واحد وأربعون سنة عاشها محمد العلو امتدت بين زمنين ، رغم قصر المدة الفاصلة بينهما، من زمن الولادة إلى زمن الوفاة. وقد ولد الفقيد سنة 1961 بثلاثاء الحنشان بنواحي الصويرة ، من والدين شيظميين، لم تمنعهما الظروف المعيشية من تحفيز أبنائهم الأربعة (3 أبناء وبنت) قصد متابعة دراستهم، فقد تلقى السي محمد- كما يناديه أفراد عائلته- تعليمه الأول بمسقط رأسه. وبالموازاة مع تعليمه الابتدائي، وسيرا على” سنة” الشياظمة (خرج لوحته) وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب في سن الحادية عشرة من عمره، ولا يزال أهل دوار الحنشان يتذكرون “السلكة” أي الحفل الديني الذي أقامه والد الفقيد تيمنا بهذه المناسبة العظيمة.
ونظرا لعدم توفر المنطقة على إعدادية، انتقل العلو إلى مدينة الصويرة متأبطا الشهادة الابتدائية وحاملا في قلبه القرآن الكريم، ولم يمنعه تميزه دراسيا من مساعدة أسرته وتحمله أعباء شؤون الفلاحة.
توجهه الدراسي كان علميا بثانوية الإدريسي بآسفي، لكنه كان دائم الافتخار بتوجيهه العالي وهو رضا والديه وتربيته الصالحة، فطبع الالتزام الديني حياته مبكرا، ليتوج ذلك بانضمامه ل ” الجمعية الخيرية” سنة 1984، انضمام كان في ظروف عصيبة مرت منها هذه الجمعية التي سترفع فيما بعد شعار العدل والإحسان، فقد اعتقل في تلك السنة الأستاذ عبد السلام ياسين بسبب ما جاء في العدد الأول من جريدة الصبح، وحكم عليه بسنتين سجنا نافذا، واعتقل أعضاء ماسمي فيما بعد بمجلس الإرشاد وحكم عليهم بسنتين وثمانية أشهر سجنا نافذا،كما نال الأخ العلو نصيبه من المضايقات والملاحقات البوليسية فصبر واحتسب أمره إلى الله تعالى، وبالمقابل جد واجتهد ليحصل على شهادة البكالوريا، ويلتحق بالمركز الجهوي لتكوين الأساتذة بمدينة الدار البيضاء ويتخرج منها أستاذا لمادة التكنولوجيا سنة 1986، وعمل أستاذا لنفس المادة إلى أن وافته المنية.
تنقله الدائم بين مسقط رأسه ومدن الصويرة وآسفي وخريبكة وسطات والدار البيضاء، إضافة إلى تجربته التعليمية، جعلته يتوفر على رصيد مهم من تجارب الحياة ويخبر طباع الناس، ويصبر على أذاهم، ونظرا لمجموعة من الخصال كصفاء سريرته وكظمه للغيظ وحلمه،وتفكيره وعمله الجماعيين وقدرته الكبيرة على استيعاب مختلف وجهات النظر، رشح لمسؤوليات جسام،وكان لها خير مؤد دون كلل أو ملل، فهو- حسب مسؤولي الجماعة – من مؤسسي العمل التربوي والتنظيمي بمدينة سطات بداية التسعينات، وهو الرجل المربي والمفاوض الذي لا يساوم في مبادئه وقناعاته، فجميع المحطات والوقفات كان حاضرا فيها ينسق وينظم ويحفز، غبر أن اسمه ارتبط أشد الارتباط بمخيم سيدي أبو النعايم الذي كانت تنظمه العدل والإحسان ضمن مخيماتها الصيفية. فكان” سيدي محمد أميرا للبحر” حسب أحد أصدقائه، وهو المدير التنفيذي لهذا المخيم الذي حوله من مكان مقفر إلى مخيم عائلي متكامل يضم آلاف المصطافين والمصطافات- طبعا قبل منعه- وعن هذه التجربة قال الفقيد في تصريح لجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2 شتنبر1999:”فكرة هذه المخيمات تأتي لإتاحة الفرصة للمسلم المتدين الذي يخاف الله ليأخذ نصيبه من الاستجمام والراحة” ونظرا لارتباط اسمه بالبحر كان حاضرا صيف 2000 بمصطافات شاطئ عين الذئاب ولاكورنيش إبان ما عرف إعلاميا بمعركة الشواطئ. أما على صعيد البر فكان من المنسقين لتنظيم ما عرف بالوقفات المسجدية بالدار البيضاء تضامنا مع الشعب الفلسطيني.
