فـي التسابق إلـى الخيرات

Cover Image for فـي التسابق إلـى الخيرات
نشر بتاريخ

مشاهد مألوفة فـي الأسواق شعبيّها وحضريّها، وفـي الساحات العامة، وفـي جنبات المساجد بعد صلاتي المغرب والعشاء تحديدا؛ تتعالــى أصوات باعة الفواكه والسلع الفصلية، يتنافسون لإغراء الناس بما يعرضون من سلع؛ تنافسٌ يعتمد مهارات تقوم علـى حسن التسويق ورخص الأثمان، وهو ما يشكل فرصا استثنائية فـي تقدير الزبناء فيتهافتون علـى الاقتناء، وربما بكميات تفوق احتياجاتهم، وكأنهم بذلك “ينتقمون” من غلائها حينا، وندرتها أحيانا كثيرة.

هذه المشاهد المعتادة، وبتلك التقنيات فـي عرض السلع، جعلتنـي – وأنا فـي المسجد بعد صلاة المغرب – أتأمل هذا الأمر تحت تأثير أصوات الباعة المتعالية، وانتهـى بـي التفكير إلــى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة” (رواه الترمذي عن أبـي هريرة)، وقوله صلوات ربـي وسلامه عليه: “إن لربكم فـي أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها؛ لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقـى بعدها أبدا” (رواه الطبراني)، ورُحْت أحصـي العروض الإلهية الاستثنائية، حيث يضاعف الأجور بالعشْـر بل وبالمئات وما يفوقها؛ عروضٌ وفرصُ خير يومية وموسمية يُرتّب علـى إتيانها الشرع جزيل الثواب وعظيم الأجر، كيف نتثاقل علـى القيام بها والمحافظة عليها؟

ولأن المناسبة شرط، وحيث إننا نتفيأ ظلال شهر شعبان؛ شهر الزرع، مستشرفين شهر الرحمة والعتق من النار، ارتأيت تقاسم هذه التذكرة لعل الله يحيـي بها قلوبا ظمأى لعفوه سبحانه وتعالـى وكريم منّه وعطاياه.

1. الوُضوء: الحرص علـى أن يكون المؤمن والمؤمنة علـى وضوء خلال اليوم، وأن يُسارَع إلـى الوضوء ما أمكن، فقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات. كما فـي الحديث.

2. النوم علـى وضوء: فـي حديث ابن حبان وغيره: “من بات طاهراً بات في شعاره مَلَك، فلا يستيقظ إلا قال الملَك: اللهم اغفر لعبدك فلان، فإنه بات طاهرًا” (رواه ابن حبان)، ومن جميل ما قيل تعليقا علـى قوله تعالـى فـي سورة غافـر: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا: ما أكرم المؤمنَ على الله، نائما على فراشه والملائكة يستغفرون له!

3. الاستغفار فـي السحر: السحر هو ما يسبق أذان الفجر بدُقيقات يُحبّذُ فيه الاستغفار لقول تعالى: وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وقوله: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ. يقول صلـى الله عليه وسلم مرغبا فـي اغتنام فضل هذا الوقت: “إذا كان ثُلُثُ الليلِ أو شَطْرُه يَنزِلُ اللهُ إلى سماءِ الدنيا، فيقولُ: هل من سائلٍ فأُعطيَه؟ هل من داعي فأستجيبَ له؟ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ هل من مستغفِرٍ فأغفرَ له؟ حتـى يَطْلُعَ الفجر” (رواه الشيخان).

