في حوار شامل.. د. إحرشان يشرِّح المشهد السياسي المغربي ويبين موقع الجماعة ورؤيتها لمستقبل البلاد

Cover Image for في حوار شامل.. د. إحرشان يشرِّح المشهد السياسي المغربي ويبين موقع الجماعة ورؤيتها لمستقبل البلاد
نشر بتاريخ

استضافت صحيفة “كاب أنفو” الإلكترونية “capinfo” في برنامجها الأسبوعي الأستاذ الجامعي عمر إحرشان، وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، حيث خصّ متابعي البرنامج بقراءة تحليلية في المشهد السياسي والحقوقي الراهن، وتوقف عند حصيلة الحكومة والمعارضة وآفاق المرحلة المقبلة، كما تطرق إلى موقع الجماعة ورؤيتها وبرنامجها السياسي.

تقييم عمل الحكومة على 3 مستويات

اعتبر إحرشان أنّ أي تقييم موضوعي لحصيلة الحكومات لا يستقيم إلّا بضبط معايير دقيقة، بعيدًا عن الحسابات السياسوية أو المزايدات الانتخابية. وحدد ثلاثة مستويات للتقويم: ما يجب إنجازه بالنظر إلى انتظارات المواطنين، وما يمكن إنجازه في ضوء الإمكانات والظروف، ثم ما وُعِد بإنجازه في البرنامج الحكومي الذي يظل المرجع الحاسم. فالحكومة، في نظره، تُحاسَب أولًا على التزاماتها المعلَنة، لا على الوعود الانتخابية الفضفاضة ولا على التوقعات غير الواقعية.

وبهذه المعايير، يرى إحرشان أنّ الحصيلة جاءت أدنى من السقف المعلن في البرنامج الحكومي وأدنى من انتظارات الناس، مع تفاوت بين المجالات، بل وحتى في المجالات التي كان يُفترض أن تُشكّل نقاط قوّة. ورغم الطابع الإداريّ الإجرائي للحكومة التي سميت «حكومة الكفاءات»، فالأوراش الكبرى الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي بشرت بها، فقد بقي أثرها محدودًا. وأضاف أنّ عوامل موضوعية كالجفاف لعبت دورًا في تعقيد الوضع، غير أنّ السلطة التنفيذيّة في الحالة المغربيّة لا تقتصر على الحكومة وحدها، وهناك مجالاتٌ تُدبَّر خارجها؛ لذا لا يجوز تحميل الحكومة وحدها كل النتائج أو إعفاؤها منها كليا. ومع ذلك، يبقى الميزان الحاسم هو: ما وعدت به الحكومة في برنامجها؟ وماذا تحقّق فعليًّا حتى الآن؟ والجواب: الإنجاز دون سقف الوعود.

وأشار إلى أنّ أكبر الإشكالات التي طبعت التجربة تكمن في ضعف الأثر السياسي للحكومة وغياب السند الشعبي اللازم لمشاريعها. ومن بين ملامح هذا القصور: ضعف التشاور، رغم أنّ العرض السياسي منذ 2011 قام على فكرة التشاركية. وقد ظهر ذلك في قضايا كبرى، مثل قانون تنظيم الإضراب وقانون المسطرة الجنائية، حيث تجاهلت الحكومة اعتراضات الأطراف المعنية، ومضت في القرارات بشكل أحادي، ما يثير تساؤلات حول جدية الاختيار الديمقراطي.

سياسة تشريعية قاصرة تقفز على مبدأ التشاور

وعلى مستوى التشريع، ذكّر إحرشان بمشروع مهمّ يتعلّق بتعديل القانون الجنائي، وفيه باب الإثراء غير المشروع الذي سحبته الحكومة في بداية الولاية بدعوى إعادة صياغته، ثمّ سارعت في المسطرة الجنائية ونسيت القانون الجنائي. ولا يمكن تطبيق مسطرةٍ جنائية جديدةٍ بنجاعةٍ مع قانونٍ جنائيٍّ قديم؛ هذه مقاربةٌ قاصرة. والأسوأ أنّ مراجعة المشروع استغرقت أكثر من أربع سنوات من دون نقاشٍ عموميٍّ جدّي، ثم نقترب من موسمٍ انتخابي، فتضيق آجالُ النقاش إلى بضعة أشهر، ويصبح الهاجسُ انتخابيًّا أكثر منه تشاركيًّا. هكذا يُطالَب المجتمعُ المدنيّ والفاعلون السياسيّون بأن يناقشوا ويُصادقوا في وقتٍ وجيز على ما استغرقت السلطةُ التنفيذية سنواتٍ في إعداده، وهذا ينسف فكرة التشاور المسبق.

