لقد خص الله تعالى سيدنا محمدا عليه أفضل الصلاة والتسليم بخصائص عديدة، ومناقب كثيرة، وألبسه حلل البهاء والجلال، وأردية المحاسن والجمال، وأفاض عليه من العناية الربانية ما رفعه إلى أعلى الغرَف، وأوصله إلى ذروة الكمال والشرف، فزكاه في فؤاده وعقله وبصره وسمعه، وشرَح صدرَه ونوَّر قلبه وأثنى عليه ثناء جامعا هو قمة في التمجيد والتكريم، فخاطبه سبحانه وتعالى: وإنك لعلى خلق عظيم 1.
فصفات جمال ومحاسن الجناب الأرفع وكمالات الشفيع المشفع سيد الخلق لا تحصى ولا تُعد، ولله در القائل:
أرى كل مدح في النبي مقصرا
وإن بالغ المثني عليه وأكـثرا
إذا الله أثنى بالذي هـو أهله عليه
فما مقدار ما يمدح الورى؟
وقول آخر:
يا راغبا في حصر فضل محـمــد
خفض عليك ففضله لا يحصر
إن قلت مثل الرمل أو مثل الحصى
أو مثل قطر الغيث قلنا أكثـر
أكرم به مولى عـلـيـا قدره
متـــقـدمـا كـل لـه يتأخـر
صلى عليه الله ما هب الصبــا
من نحو روضته الخطيرة يخطر
ولما كان التعلق بالجناب النَّبوي الأعظم من أجَلِّ العبادات وأعظم القربات إلى الله عز وجل، فإن لمدارسة سيرة سيد المرسلين ومعرفة شمائله واستكناه خصائصه السَّنية وكمالاته المحمدية فوائد كثيرة وعوائد جَمَّة غفيرة نُجملها في:
1. تعظيم قدره صلى الله عليه وسلم
إن دراسة السيرة النبوية ومعرفة الشمائل المحمدية لَيُعد بحق السبيل الأنجع إلى امتلاء القلب بتعظيمه صلى الله عليه وسلم، وتعزيره وتوقيره ومعرفة قدره العظيم عند الله عز وجل، وهو أيضا وسيلة لتعظيم سنته وشريعته والحافز على الاستنان بها و اتباعها والائتمار بأوامرها والوقوف عند حدودها.
2. خدمة الجناب الأعظم صلى الله عليه وسلم
إن معرفة الشمائل المحمدية المنيفة وخصائصه الشريفة يعتبر تعلقا وخدمة لجنابه الشريف عليه أفضل الصلاة والتسليم، فهو “تعلق به وتعظيم لقدره وتقرب وتودد وانتساب واستعطاف وتعرض لنفحات فضل الممدوح واستمطار لسحائب إحسانه واستنزال لغزير بِره وامتنانه ومد ليد الفاقة والاضطرار وبسط لبساط الالحاح والإكثار وفتح لأبواب خزائن ما يأتي من قبله فإن الكرام إذا مدحوا أجزلوا المواهب والعطايا وقد أعطى العباسَ بن مرداس لما مدحه مائة من الإبل وخلع حلته على كعب بن زهير لما مدحه بقصيدته الشهيرة التي منها:
إن الرسول لنور يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
وفي ذلك أيضا تعرض لنفحات الرحمة الالهية فإذا كانت رحمته تعالى تتنزل عند ذكر الصالحين فما بالك بسيدهم وسندهم ومُمدهم صلى الله عليه وسلم” 2.
3. ذكر لنعمة الله علينا
قال ابن عباس رضي الله عنهما إن المقصود بالنعمة في الآية الكريمة واذكروا نعمة الله عليكم … هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفضل نعمة منَّ الله بها على البشرية جمعاء هي سيد الكونيين الرحمة المهداة ففي ذكر شمائله وخصائصه ذكر لنعم الله وآلائه علينا، وكيف لا و”نعمة الله” اسم من أسمائه عليه أزكى الصلاة والتسليم إذ “لم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت، نلنا بها حظا في دين أو دنيا أو دفع عنا بها مكروه فيهما، إلا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سببها القائد إلى خيرها والهادي إلى رشدها” 3.
4. محبته صلى الله عليه وسلم
إن أعظم وسيلة لمحبة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي معرفة محاسنه وإحسانه لأن النفس البشرية مجبولة على التعلق وحب الحسن والمحسن إليها ولا حسن ولا بهاء ولا جمال يضاهي حسنه وجماله فهو قطب الجمال وتاجه وبدر الكمال وتمامه، رحم الله من قال:
ما حسن يوسف النبي الكامل
إلا كشطر من بحور الكامل
وقال آخر:
نبي ما رأته الشمس إلا
وكلت عن محاسنه حياء
هذا هو المختار والبدر الذي
كل البدور خضعن تحت هلاله
ما ان له في العالمين مماثل
كلا ولا في الكون من اشكال
هذا عن حسنه أما إحسانه فلا إحسان يعادله.
5. الشوق والتلذذ بذكر الجناب الأعظم صلى الله عليه وسلم
إن في ذكر وسماع شمائل الحبيب المنيفة وخصائصه الشريفة تنعما وتلذذا بطب القلوب ودوائها وقرة العيون وضيائها “وهو ضرب من الوصال به صلى الله عليه وسلم ووجه من وجوه القرب منه والاجتماع به صلى الله عليه وسلم حتى إذا فات النظر إليه بالبصر، لم يفت التمتع بأوصافه وكمالاته بلذيذ الخبر” 4.
ولله در القائل:
ونحيى بذكركم إذا لم نراكم
ألا إن تذكار الأحبة ينعشنا
وقال آخر:
وتأخذ قلبي نشوة عند ذكركم
كما ارتاح صب خامرته خمور
أصوم عن الأغيار قطعا وذكركم
سحور لصومي في الهوى وفطور
إذا ذكر ارتاحت قلوب لذكره
نفوس وانشرحت صدور
إننا ونحن تتنسم أريج الطيب في هاته الأيام والليالي المؤذنة بذكرى مولد الحبيب لأحوج لمدارسة هذه الشمائل المنيفة والكمالات الشريفة تجديدا للصلة به وفرحا بمقدمه صلى الله عليه وسلم.
[2] مقتبس من مقدمة لدراسة وتحقيق للدكتور هشام حيجر لكتاب أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب صلى الله عليه وسلم للإمام السيوطي.
[3] من كتاب الرسالة للإمام الشافعي ص 16.
[4] مقتطف من مقدمة لدراسة للدكتور هشام حيجر لكتاب أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب صلى الله عليه وسلم. للإمام جلال الدين السيوطي…