4. صلاة الجماعة فـي المسجد: عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: “مَنْ غَدا إِلـى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّه لهُ فـي الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ” (متفق عليه). وعنهُ أَنَّ النَّبِـيَّ ﷺ قالَ: “مَنْ تَطَهَّرَ فـي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَضـى إِلى بيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، لِيَقْضِـيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ، كانَتْ خُطُواتُهُ، إِحْدَاها تَحُطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرى تَرْفَعُ دَرَجَةً” (صحيح مسلم). وعن أبـَيٍّ بنِ كعْبٍ رضـي الله عنه قَالَ: كانَ رجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لاَ أَعْلم أَحداً أَبْعدَ مِنَ المسْجِد مِنْهُ، وَكَانَتْ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، فَقيلَ لَهُ: لَوِ اشتَريْتَ حِمَاراً تَرْكَبهُ فـي الظَّلْمَاءِ وَفـِي الرَّمْضَاءِ. قالَ: مَا يَسُرُّنـي أَنَّ مَنْزلـي إِلى جنْبِ المَسْجدِ، إِنـِّي أُريدُ أَنْ يُكتَب لـِي مَمْشاي إِلـى المسْجِدِ، وَرجُوعِـي إِذا رَجَعْتُ إِلى أَهْلـي. فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: “قَدْ جَمَع اللَّه لكَ ذَلكَ كُلَّه” (صحيح مسلم).

5. صلاة الصبح: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: “مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبحِ (فـي جماعة) فَهُوَ فـِي ذِمَّةِ اللَّه...” (صحيح مسلم)، أي كان فـي جوار الله وحرزه.

6. صلاة الضحـى: عن أنس رضـي الله عنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا أنس، صل صلاة الضحى، فإنها صلاة الأوابين” (أخرجه الأصبهانـي).

7. الباقيات الصالحات: روى أبـو هريرة رضـي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “مَن سبَّح الله دُبُر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين الجميع تسع وتسعون، وتمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علـى كل شيءٍ قدير؛ غُفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر” (صحيح مسلم).

8. الورد القرآنــي: ترسيخا للعلاقة مع كتاب الله، وتفاديا لأن يكون هاجرا لكتاب الله عز وجل، يحرص المؤمن والمؤمنة علـى قسط من القرآن الكريم يوميا، علـى أن يختمه مرة فـي الشهر علـى الأقل. ومن العوائد المغربية المحمودة فـي المساجد، تلاوةُ حزب الصباح وحزب المساء بعد صلاتـيْ الصبح والمغرب.

9. لا إله إلا الله: الكلمة الطيبة، عنوان الفلاح والحصن الحصين وترياق تجديد الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الإيمان ليخلُق (يبلـى) فـي جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلُوا الله تعالى أن يجدد الإيمان فـي قلوبكم” (أخرجه الطبراني). وعن أبـي هريرة رضـي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “جددوا إيمانكم، قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله” (رواه أحمد والحاكم والطبراني).

10. الصلاة علـى النبـي صلـى الله عليه وسلم: وسيلة الشفاعة، وباب القرب منه صلـى الله عليه وسلم يوم القيامة، وصارفة الهموم. قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتـي كلها عليك؟ قال: “إذاً يكفيك الله تبارك وتعالـى ما أهمك من دنياك وآخرتك” (رواه الطبراني).

11. صوم التطوع: يكفـي الصيام فضلا وسموا عن غيره من الطاعات أن نَسبه الله تعالـى إليه. قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به…” (رواه الشيخان). وصوم التطوع تدريب للنفس وتربية لها، ويشمل يومـي الإثنين والخميس من كل أسبوع، والأيام البيض (13، 14، 15) من كل شهر، ويوم وقوف الحجاج بعرفات، والتاسع والعاشر من محرم، والمستطاع من شهر شعبان.

12. الأدعية التحصينية: الدعاء حصن المؤمن والمؤمنة، وحريّ بهما أن يحرصا علـى أن يكونا فـي حصن الله فـي كل وقت وحين، وذلك بالمواظبة علـى الأدعية النبوية المأثورة عند إتيان كل أمر من الأمور اليومية مهما بدت بسيطة فـي تقديرهما.
هذه معالم ضابطة ليوم المؤمن والمؤمنة، بها يتعرض للنفحات الإيمانية فتنتظم أوقاته، وبتثبيتها يخرج من دوائر الغفلة عـن الله، فتثمر بتوفيق الله إيمانا يجد لحلاوتها ذوقا، وتتجاوب بأنوارها جوارحه وتخف للطاعات.

والحمد لله رب العالمين.