تنتابني سعادة ممزوجة بخوف وشفقة كلما سمعت خبر ميلاد وسيلة إعلامية جديدة في المغرب، وخاصة إذا كان وراء الفكرة اسم معروف بانتصاره للمهنية والمواطنة والحرية.
تكمن السعادة في أن المشهد الإعلامي سيتعزز باسم جديد يشكل قيمة مضافة لتعددية إعلامية ما زالت ضعيفة، ولذلك فأي جريدة أو موقع جديد مرحب بهما لأن في ذلك خدمة للقارئ/المواطن وحقه في الإخبار والمعرفة والاطلاع.. أما الخوف فيكمن في أن أغلب هذه التجارب معرضة للوأد بسبب ضعف الإمكانيات المتاحة أو غياب تكافؤ الفرص بينها وبين تجارب إعلامية مرضي عنها أو بسبب التضييق الدائم والموسمي مما يجعلنا، في مناسبات عديدة، مضطرين للنضال من أجل هذا الصحفي أو الموقع أو الجريدة حتى يفرج عنه أو تنقص الغرامة أو ينال حقه في الدعم والإشهار أو…
أتذكر في هذا الباب تجارب رائدة كانت سباقة لتطوير الصحافة في بلادنا بمهنيتها وانفتاحها وانحيازها للمجتمع وقضاياه العادلة. من منا سينسى “الصحيفة” و”لوجورنال” و”دومان” و”لكم”؟ من سينسى أسماء بصمت الصحافة المغربية مثل “ابو بكر الجامعي” و”علي لمرابط” و”علي أنوزلا”؟ من يتذكر اليوم هذه الأسماء فيشهد بفضلها على الإعلام وما يعيشه اليوم من تطور؟
أتذكر تجربة “رسالة الفتوة” و”العدل والإحسان” والمعاناة التي كنا نعانيها لنجد من يطبع أعدادها بعد امتناع المطابع وشركات التوزيع عن الطبع والتوزيع بسبب التهديدات التي يتلقونها.
أتذكر صحفيين سلبت حريتهم، وآخرين ما زالوا يعانون من مضاعفات إضرابهم عن الطعام، وآخرين ما زالوا تحت سيف أحكام قضائية تهددهم في أي لحظة بالحبس أو السجن.
هل هناك إمكانية لممارسة صحافة مهنية في غياب قانون للصحافة بمعايير حقوقية يلغي العقوبات السالبة للحرية ويلغي الغرامات الشبيهة بالحكم بالإعدام على وسائل الإعلام؟
هل يمكن ممارسة صحافة مهنية في غياب قانون يضمن الحق في الوصول إلى المعلومة ويجرم كل من يمتنع عن تزويد الإعلام بالمعلومات؟
هل يمكن ممارسة صحافة مهنية في غياب ميثاق لأخلاقيات المهنة؟
هل يمكن ممارسة صحافة مهنية في غياب قضاء نزيه ومستقل ومتخصص؟
هل يمكن ممارسة صحافة مهنية في ظل قانون يبيح الحكم على صحفي بالمنع من مزاولة مهنة الصحافة؟ وفي ظل إمكانية إخضاع الصحافي لمحاكمة بمقتضيات القانون الجنائي؟
هل يمكن ممارسة صحافة مهنية في غياب قانون ينظم سوق الإشهار والدعم على أساس معايير موضوعية تضمن تكافؤ الفرص بين كل وسائل الإعلام؟
نحن اليوم بحاجة ماسة لكل الإعلاميين الذين ساهموا منذ سنين في رقي الإعلام المغربي وانقطعوا لأسباب قاهرة..
هل يمكن ممارسة صحافة مهنية وقوية في ظل تشرذم الجسم الصحفي وانشغاله بصراعات طاحنة بينية، وفي ظل غياب هيئة قوية وموحدة تمثل الصحفيين، وفي ظل غياب مساندة مجتمعية للإعلام؟
طبعا لا، وإلا فالصحافة بدون كل ما سبق لن تكون إلا بوقا أو رجع صدى لما تريده السلطة الحاكمة وأصحاب المال وصناع القرار.. وسلام على الإعلام باعتباره سلطة رابعة أو سلطة موازية للسلطات الثلاث.. وسلام على التعددية والديمقراطية والرأي العام.
إن النضال الجماعي من أجل تهييء هذه الشروط أولوية كل الديمقراطيين في بلدنا لأن الإعلام الحر والمهني والمستقل عن السلطة والأحزاب والمال هو صوت المجتمع وضميره.. وفي غياب هذه الشروط لا بد من احتضان كل التجارب الإعلامية التي تريد توسيع هامش الممارسة الإعلامية نحو الاستقلالية والمهنية. وهذا الاحتضان لن يتم إلا من خلال جبهة عريضة لأنه لا جدوى من حركتنا ما لم نضمن لها حدا أدنى من أجواء الحرية نقول فيه ما نعتقده وما نفكر فيه دون سيف مصلت ولا رقيب مترصد.
نحن اليوم بحاجة ماسة لكل الإعلاميين الذين ساهموا منذ سنين في رقي الإعلام المغربي وانقطعوا لأسباب قاهرة.. ونحن بحاجة لكل “الإعلاميين العضويين”، على غرار المثقف العضوي، الذين دفعوا ثمن إصرارهم على حريتهم ورفضوا أن يوظفوا في مهام خبيثة.
ولهذا فإن رجوع موقع لكم بحلة جديدة بشرى لكل المغاربة واختبار جديد لمصداقية السلطات في تبنيها لشعارات الحرية والتعددية.
ما تزال الساحة الإعلامية في حاجة لمنابر إعلامية كثيرة لتغطية الخصاص ولتزويد القارئ بالخبر والرأي والتحليل والتحقيقات التي ترفع حس المواطنة وتجذبه للاهتمام بالشأن العام ليتفاعل مع قضايا البلد بإيجابية. ولن يقوم بهذا الدور إلا إعلاميون أكفاء يعرفون جسامة هذه المهنة ويحرصون على مصداقيتهم، وهم كثر، ولكن الكثير منهم توارى إلى الظل مفضلا عدم العمل في مستنقع تغيب فيه أدنى شروط ممارسة الصحافة.
لا أنسى في هذه المناسبة مأساة الإعلام العمومي المتحكم فيه من قبل رأي واحد، والمحرم على فئات كثيرة من المغاربة لأنهم يفكرون بشكل مختلف.
تمنياتي لهذا المولود الجديد بالنجاح والتوفيق، وسأكون أسعد إن كانت هذه خطوة أولى تليها خطوات أخرى لعودة إعلاميين آخرين لأن قراءهم في انتظارهم.