتلال الصهيوني والسياسة العسكرية الجديدة:
– الرسالة الأولى: رسالة المقاومة أن ما كانت تبحث عنه القوة الأمنية الصهيونية منذ شهور في شعفاط ونابلس والخليل والضفة والقدس وجنين وتتخوف منه فهو هذا ثمرته، قوة إيمانية وبشرية وفكرية ومقاومة مسلحة فردية أو ثنائية منضبطة تحقق تصفية لعشرة مستوطنين في عملية واحدة بشخص واحد…
– الرسالة الثانية: الرسالة الأخرى من المقاومة، وهي رسالة استراتيجية أنها ستحصد قريبا نتائج بنائها الاستراتيجي في الضفة، فمنذ سيف القدس والقوة الصهيونية تنسج استراتيجية التصفية والإعدام والحصار للحيلولة دون صناعة مشروع البؤر المقاومة في ربوع الضفة، لأن معركة سيف القدس كانت تنقصها البؤر المقاومة لصناعة معركة كانت ستضاعف سيف القدس في الشدة والقوة، لذلك فالمقاومة بعد سيف القدس كانت تعوض النقص الاستراتيجي في الضفة، وتستعد وتشكل بؤرا في الضفة وجنين ونابلس والخليل وطولكرم وشعفاط والقدس، لتستعد الضفة وغزة لملحمة جديدة مثل سيف القدس تضرب الكيان الصهيوني في عقر داره وتفضي ربما إلى انتفاضة..
التطبيع وعملية القدس
ستتحرك بعض الأنظمة العربية المطبعة سرّا أو جهرا للتملق للكيان الصهيوني في يوم الشدة الصهيوني ويوم الأزمة الصهيونية من خلال ما يسمى (الإنعاش الصهيوني) في يوم الشدة والمحنة، من خلال بيانات أو تصريحات تضمد جراح الاحتلال، وتدين عمليات المقاومة الفلسطينية، وهو ما صرح به كذلك النظام المغربي زمن سيف القدس، حين خرج المطبع المغربي مصرحا (سنطبع مع إسرائيل إلى أقصى حد)، وقد نشهد بعد عملية القدس تصريحات أو بيانات من أنظمة عربية مطبعة لإنعاش الكيان الصهيوني ودعمه، وفك عزلته، وإرسال رسالة للكيان، أن الأنظمة العربية لن تتخلى عن دعم الكيان الصهيوني، بما أن إسرائيل تحقق مصالح الأنظمة العربية المطبعة، وتحقق الأمن ضد الثورات وتهديد شعوبها.
هي أنظمة تتسابق إلى زيارة المريض الصديق طريح الفراش “للطبطبة” عليه. سقوط المريض أرضا هي فرصة استباقية استثمارية للأنظمة العربية لتقديم قرابين من خلال تصريحات للكشف عن ساق الجد في التعاون والتطبيع إلى أقصى حد، هي فرصة تاريخية للزلفى والتقرب والتعبير عن الولاء ولو دون طلب من إسرائيل، فلربما تتذكر القوة الصهيونية من دعم وساند الكيان زمن المحنة..
هي تصريحات قد تكون (سحرية) لتفك العزلة عن الاحتلال الذي يحشر في الزاوية سابقا ومؤخرا من المعارضة الإسرائيلية والقوى الأمريكية اليهودية وغير اليهودية، ومن القوى المقاطعة للكيان الصهيوني في أوروبا ومن القوى الحية في المنطقة والعالم الدولي القانوني…
التقدير الاستراتيجي
في سيناريوهات الصهاينة، قد تسعى القوة الصهيونية إلى التصعيد من خلال الإعداد لاغتيالات أخرى، واقتحام للمسجد الأقصى، أو تحقيق تقدم إسرائيلي آخر من خلال ضم جزء من الضفة بمشروع 18000 وحدة استيطانية، لكن العقل الإسرائيلي وإن تميز بالتطرف فإن الذكاء يحوم بالقوة الصهيونية من خلال سيناريو تهدئة الوضع بعد تعالي أصوات قوى في الكيان الصهيوني تشجب التصعيد الإسرائيلي، وتهدئة الوضع لتجديد التنسيق الفلسطيني بدل إبطاله..
