خلد العالم هذه السنة – 2023 – العيد الأممي للعمال بعد خروجه من جائحة كورونا التي غيرت وجهه بلا رجعة وأعادت ترتيب أولوياته.
تزامن هذا الخروج المرهق مع اشتعال حرب روسيا على أوكرانيا بأبعاد استراتيجية واصطفافات للقوى العالمية تنذر باتساع نطاقها لتصبح حربا كونية مهددة للسلام العالمي.
فقد ضربت هذه الحرب سلاسل إنتاج وتوريد الغذاء عالميا وأدت لحدوث صدمة طاقة شبه كاملة، مع ارتفاع الأسعار بشكل دراماتيكي جراء الحصار المفروض على البترول والغاز الروسيين والمنتجات الفلاحية الأوكرانية.
كل ذلك أثر على الاستقرار العالمي، الهش أصلا، وينذر بحملات نزوح وهجرة جماعيين مع انعدام الأمن الغذائي وبروز شبح مجاعة في الوقت الذي يكافح فيه 276 مليون شخص للعثور على الغذاء، و49 مليونًا في 43 دولة “على شفا المجاعة”، بحسب ما نقل موقع مودرن دبلوماسي.
لتجاوز هذه الأوضاع الخطيرة عمدت حكومات العالم لسياسات اجتماعية للحد من تداعياتها على شعوبها، اختلفت درجة نجاعتها من دولة لدولة.
وحيث إن المغرب يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية حاجياته الغذائية برغم سياساته الزراعية، التي تخدم أساسا كبار الفلاحين في مراكمة الثروات بالاستفادة من تسهيلات وهدايا ضريبية، ومع اعتماد بلادنا، شبه كليا، على الاستيراد لتلبية احتياجاتها الطاقية، فقد تأثر الاقتصاد المغربي سلبيا، وتزامن ذلك مع ارتفاع نسب التضخم واشتعال الأسعار وفتح المجال واسعا للاقتراض من المؤسسات المالية العالمية.
وبحسب تقرير “مرصد العمل الحكومي” فإن فاتورة مشتريات المغرب من الغذاء من الخارج ارتفعت بنسبة 44.9 في المائة سنة 2022 لتصل إلى 86.72 مليار درهم، مقابل 59.86 في المائة سنة 2021، مدفوعة بارتفاع واردات القمح والحبوب بسبب الجفاف وارتفاع الأسعار على المستوى الدولي، كما ارتفعت الفاتورة الطاقية لتصل إلى 153.5 مليار درهم، بزيادة قدرها 102 في المائة بالمقارنة مع سنة 2021.
الإجراءات الحكومية توجهت لدعم الدقيق والسكر وغاز البوتان وقطاع النقل ولرفع نسبة الفائدة المركزية ووقف استيفاء رسوم ضريبية على منتجات غذائية.
كل ذلك لم يسعف في وقف ضرب القدرة الشرائية لشرائح عريضة من المغاربة الذين باتوا كالأيتام في مأدبة لئام تجار الأزمات وعتاة المضاربين.
في الجانب القانوني يكفي التنبيه إلى أن أسواق الجملة بالمغرب تشهد هوامش ريعية ومضاربات في الأسعار تكاد تصل حد الإجرام، وما زالت تدار بقانون يعود لسنة 1962 لا يضمن تحكم الدولة في سلاسل التوزيع والتسويق ولا يضبط نسب أرباح معقولة بين المنتجين والوسطاء والمستهلكين ولا شفافية مجمل العملية الإنتاجية والتسويقية عموما.
ثم هذا المخطط الأخضر الذي صرفت عليه تكاليف مالية ومائية ضخمة من مقدرات المغاربة؛ ما مسؤولية القائمين عليه مما وصلنا إليه من خصاص خطير في مجال الغذاء؟
إنه العنوان الأبرز للسياسات الحكومية العرجاء في تدبير واحدة من القضايا الحيوية والمتعلقة أساسا بالأمن الغذائي للمغاربة.
فعوض أن تقوم السياسات الفلاحية الحكومية على تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي الغذائي، سعت لزراعة منتوجات موجهة أساسا للتسويق الخارجي ومستنزفة للثروات المائية وبهدف ضخ الملايير في جيوب كبار الفلاحين.
وفي المحصلة تراجع المغرب بثلاث درجات في مؤشر الأمن الغذائي، إذ حل في الرتبة 57 عالميا من بين 113 دولة سنة 2022 بحسب مؤشر مؤسسة “إيكونوميست أمباكت”.
إذا كان الوباء قدرا مقدورا والغلاء فعلا بشريا مما اقترفت أيدي الناس، فإن السياسات الحكومية مما يجب أن يخضع للمراقبة والمحاسبة الشعبية وليست لشيء آخر، لأن التاريخ المعاصر أثبت ذلك، وما حراك 20 فبراير وما أحدثه من إجراءات جزئية، مالية لصالح الأجراء ودستورية، عنا ببعيد.