إذا كانت المناسبة شرطا، وهي احتفال بعيد أممي للعمال، فإنّي أستهلّ مقالتي هذه بتحية ملؤها الاحترام والتقدير للعمّال كافة وخصوصا للمرأة العاملة التي تعاني الأمرّين في مقرّ عملها وفي بيتها، وتحية تضامن ومؤازرة عالية للمعطّلين الذين يبحثون عن منصب شغل يحفظ كرامتهم ويؤهلهم لخدمة بلدهم بعد أن أفنوا شبابهم في الدراسة والتحصيل العلمي.
غير أنّ مناسبة الاحتفال بفاتح ماي لهذه السنة يطبعها تغوّل غير مسبوق على حقوق الشّغيلة المادية والمعنوية، يقابلها ضعف وتشرذم الإطارات النقابية واستقالة الدولة عن دورها في تنظيم وإنجاح جلسات حوار حقيقية والالتزام بمحاضرها والحرص على تنزيل نتائجها ضمانا لعلاقات شغل أكثر توازنا وإنصافا.
ومع هذا التردّي المريع ووعيد الحاكمين، وحلفائهم أرباب العمل، بضرب حقوق العمال ومخططاتهم للإجهاز على القدرة الشرائية للفئات الضعيفة خصوصا، ينتصب السؤال: هل فاتح ماي 2013 عيد أم مأتم؟
فبخصوص الحريات النقابية، وفي صلبها الحق في الإضراب عن العمل، فإخراج القانون التنظيمي المؤطر للإضراب مرتبط بشروط النقابات الأكثر تمثيلية، وأخطر تلك الشروط حصر الدعوة للإضراب بهذه النقابات مما يمثل إجهازا على هذا الحق وسحبا للبساط من تحت أرجل النقابات الأخرى وبالتالي الاستفراد بسلاح الإضراب لتصفية حسابات نقابية ولتأديب الخصوم.
وبالمحصّلة نجد حقا أصيلا في العمل النقابي يتم التآمر عليه ببلادنا من طرف السلطات وبعض النقابات، مهما ادّعت التمثيلية فإنها تبقى ضعيفة بحكم عدم استقلاليتها المالية والتنظيمية وضعف تأطيرها للشّغيلة وهزالة انتشارها بالقطاعات.
أمّا القدرة الشرائية فتتعرّض لتصفية منهجية بفعل الزيادات الجنونية في الأسعار وجمود الأجور بل والتهديد بتخفيضها وإلغاء صندوق المقاصة بحجة تقليص النفقات وتخفيض عجز الميزانية.
كلّ هذا وثروات الفئة المحضوضة تتضاعف سنة بعد سنة، مثال ذلك ما جاء في تقرير مجلس المنافسة حول قطاع العقار يقول إن الدولة خسرت ما قيمته 32 مليار درهم بسبب الإعفاءات الضريبية التي منحت ل” حيتان” المجموعات والشركات العقارية وغيرها.
إذا أضفنا لتلك الملايير المنهوبة الإعفاءات الضريبية للشركات الفلاحية وملايير المقالع ورخص الصيد بأعالي البحار وعائدات الكثير من الثروات المنجمية وغيرها كثير مما لا نعلمه ويتصرف فيه الضالعون في الريع الاقتصادي علمنا مستوى قلّةَ حياء وجرأةَ الحكومة على حقوق الشغيلة، وهي المسكونة بالتوازنات الماكرو-اقتصادية والمتملّصة من وعودها الانتخابية بمحاربة الفساد والاستبداد.
لا بدّ أن يثير اهتمام الغيورين على مصلحة المغرب أن الموظف يؤدّي %38 من راتبه كضريبة فيما تم تهريب 3400 مليار سنتيم خارج المغرب (جريدة الأخبار الصفحة الأولى عدد 127 الاثنين 15 أبريل 2013).
ولا بدّ أن يعي الحاكمون بالمغرب أن أمثالهم في الدول الديمقراطية أعطوا النموذج من أنفسهم بتخفيض رواتبهم والتخلي عن الكثير من مظاهر البذخ وأحدثوا ضرائب على الثروة وأبدعوا كثيرا لتجاوز انعكاسات الأزمة المالية فيما الحكومة المغربية تسعى لحل أزماتها على حساب قوت العمال والموظفين باعتبارهم “الحائط القصير”، وتتخوف من أية مبادرة لإلزام الأثرياء بالمساهمة في ذلك باعتبارهم مستفيدين من الريع الاقتصادي ومن فترات الرخاء السابقة.
والحقيقة أن لغة الأرقام جد صادمة ودالّة على أبشع صور الظلم الاجتماعي الذي يتخبط فيه المغاربة الذين يعلو هرم مقدّراتهم قلّة من المستأثرين بالثروة فيما القاعدة العريضة من المحرومين وبينهما فئة وسطى ضعيفة وآيلة للزوال بحكم السياسات اللاّ شعبية للحاكمين الفعليين.
وبالنّظر إلى هذه الفئة المتوسطة وتحليل مشاكلها المرتبطة أساسا بالديون وبيرقراطية الإدارة المغربية وعدم تكافئ الفرص، مع الدور المنوط بها والمتمثل أساسا في تحقيق الاستقرار المجتمعي بمنع الاحتكاك بين فئتي الأثرياء والكادحين يبدو أن أفق المغرب جدّ قاتم وأن طوفان الاحتجاجات على الأبواب ما لم تتم معالجة الأوضاع بمنهجية تشاركية تستدعي جميع القوى الفاعلة في المجتمع، وتستحضر أساسا تحقيق العدالة الاجتماعية، عدالة في إنتاج الثروة أولا وعدالة في توزيعها ثانيا بعيدا عن نزعة الاستحواذ والاستئثار.
وكل فاتح ماي والشغيلة في عيد… وليسقط الوعيد.