جرى في علم كل إنسان وفي معرفته وقبلهما في فطرته أنه يفر مما وممن يؤذيه أو يشتم فيه رائحة شر أو مكر أو سوء أو أذى… ويلجأ إلى حيث الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان والرحمة والغفران…
والتوجيه النبوي من حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أكد على ضرورة ذكر هاذم اللذات (الموت) تذكيرا بالمآل وبضرورة الإنابة والفرار إلى الله عز وجل.
ورغم ذلك ما فتئنا أسرى للغفلات، نستمرئ الملذات والشهوات. ونلهو عابثين وعابثات.
يبعث لنا المولى عز وجل رسائل وزواجر وتنبيهات. تدق أجراس الخطر أن فروا إلى الله، فروا إلى الله…
هل استلمنا الرسالة؟ هل استمعنا للنداء؟
من الوحي المسطور إلى الكون المنظور علامات وآيات: فيضانات، وزلازل، وإعصارات، ورياح، ونيازك وخسوفات، وأوبئة… إنذارات تلو الإنذارات.
فأين هي العقول الحكيمة الراجحات؟
أعين عميت، وأسماع صمت، وقلوب هائمة، في الأهواء عائمة، تستهويها الترهات.
هل نحن أحياء أم أموات؟
ينادي المنادي صباح مساء: حي على الصلاة حي على الفلاح، ذروا الشغل، ذكر الله أكبر من كل الانشغالات.
نصبح ونمسي نسبح بحمد أخبار الفايسبوك وتويتر والانستجرام وفي الواتساب مع المجموعات.
وننسى أن نسبح بحمد الله مالك الملك، ونتوب إلى خالق الأرض والسموات.
إلى متى لا نستجيب لأمر الله القائل على لسان نبيه في محكم التنزيل: ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين (الذاريات، 50).
أحبتي: إن أبينا الفرار إليه فلن يسعنا يوما أن نفر من قدره، ومن الأجل الذي أجل لنا. لن نستطيع أن نفر من القدر المحتوم وإن كنا في بروج مشيدة: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم… (الجمعة، 8)، حتى إن احتمينا بالأسوار العالية أو كنا في بروج مشيدة أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة (النساء، 78).
فما الأفضل؟
أن نفر إليه طائعين فيقبل علينا برحمته وفضله وعطائه ورضوانه؟
أم نفر منه؟ فنشقى في الدنيا، فيتخطفنا الموت فنأتيه مرغمين لا نستطيع هربا من سلطانه، ثم نشقى إلى الأبد في الآخرة.
أحبتي إن لم تغمرنا العناية الربانية فلا أحد يملك لنا حماية إلا الوهاب المنان، جل ربنا وعلا في كل حين وآن.
فهيا نفر إليه قبل فوات الأوان.