إن للمسلمين مواسم وأفراحا يدخلون بها على أنفسهم السرور، ويسعدون بإشراقاتها وقيمها الفاضلة ومثلها العليا في السلوك والعبادة. نجد من بينها الأعياد.
والعيد لغة من المعاودة، وسمي بذلك لأنه يعود؛ أي يرجع على الناس مرة بعد أخرى. ويعود بعضهم بعضا بالزيارة واللقاء والاجتماع. والأعياد كثيرة ومتنوعة، وتختلف مناسباتها من أمة إلى أخرى، ومن وطن إلى غيره، ومن عقيدة إلى ثانية. إلا أنها تتسم بمواصفات موحدة؛ وهي الاستراحة من أعباء الحياة وهموم الدنيا، وتجديد القوة، واستعادة الهمة والنشاط وترويح النفس، وتوثيق الصلات العامة.
أما الغاية فتختلف؛ فمفهوم العيد في الإسلام هو فرع عن التصور الكامل للإنسان والكون والحياة. وهو مرتبط بالعقيدة والأخلاق، والعبادة والمعاملات، وهو فرع عن الإيمان والتشريع.
ولقد من الله تعالى على الأمة الإسلامية بعيدين عظيمين جاءا تتويجا وجائزة للمسلمين لما قاموا به من الطاعات والفرائض التي فرضها الله عليهم، فعيد الفطر هو يوم الجائزة للصائمين والقائمين في رمضان، وعيد الأضحى هو يوم الذكرى الخالدة الذي أتم الله به الإسلام، ويندرج ضمن مناسك ركن عظيم من أركان الإسلام، ألا وهو الحج إلى بيته الحرام الذي فرضه الله ليشهد المسلمون منافع لهم، يقول تعالى: وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ ٢٧ لِّیَشۡهَدُوا۟ مَنَـٰفِعَ لَهُمۡ وَیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَـٰمِۖ (الحج، 27/28).
وهذه المنافع هي منافع الآخرة؛ تتجلى بالدرجة الأولى في التقرب من الله ونيل رضاه، والرجوع بذنوب مغفورة، ومنافع دنيوية؛ تتجلى في توحيد الأمة الإسلامية، وتحقيق التعارف بين المسلمين وتربيتهم على الروح الجماعية، حتى يكونوا بوحدتهم من القوة بحيث يحترمون ويقدرون وينشرون رسالة ربهم، ويفشون روح التجديد حتى يعود لمثل هذه الشعائر معناها الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما أشرنا سابقا فأعيادنا تأتي تتويجا لمجموعة من الشعائر نقوم بها تقربا لله عز وجل فهي:
– أولا: طريق لتنظيم علاقة المسلم مع ربه. فيعلن عن عبوديته له والثناء عليه بالتكبير والتهليل والتعظيم وإظهار الشكر والحمد لله تعالى على نعمه وأفضاله وعلى توفيقه لأداء الطاعات والعبادات.
– ثانيا: وسيلة لتنظيم علاقة المسلم مع نفسه. فيمنحها الراحة ويستروح من مشاغل الحياة ويحتفل ويفرح ويظهر زينته. فالتجمل للعيد سنة، واللهو المباح الخفيف الذي لا يتنافى مع ذكر الله سنة. وهكذا يغير المسلم من نمط حياته وسلوكه ويأخذ عطلة العيد ويعطي لنفسه حقها، حيث يأكل أطيب الطعام وينفق على أهله بسعة وجود.
– ثالثا: سبيل لتنظيم علاقة المسلم بأخيه المسلم. فيسعد بتوطيد صلته مع مجتمعه. فالعيد يجب أن يكون محطة لتفقد الأهل والأقارب والجيران. وأن يكون المسلم في خدمة أخيه المسلم ماديا ومعنويا. فمن الناحية المادية تجده يخرج زكاة الفطر في عيد الفطر ويقدم الصدقات ويذبح الأضاحي في عيد الأضحى، ويواسي كل محتاج ومعسر، ويتفقد أمرهم حتى يكون نافعا للجميع، ويصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى” (أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له).
أما من الناحية المعنوية؛ فيصل المسلم أرحامه ويزور جيرانه ويقابل الناس بالصفاء والمحبة والبشر والصفح، وفوق كل هذا يعيد لهذه المناسبات روحها الحقيقية ونورانيتها الجهادية التربوية.
ونختم القول بأن العيد يعطي أصدق صورة عن منهج الإسلام الذي أقام العلاقات الاجتماعية على الحب والتعاطف والتراحم والتعاون والبر، ولم يقمها على منطق الربح والخسارة.