ونظرا لكثرة تحركاته فقد ذاق نصيبه من التضييق والاعتقال والتعذيب، فكان رحمه الله- كما أكد ذلك الأستاذ عمر امكاسو عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية – من أوائل الاخوة الذين ابتلوا في الله، حينما تعرض للاختطاف بمدينة سطات سنة 1991 وتعرض لتعذيب شديد حتى خرج حبوا إلى المسجد” كما اعتقل سنة 1998 وحوكم بستة أشهر حبسا نافذا، لقد أبلى رحمه الله-يضيف الأستاذ امكاسو- “البلاء الحسن في دعوة الله تعالى بسمته الإسلامي الأصيل، ونبرته الصادقة البريئة، وبذله الواسع السخي، وكتب الله له القبول والود في قلوب من دعاهم وخالطهم، مع ما عرف عنه من جد وصرامة، لكنها صرامة أخوية”،خصال خولت له بتعبير الأستاذ فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، الفوز بأصوات إخوانه وأخواته ونيل شهادة حسن السلوك-ويضيف- لمثل هذا اليوم تعد وتهيئ جماعة العدل والإحسان رجالها ونسائها ومرشحيها لانتخابات يوم الآخرة”. ومن آخر المسؤوليات التي تقلدها الفقيد عضويته بمجلس الشورى التي “كان لها حاملا لا محمولا،مقبلا غير مدبر، باذلا لا بخيلا”.
ورغم كثرة حركيته لم يتخلف عن المحطات التربوية، إذ عاجلته المنية مباشرة بعد حضوره لاعتكاف تربوي مدته عشرة أيام،” فلم ير طيلة هذه الأيام- حسب الأستاذ محمد العبادي عضو مجلس الشورى لجماعة العدل والإحسان-متكاسلا أو منشغلا بغير ذكر الله، وقضى أيامه الأخيرة صائما ذاكرا تاليا لكتاب الله، وبعد انقضاء مدة هذا الرباط- يضيف الأستاذ العبادي -اعتذر لإخوانه واستسمحهم وانتقل لعبادة وقربى عظيمة هي صلة الرحم، فقد زار أرحامه بثلاثاء الحنشان، وعند عودته من زيارة أخته كتب الله له الشهادة”، كما يشهد له رفيقه الأستاذ محمد بارشي أحد قياديي العدل والإحسان بالدار البيضاء بأنه ” نعم الصاحب في السفر ونعم الجار في الحضر ونعم الزوج لأهله”، أما ابنة أخته لطيفة فبدت متأثرة لفراقه ” فقد كان لي – وهي تجهش بالبكاء نعم الأب والخال والصديق، كان حنونا نصوحا ، يشد بعضد أسرته وعائلته” ،” وهو عقل العائلة وعينها- يقول صهره السيد بوعبيد العرشي- يحترمه الكبير قبل الصغير، يستوعب مخالفيه بصدره الحنون وتسامحه وحلمه فرحمة الله عليه”.
هكذا عاش الأستاذ محمد العلو بين زمني الولادة والوفاة، موزعا بين مسؤولياته الأسرية والتربوية والتنظيمية، وهكذا رحل وهو في أوج عطائه إلى دنيا أرحب وأوسع، تاركا ابنيه صهيب ورضوى تحت مسؤولية زوجته خديجة.