هيا هيا
نجري جريا
غط البصرا
وخذ الحذرا
أنا في الصف
أنا في الخلف
أنا يمناك
أنا يسراك
سارع سارع
أنت البارع
أدرك ندك
تبلغ قصدكبهذا النشيد/اللعبة، لعبة “الغميضة” تشكل متخيلنا التربوي الذي نمتح منه سلوكنا وثقافتنا، كنا نحفظ النشيد بالإحساس، وكان للكلام معنى، كنا نصطف صفا مرصوصا منضبطا في الدراسة وفي اللعب، وكانت أناشيدنا هادفة تربوية تعبر عن تجربتنا، تجدرت في متخيلنا وذاكرتنا ولا زلنا نحفظها إلى الآن، وحين نقرأها بوعي وفي “زمننا الثقافي” تبدو أبعادها الاستراتيجية، فقد كنا نتعلم “ثقافة المبادرة” جماليا وفنيا، وكانت الكفايات تمر تلقائيا، فأين تكمن جمالية هذا “النشيد البارع”؟ ولماذا لم تعد أناشيدنا تربي؟ وهل نستطيع اليوم أن نلعب “الغميضة” أم ولى زمانها؟ فما الذي تعلمناه من لعبة “الغميضة”؟ وما دلالة اللعب التعليمي؟ وما “غميضة” الإصلاح؟
اللعب فلسفة تربوية
جرت العادة أن نستعمل صيغة “اللعبة” في سياق السياسة فنقول “اللعبة السياسية” و”اللعبة الديمقراطية” ولا نقول “اللعبة التعليمية”، فاللعب التعليمي لعب تربوي هادف، لعب تكويني، لكن الحمولة الدلالية التاريخية لمفهوم اللعب، منذ أرسطو، ما زالت تشوش عليه وتجعله مقابل الجد، يأخذ حمولته من الاستخدام اليومي لا الاستعمال العلمي، لهذا نصف به سلوكات ومجالات مختلفة، فنقول “لعبة الأمم المتحدة” و”لعبة الإغراء”، وهي دلالة تحيل إلى عالم الكبار، ونقول “لعبة الغميضة” ولعبة “التركيب” ولعبة “بيت البيوت” إحالة إلى عالم الصغار، فهل هذا التقسيم يجعلنا نضع “برزخ اللعب” بين عالم الكبار وعالم الصغار؟ أم للعب جمالية تربوية يحتاج إليه الكبار والصغار؟ أليس للكبار ضحكات دفينة وحركات تحتاج إلى لعبة تخرجها؟ ألا يكتشف الأب في ابنه لحظات مفتقدة من اللعب في حياته؟ ألا يشعر الأستاذ أنه “فيلسوف اللعب” وأنه “كائن مرح” يربي باللعب؟ وكم هو جميل أن ترى أستاذا جديا يلعب مع التلاميذ، أليس للعب صرامة واحترام كما للجد صرامة؟ لماذا نتخندق في زوايا متطرفة وكأن للحياة معنى واحد؟ فلماذا هذا الخلط في قانون اللعبة؟
لن نقف عند التعريفات المتعددة لمفهوم اللعب بقدر ما يهمنا “النسق التربوي للعب” أو “فلسفة اللعب في نظامنا التعليمي”، وإذا كان اللعب فلسفة تربوية فهو لا يرتبط بالأطفال دون الكبار، فواضع اللعبة يتمتع بها أكثر ممن يلعب.
لا تستهينوا باللعب، فلوكنا نلعب كما ينبغي لفجرنا طاقاتنا التعليمية، يقول بعض اللسانيين أننا لا ننطق بعض الحروف المعجمة ك “ذ” و”ث” و”ظ” لأننا لم نلعب جيدا في طفولتنا ولأن اللعب لم يكن “دراما تربوية ” في حياتنا، فهيا نلعب جميعا لعبة “غميضة الإصلاح”.
قانون “الغميضة”
إن التقيد بشروط اللعبة أمر ضروري من أجل استمرار اللعبة ومخالفة السلوك المتفق عليه وغياب بوصلة اللعبة يؤدي إلى الاحتجاج أو الاستياء، فمن سيضع العصابة في البداية على عينيه، السيد الوزير أم رجل التعليم أم التلاميذ أم الإصلاح نفسه؟ وهل دور العصابة فرض عين أم فرض كفاية، أومن لا يلعب غميضة التعليم فليس معنيا بالإصلاح؟ ومتى تنتهي “لعبة الغميضة” لنبدأ “لعبة الحكمة”؟
إن “الغميضة” لعبة لحل المشاكل حيث يغمض الإصلاح عينيه ويختفي الجميع كل مكونات التعليم: الموارد البشرية والمناهج والبرامج والقيم… ويبدأ زمن الإصلاح في عد نفسه: إصلاح1957 إصلاح 1958 إصلاح 1959… ويختم: لا يفتح أحد عينيه قبل مارس 2015 موعد المشروع الإصلاحي المرتقب.
