ساق فضيلة الأستاذ محمد عبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الآية الكريمة: فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ لينزل معانيها على واقعنا، موضحا أن “النفر هو المشي بسرعة؛ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فالله سبحانه وتعالى عز وجل جاء بنا لهذه المحاضن (الاعتكافات) لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ”، مؤكدا أن الهداية “ليست منا، ولكنها من الله سبحانه وتعالى عز وجل، وجميع ما قمنا به، ونقوم به من هذه القربات لا ناقة لنا فيها ولا جمل، كلها فضل وهبة ومنحة وعطاء من الله سبحانه وتعالى عز وجل، فالخير كله بيده سبحانه وتعالى عز وجل”.
واسترسل شارحا، في كلمة تربوية توجيهية ختم بها الاعتكافات الرمضانية التي تنظمها جماعة العدل والإحسان في هذا الشهر الكريم، أنه “جيء بنا لأداء وظيفتين؛ الجهاد والتعلم”. منبها إلى أن الآية التي افتتح بها كلامه “يقول العلماء إنها أصل وجوب طلب العلم، إذاً جئنا لنتفقه ولنجاهد، ولنجاهد الجهاد الأكبر؛ جهاد النفس، وما أصعبه من جهاد”، محيلا على الصراع الدائم للإنسان مع نفسه؛ إذ كلما أحس أنه تغلب عليها تفلتت منه، وهو ما “نراه في حضورنا مع الله سبحانه وتعالى في الذكر وفي الصلاة”، و”هذه الحرب مع النفس لا تنتهي؛ فالمعركة دائمة متواصلة الى آخر نفس من حياة الإنسان”، غير أن هذه المجاهدة، يقول الأستاذ عبادي؛ “تجعل الإنسان يتقدم ويحرر مناطق”، ليشدد على أن نفس الإنسان “عدو أكبر منا، وهو غير مرئي، وله أعوان هما الهوى والشيطان، والصراع دائم، ولهذا يعتبر الجهاد النفسي هو الجهاد الأكبر، والذي ينتصر فيه يرزقه الله سبحانه وتعالى عز وجل الشهادة الكبرى.. التي ترفع صاحبها إلى منازل الصديقين”.
وأرشد الأستاذ عبادي إلى أننا في صراعنا مع هذه النفس لا ينبغي أن نعتمد على قوتنا وطاقتنا وأسلحتنا، فـ“الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبه ودائما كان يستعيذ بالله من نفسه، وعلمنا نحن أن نستعيذ بالله” واستدل على ذلك بأدعيته صلى الله عليه وسلم: “اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ نعوذ بك: ونحتمي بك، ونلتجئ إليك، ونتحصن بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا”.. “اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها”، “اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه”.
وأعاد التأكيد أن “الإنسان ضعيف إذا لم يستعن بالله سبحانه وتعالى عز وجل لمقاومة هذه النفس”، وأن الانتصار عليها هو الذي يمكننا من الانتصار في العالم الخارجي “فإذا انهزمنا أمام أنفسنا فلن نستطيع أن نصمد أمام العدو الخارجي”. ونوه إلى أن ثبات أهل غزة وصمودهم الذي أكرمهم المولى عز وجل به، سواء المقاومة أو حاضنتها، ناتج عن تربيتهم فـ”معظمهم من حفظة كتاب الله سبحانه وتعالى عز وجل، عاشوا مع القرآن وبالقرآن”، وهو القول الثابت، مصداقا لقوله عز وجل يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فانتصارهم في المعركة سبقه انتصار في “المعركة الأولى التي خاضوها؛ معركة مع الذات، معركة النفس هي التي جعلتهم لا يستسلمون رغم مجابهة حرب عالمية ضدهم”. فمعركتنا مع أنفسنا -يضيف- “هي التي تضمن لنا الانتصار على الفحشاء والمنكر وعلى الفساد وعلى الظلم وعلى الطغيان في العالم الخارجي”.
وانتقل فضيلة الأمين العام ليدل الحاضرين على كيفية الحفاظ على الخيرات التي اكتسبوها من اعتكافهم بقوله: “لا شك أننا عشنا أجواء ربانية أفاض الله سبحانه وتعالى عز وجل علينا فيها من رحماته وبركاته وعطائه وفضله الشيء الكثير، وهذا نشعر به في أنفسنا وفي أرواحنا، ما نعيشه من إقبال على الله تعالى، ومن سكينة تغمر كياننا ومن أنس بالله سبحانه وتعالى عز وجل هو نتيجة ما نقوم به من هذه القربات، ونتيجة لما نستمده من إخواننا وأخواتنا.. فيخشى الواحد منا بعد أن يغادر المعتكف أن يتعرض للسلب، ونعوذ بالله من السلب بعد العطاء، والعدو جاثم على الباب… هذا الهم ينبغي أن يبقى متواصلا، ونبحث عن طريقة لتحصينه”، وأهم ما يحصن هذه الأحوال حسب الأستاذ عبادي “هو الإنفاق منها، فكلما أنفقت من الخير زادك الله منه”..
ومضى الأستاذ عبادي في كلمته يجلي معاني ربانية عظيمة مرتبطة بنهاية الاعتكاف ووداع الشهر الفضيل وبسلوك المؤمن عامة، نضعها كاملة لمن يريد الاستزادة من خيراتها.