عنف الفسخ من الهوية والعقيدة

Cover Image for عنف الفسخ من الهوية والعقيدة
نشر بتاريخ

جلست أفكر مليا من أين لي أن أبدأ حديثي والأفكار تتطاير في عقلي بلا ترتيب ولا منطق؟ فقررت أن أترك لقلمي القرار في اختيار الكلمات المناسبة ونسج خاطرة عن العنف ضد المرأة، فيعبر بذلك عما يخالجني ويجوب في خاطري، فخط قلمي الآتي:

لطالما سمعت عن العنف ضد المرأة؛ فمنه ما هو لفظي، وما هو معنوي، وآخر جسدي، أو ما هو نفسي، أو مجتمعي، أو حتى عملي… وغيرها كثير. لكنني لم أسمع يوما عن عنف أشد منها كلها؛ هو عنف “فسخ وتجريد من الهوية والعقيدة”.

كلما جلت بنظري لأتأمل ما يحدث من حولي، أجد أن صلب كل مشكل أو مأساة مجتمعية نعيشها كعالم إسلامي راجع إلى سبب رئيسي جوهري؛ هو تفسخ وانسلاخ المرأة المؤمنة من هويتها وعقيدتها، هو في الحقيقة لا يكون انسلاخا إراديا تتخذ فيه المرأة المسلمة القرار بشكل مباشر، لكنه للأسف انسلاخ ناتج عن عنف مغلف بأحلام وردية وأكاذيب زهرية.

يتجلى هذا العنف في غسل دماغي شامل تدريجي متقن وغير مستوعب، بحيث تجد المسلمة نفسها ضحية له دون أن تدرك ذلك ولو بعد فوات الأوان.

معالم هذا العنف واضحة غامضة، صريحة كاذبة، خيرة خارجيا خبيثة من الداخل. فهذه المعالم ظاهريا تجعل المرأة تدخل في عالم أحلام أفلاطونية مزيفة، ترى من خلالها نفسها في أعلى المراتب، ذات جاه وسلطة وكلمة مسموعة تخرجها من مسمى الخنوع والخضوع للجنس الذكري. لكن جوهرها الخفي يحمل عنفا شنيعا مديرا منذ زمن، قد اندس تدريجيا في فكرها دون وعي ولا دراية منها، فمعالمه الحقيقية واضحة؛ من التفكك النفسي للمرأة المسلمة، وتدهور صحتها الجسدية، وتقهقر أهمية دورها الأسري، وتدمير علاقتها بالرجل، وانغماسها في نمط عيش رأسمالي استهلاكي مادي محض، يشوه أنوثتها ونظرتها لنفسها ويعفن فطرتها السليمة وغريزتها الأمومية. وهو عنف جلي لكنه في نفس الوقت غير مرئي ولا مستوعب، بل على العكس تماما قد يبدو للمرأة ازدهارا واستقلالية وقوة وتحررا.

نعم؛ لابد للمرأة من تعليم رصين، لابد للمرأة من وظائف تناسب قدرتها النفسية والجسدية وتلائم خصوصيتها كأنثى، لابد للمرأة من عيش كريم، ولابد لها من قوامة رجولية حقة.

لكن دون تبخيس لدورها الاستراتيجي الإسلامي المهم المتجلي في الحافظية وتنشئة جيل مؤمن قوي بأخلاقه وعقيدته، ولا زعزعة استقرارها النفسي بإيهامها أنها ذليلة تحت قوامة الرجل، ولا استغلال عقلها وجسدها في تحقيق الغايات المادية، ولا تجريدها من أنوثتها بإغراقها في فكر الاستهلاك والشراء والموضة المشوه، ولا جعلها ذكورية تحمل مسؤوليات لا تتماشى مع قدراتها الجسمية ولا التحملية، ولا إبعادها عن دينها وعقيدتها بإيهامها أنها مظلومة في كنف الإسلام، مسلوبة الإرادة والحرية، وهي في الأصل مكرمة معززة مثمنة في حضن دينها.

كفانا إذن عنفا، كفانا فسخا من الهوية والعقيدة، كفانا تغليفا وتزويقا للحقائق والأهداف الخفية المستبدة الظالمة في حق المرأة.