وأكد إحرشان أنّ المغرب يعيش مسارًا وُصف منذ سنوات بكونه انتقالًا ديمقراطيًا، لكن هذا المسار طال أمده ولم يفضِ بعد إلى تراكمات نوعية.

ويرجع السبب في تقدير المتحدث إلى أنّ الحكومات المتعاقبة لا تشتغل على برامج مفصّلة بل على خطوطٍ عامة تتضمّن وعودًا كثيرة، من غير إلزامٍ بتقديم برنامجٍ مُحكم. كما لا يسبق الانتخاباتِ نقاشٌ عموميٌّ واضح يشرح للناس بدقّةٍ ما الذي يمكن إنجازه وما الذي يتعذّر ولماذا. وأوضح أنه منذ تسعينيات القرن الماضي، كان الحديثُ عن التوجّه نحو ملكيّةٍ برلمانية وعن ضرورة تكريس العائد الاجتماعي؛ ومع ذلك ما زالت مناطقُ مهمَّشة تُكتشف كلّ مرّة: طرقٌ غير مهيَّأة، مدارسُ ومستوصفاتٌ غائبة… لماذا لا تنعكس هذه الوقائع في مؤشّراتٍ واضحة تُحاسَب عليها السياسات؟ هذه مفارقةٌ مؤلمة.

ورأى إحرشان أنّ توصيف الحكومة بوصفها “سلطة تنفيذية” لا يكفي لفهم الواقع؛ إذ إنّ كثيرًا من وظائف التنفيذ تُدار عمليًّا عبر الإدارة ومؤسسات وأجهزة تدبير متعدّدة. والوقائع تُظهر بجلاء حجم أدوار مستشاري الملك، حيث يتولى كل واحد منهم تقريبًا قطبًا رئيسيًا، سواء في الجانب الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأمني أو التدبيري.

حكومة رجال الأعمال أم حكومة لكل المغاربة

وفي نفس سياق توصيف طبيعة الحكومة، توقف إحرشان عند الجدل الدائر حول ما إذا كانت حكومة سياسية أم حكومة رجال أعمال. وبيّن أنّ وصف بعض الحكومات بهذا الطابع ليس بالضرورة إشكالًا في حد ذاته، لأنّ رجل الأعمال أو رجل التعليم أو حتى الشاب العاطل، متى دخلوا مركز صناعة القرار، يواجهون جميعًا تحدي الانتقال من زاوية النظر الفئوية إلى أفق المصلحة العامة. فالشاب العاطل، مثلًا، كان يرى البلاد من موقع المعاناة والانتظار، لكن حين يتولى موقع المسؤولية يصبح مطالبًا بإيجاد حلول للجميع. وكذلك رجل الأعمال، فإن بقي أسير أولوياته وانحيازه، يمرّر قوانين تخدم فئته لا عموم المواطنين. وهنا، كما يشدد إحرشان، يطرح السؤال الجوهري: هل نحن أمام حكومة لكل المغاربة، أم حكومة تُدار بمنطق الفئة؟

وفي تحليله لمسألة الانتخابات، شدّد الأستاذ إحرشان على أنّها آلية متعارف عليها عالميًا، وأهم وسيلة اختارتها البشرية لتجسيد التمثيلية داخل المؤسسات. صحيح أنّها قد تشوبها عيوب أو إشكالات، لكنها تبقى الآلية الأساسية والأكثر اعتمادًا لضمان المشاركة والتمثيل. غير أنّ الإشكال، في الحالة المغربية، يكمن في وجود أعطاب بنيوية تجعل من الصعب وصف الانتخابات بكونها ذات صبغة تمثيلية حقيقية. وللتدليل على ذلك، وضح التجربة المغربية التي بدأت بنظام اللوائح على أساس أنها قاعدة للانتساب، حيث من أصل 25 مليون مواطن، لم يسجَّل سوى 17.5 مليون، وفي انتخابات 2021 لم يشارك سوى 8.7 مليون ناخب، منها أكثر من مليون بطاقة ملغاة، ليبقى العدد الفعلي للمشاركين نحو 7 ملايين فقط. واعتبر أنّ هذا الاختلال البنيوي لا يمكن تحميل مسؤوليته للمواطن، بل هي مسؤولية الدولة والفاعلين السياسيين الذين يفترض فيهم تقديم عروض سياسية جاذبة تعيد الثقة وتستنهض المشاركة.