إن الغميضة سرعة ضد الزمن، فيجب أن تحصل على حل في أقرب وقت وإلا أنت خاسر ومفلس ولن يعوضك أحد في خسرانك، فمقاييس الخسران واضحة ولا يمكن تزييفها، الإصلاح مصلحة عامة لا يمكن إخفاؤها، فكل المختفين يحيطون بالغميضة ويدورون، وكل سيأتي دوره كي يضع العصابة على عينيه.
إن الخسران نسبي، فلا خاسر ما دامت اللعبة جماعية، وسنخسر جميعا إذا لم نخسر فرديا، فكل يتحمل عبء خسران “الغميضة” التي لن تكون سوى الإصلاح، فقد نخسر في إصلاح لكنه ليس “نهاية التاريخ الإصلاحي”، فيا أيها المختفون لابد أن تنتهي اللعبة ولابد من إزالة “العصابة”، ولا بد أن ننتقل إلى لعبة أخرى وإلا لن نتمتع بإحساس “لعبة غميضتنا” “غميضة الإصلاح”، فهيا نجر للإصلاح جريا.
مقاصد “غميضة الإصلاح”
إن الجري في المتخيل المغربي يرتبط بالبركة (الله يغلب البركة على الجرية)، والبركة ليست سوى المقاصد الكبرى للتعليم التي حددت في الميثاق الوطني والمجسدة في العقيدة وروح الوطنية والتراث الحضاري والثقافي واللغوي المغربي.
إن الجري مقياس للمسارعة وثقافة للمبادرة وبذل للجهد، فلكل زمان مبادرته، والمبادرة قد تفقد معناها خارج سياقها، فلا زلنا ندرس التلاميذ تعاريف لهيئة الأمم المتحدة حول التنمية لسنة 1990، بينما العالم تغيرت خصوصياته وأصبحت المعرفة والمعلومة هي المحدد للوجود، فلا يعقل أن يكون لدينا مشكل في حق التمدرس أو تعميمه، أو الصحة أو الدخل الفردي، فهذه من ضروريات الحياة، وتحتاج إلى “غميضة ” إصلاحية أولى قبل الميثاق أو الخطة الاستعجالية.
في الغميضة الأمر أبعد من الركض أو استكشاف المكان أو التواصل مع الرفاق، إنه تعليم لثقافة: الاستعداد ومسارعة الزمان وثقافة المبادرة، والتنافسية، والندية والوصول إلى المقصدية، ف”تغطية البصر “و” أخذ الحذر “تمرين صعب ومستوى راق في المواجهة، حيث يعطى الاهتمام للحس التعليمي والبيداغوجي والتربوي لدى كل عناصر “الغميضة”، لعبة تحقق المستوى التحصيلي والمعرفي والمهاري وتلبي الحاجيات الذهنية والوجدانية والحركية وتفتح أفق القدرة على الإبداع: “سارع سارع أنت البارع”.
إن حركة “المسارعة” هي الزيادة في السرعة، والحسم في “السرعة النهائية”، فقد طال زمن انتظار الإصلاح، فقد كنا ننتظر الإصلاح في زماننا فأصبحنا نرتقبه لأبنائنا، كنا نخاف على حاضرنا فأصبحنا نخاف على مستقبلنا.
إن المسارعة أكثر دقة من “المسابقة” التي تتضمن دلالة المغالبة في السبق، حيث يريد كل من المسابقين جعل حركته أسرع من حركة صاحبه، أما “المسارعة” فهي الجد في تسريع الحركة بشكل ذاتي وكأنك تسارع نفسك أو تسارع الزمن، فالرقم القياسي هو في حوزتك وما عليك إلا تكسيره، فهل سيحطم السيد الوزير الرقم القياسي للإصلاحات السابقة، وإذا كان الميثاق الوطني تطلب عشر سنوات وتم التصريح بالفشل، فكيف سيكون المشروع المرتقب في أشهر في ظل التعقيدات والتحديات الواقعية؟
لسنا متشائمين، لكن نخاف أن تتحول “لعبة الغميضة” إلى “لعبة الغموض”.