فلسطين بين العزة والوهن

Cover Image for فلسطين بين العزة والوهن
نشر بتاريخ

إن القضية الفلسطينية هي بالدرجة الأولى قضية شعوب إسلامية عربية وليست قضية أنظمة فقط ومكانة القدس في قلوبناراسخة، فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والكل يعلم مكر اليهود وغدرهم عبر التاريخ، فهم قتلة الأنبياء ومكذبو الرسل وأعداء الدين، ويكفي ما وصفهم الله سبحانه في القرآن فاضحا جبنهم حيث قال عز وجل:لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون 1

، هم قوم لا يعرفون مفهوما اسمه الشطط، أو كلمة اسمها الانتهاك. الكل مباح على قاعدة ميكيافيلي الشهيرة الغاية تبرر الوسيلة). ولا تزال وسائل الإعلام العبرية وغير العبرية تطالعنا بصور العار وفيديوهات الخزي التي تظهر الجنود الصهاينة وهم يرقصون انتشاء أمام المعتقلين الفلسطينيين والفلسطينيات، زد على ذلك ما نراه من تهويد على أشده وتهجير مستمر بوتيرة متصاعدة وانتهاكات متواصلة واعتقالات يومية للأطفال والنساء والشيوخ والمقاومين بلغت من سنة 2000 إلى الآن أزيد من 72 ألف معتقل وجدار الفصل الذي لا يبقي ولا يذر.

إن سر الضعف والهوان الذي أصاب الأمة اليوم قد لخصه الحبيب المصطفى في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏‏ ‏“يوشك الأمم أن ‏ ‏تداعى ‏ ‏عليكم كما ‏ ‏تداعى ‏ ‏الأكلة ‏ ‏إلى ‏ ‏قصعتها،‏ ‏فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم ‏ ‏غثاء ‏ ‏كغثاء ‏ ‏السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهْن. فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت”.

إن الإسلام يزرع في قلوب أبنائه الاعتزاز بنعمة الإيمان والاستهانة بالدنيا وحب التضحية في سبيل الله بالغالي والنفيس، ولكن إذا تبدلت الأخلاق وسيطر الوهن على النفوس زالت الهيبة وتجرأ على الأمة الأراذل كما هو حاصل الآن.

والوهن هو الضعف، وهو مرض قد يصيب الشخص كما قد يصيب الأمة، ومن أعراض هذا المرض حب الدنيا والتهافت عليها ونسيان الموت. والوهن الذي أصاب الأمة لا يخفى على أحد ومظاهره بادية واضحة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.و سر الضعف، أن يخلد المرء إلى دنياه الخاصة، فيعيش عبدا لها مطواعا لأوضاعها الرتيبة، تحركه الشهوات كالخاتم في الأصبع.

وكراهية الموت هي التي تجعل الأفراد والجماعات يوثرون حياة الذل إذ الحياة الكريمة تتطلب التضحية بالغالي والنفيس.

إن أزمتنا في تعدد جوانبها وأبعادها اقتصادية وسياسية واجتماعية لها جذور وأسباب تعود إلى ضعف جذوة الإيمان والأخلاق، من تمزق وتفرقة أقطارنا وحكوماتنا، وإشاعة المخدرات والسموم بين الشباب، وأكل الحرام، وعدم إتقان الأعمال، واستنزاف الثروات، والسباق المجنون على الاستهلاك وغير ذلك كثير.

إن هذا الواقع يجعلنا نزداد إيمانا بأن مهمتنا الأولى يجب أن تتمحور حول تجديد الإيمان والأخلاق وبعث الحياة في الجسد الهامد الواهن، حتى يجري في عروقه الدم وينهض إلى العمل من جديد. إن أمتنا في حاجة إلى روح جديدة تسري في كيانها، تغير فلسفتها ونظرتها إلى الحياة وتبدل نمط حياتها الحالي المتواكل المتثائب إلى منتج فعال.

ما هو الدواء الناجع؟ أين سبيل النصر؟ يجيب ربنا عز وجل في سورة الصف: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المزمنين .

فإذا أردنا أن نحظى حقيقة بنصر الله وفتحه فلنغير ما بأنفسنا بالإيمان بالله حق الإيمان، يقول سبحانه:إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. لنغير نمط حياتنا، لنغير عاداتنا نحو الأحسن، لنوحد صفوفنا، لنجعل همنا هما واحدا هو طلب وجه الله عز وجل وطلب الآخرة، ولنكن واثقين كل الثقة بموعود الله عز وجل أن النصرة والغلبة للمؤمنين: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون.

آن الأوان كي تنهض الأمة من رقادها وتسترد تاريخها المجيد بالسير على خطى عبد الله بن رواحه وجعفر بن زيد، وعلى خطى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة وخالد وصلاح الدين، على خطى هؤلاء الشهداء الذين باعوا الدنيا واشتروا الآخرة بأموالهم وأنفسهم وبقي ذكرهم على مدى العصور. أولئك الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

آن الأوان لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

آن الأوان لنكون صفا واحدا كالبنيان المرصوص ونناهض الظلم والطغيان أينما حل وارتحل.

آن الأوان كي ينجلي الليل ويأتي النور، ونور الله لا ينطفئ مهما تعرضت أمة الإسلام للقهر والاضطهاد، فإن الله متم نوره ولو كره الكافرون .

ولنا المثال في أولئك الشباب الغر الميامين، رجالات المقاومة وحراس غزة العزة، وعناوين العزة والنصر الذين يبذلون أرواحهم ويسترخصون الغالي والنفيس لإعلاء راية النصر ودحض العدوان الصهيوني الغاشم، يحرصون على الموت بقدر ما يحرص أعداؤهم على الحياة، فسجلوا بذلك للحكام وللأمم وللتاريخ دروسا في التضحية والفداء وكيفية صناعة النصر.

ومن المغرب الأقصى أحيي أهلنا المرابطين في فلسطين الصامدة المجاهدة بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.


[1] الحشر الأية 14