لكن تميل العقول الفلسطينية إلى سيناريو سقوط القوة الصهيونية في مزلق (الغباء الصهيوني) بعد عودة الوزير الأمريكي للخارجية وتصعيد الوضع في الضفة واقتحام المسجد الأقصى وتنزيل مشاريع استيطان يقينا منهم أن القوة هي الحل لردع الفلسطيني…
كما صدم الكيان في المونديال بموقف الشعوب العربية والإسلامية واعترف إعلامه بما تسمى (هزيمة التطبيع في المونديال) بسبب سوء التقدير في الدراسات والتقارير، فإن الكيان الصهيوني سيصدم بالشعب الفلسطيني الجديد وخروج جيل يرمي المستوطن بالجملة بسبب سوء تقدير تقارير خاطئة للكيان عن جيل المقاومة…
وقد يسعى الاحتلال إلى عملية أخرى استراتيجية للتعبير عن سيادته وقوته وانتصاره دون تصعيد من بوابة المجازر كما حدث في جنين، بل يسعى إلى عملية تنزيل مشروع الاستيطان بقوة وضم كبير لمناطق في الضفة، أو سعي ثان هو اقتحام كبير للمسجد الأقصى، كله من أجل إرضاء ما يسمى (المجتمع الصهيوني) والتعبير عن الرد الصهيوني بشكل ذكي ومختلف عن القتل والاغتيال بل تمدد في الضفة والضم، ونجاح في الاقتحام من نوعية كبيرة…
السلطة الفلسطينية
قد تسقط مرة أخرى السلطة الفلسطينية في خديعة نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكية من خلال وعود إسرائيلية بوضع دون تصعيد آخر مثل مجزرة جنين، خديعة قد تتحقق خوفا من سقوط التنسيق الأمني الفلسطيني والإسرائيلي بسبب الأحداث الأخيرة في الضفة التي تسببت في أزيد من 30 شهيدا فلسطينيا في أقل من شهر.
هو امتصاص أمريكي وإسرائيلي خصوصا لغضب السلطة الفلسطينية التي قد ترتمي في الوحدة الفلسطينية ومقاومة موحدة أو على الأقل تقوض من مشروع التنسيق الأمني، هذا تخوفهم..
المعارضة الإسرائيلية والمتطرف الإسرائيلي
قد تستغل القوى المعارضة الإسرائيلية الوضع في فشل نتنياهو في المنظومة الأمنية تزامنا مع تحرك إسرائيلي ضد محاولات انقلاب نتنياهو ضد القضاء الإسرائيلي لتغيير بعض معالمه، لكن رغم هذه الأزمة الإسرائيلية في اللفيف الصهيوني الممزق، فإن مجال الأمن هو موضوع يجمع القوى الصهيونية الدينية وغير الدينية نحو المشروع الأمني لمواجهة الأخطار المقبلة الفلسطينية المقاومة.. وهو نفس الموضوع لما كانت حكومة (لبيد) تهتم به وتقوم بتنزيل خطوات تصعيد تصفوية لتحسين أهم مجال في إسرائيل وهو الأمن…
أما ما يسمى بالمتطرف الديني التوراتي فإنه سيسعى إلى الانتقام وهو ما يدعو له بن غفير وغيره لزيادة شعبيتهم وهو ما نشهده في الساحة الإسرائيلية. ومع فشل حكومة نتنياهو في صناعة استراتيجية قوية جديدة للجم المقاومة في الضفة من خلال خطة الإعدامات والتصفيات وتصعيد القمع، فإن القوى الأكثر تطرفا يمكنها أن تخرج عن نطاق القانون الإسرائيلي لتنفذ انتقامها ضد هذه العمليات، وهو ما شهدناه قبل سيف القدس مع (منظمات لاهافا وميلشياتها) في اللد والداخل الفلسطيني، التي ارتكبت جرائم تصفية في حق الشعب الفلسطيني، هذا الخروج التصفوي هو ما كان تتخوف منه حكومة نتنياهو وكانت كلماته يوم أمس واضحة لطمأنة الصهاينة لترك المجال للقوة الأمنية للتدخل والرد…
الشعوب العربية والإسلامية
بالنسبة للشعوب العربية فإنها تعبر عن فرحها بانتصارات المقاومة الفلسطينية، وهي تحيا بهذه المعارك لأنها تجدد الأمل في الأمة الإسلامية، كما تجددت حياتها في أحداث كسيف القدس التي جمعت الشعوب العربية والإسلامية نحو بوصلة فلسطين، والمسجد الأقصى، والمقدسات، وحدث المونديال الذي جمع الأمة من جديد نحو فلسطين، وأحداث أخرى في فلسطين والقدس قد تجدد ولاء الأمة الإسلامية لقضيتها..