وأضاف إحرشان أنّ الديمقراطية التمثيلية في المغرب، بما لها وما عليها، كشفت عن قصورٍ واضح، فكان البديل المعلن هو تعزيز الديمقراطية التشاركية. غير أنّ التجربة العملية للعرائض والملتمسات أثبتت محدودية كبيرة، إذ لم تؤدِّ إلى نتائج ملموسة يمكن الاعتداد بها. أما الأمر الثالث، فيتعلّق بمؤسسات الوساطة التي شهدت، منذ سنة 2006، بدايةَ انحسارٍ واضح لدورها، مقابل بروز تنسيقيات اجتماعية اتسع حضورها وارتفع منسوب تأثيرها بشكل لافت. وهو ما يكشف، في نظره، أنّ مؤسسات الوساطة التقليدية في المغرب باتت تعاني ضعفًا كبيرًا، وأنّنا أمام إشكال بنيوي عميق يطرح تحديًا سياسيًا واجتماعيًا متصاعدًا.

موقع العدل والإحسان داخل المشهد السياسي المغربي

في الشق الثاني من الحوار، تطرق الأستاذ عمر إحرشان إلى موقع جماعة العدل والإحسان داخل المشهد السياسي المغربي وأهدافها ورؤيتها لمستقبل البلاد، إضافة إلى موقفها من الدستور وعلاقتها مع الفاعلين السياسيين.

 وأكد القيادي إحرشان أن الجماعة ليست معزولة عن محيطها السياسي والاجتماعي، موضحا أن البيانات والتقارير التي تصدرها ليست مجرد وسيلة شكلية، وإنما هي حاملة لموقف وقيمة. واعتبر أن الفرق بين الفاعلين يكمن في مضمون المواقف والوجهة التي توجه إليها، حيث إن هناك من يكتفي بالبيان، وهناك من ينزل إلى الشارع ويدفع ثمن موقفه من اعتقالات وحرمان من الحقوق.

 وفي جوابه عن سؤال “هدف الجماعة؟” أوضح أنها لا تهدف إلى “التغيير” بحد ذاته، لأنه أصبح مفروضا على الدولة والمجتمع، وإنما هدفها هو “مغرب أفضل” باعتباره مدخلا أساسيا لتحقيق هذا التغيير. مضيفا بأن غياب هذا “المغرب الأفضل” يجعل من رفع هذا الشعار هدفا آنيا بينما في سياق طبيعي كان يمكن أن يشكل مجرد وسيلة لتحقيق التغيير المنشود، أما عن كيفية تنزيل هذا الهدف، ذكر المتحدث مقاربتين أساسيتين: الأولى تتعلق بمشروعية المطلب، معتبرا أن أي دستور ينبغي أن يكون ديمقراطيا شكلا ومضمونا ومنهجية. والثانية مرتبطة بالتطبيق العملي، مشبها الأمر بالطبيب الذي يشخص المرض ويصف العلاج، بينما دور المريض يظل محدودا في الالتزام بالدواء. وأكد أن الوثيقة التي أصدرتها الجماعة جاءت بعد تشخيص دقيق للمشهد السياسي بداية بالدولة وانتهاء بالفاعلين السياسيين الذين يعول عليهم لتشكيل تكتل يساهم في زحزحة موازين القوى.

موقف الجماعة من الدستور والمشاركة في الانتخابات

وفيما يخص موقف الجماعة من دستور 2011 أوضح المتحدث أن الجماعة رفضت دستور 2011 لعدم استجابته للمطالب الجوهرية، لكنه أكد أن أي خطوة إيجابية يمكن أن تدعمها الجماعة لأنها تصب في مصلحة المغاربة.

وبخصوص موقع الجماعة في الساحة السياسية وعلاقتها بالفاعلين السياسيين، أكد إحرشان أن غياب الجماعة عن النسق الرسمي هو أمر إرادي وهي في وضعها الطبيعي، مشددا على أنها ليست منعزلة، بل متواجدة ضمن دائرة الفاعلين الذين تجمعهم اختلافات عميقة أحيانا. مشيرا إلى أن الدولة كثيرا ما تنسب الحركات الاحتجاجية إلى الجماعة حتى لو لم تكن مشاركة فيها.

وحول سؤال مشاركة الجماعة في الانتخابات، أكد إحرشان أن المسألة ليست مرتبطة بالزمن وإنما بالشروط، مذكرا أن الجماعة منذ تأسيسها نصت في قانونها الأساسي على أنها جمعية ذات صبغة سياسية. وأكد أن المشاركة قد تكون واردة إذا توفرت شروط الصلاحيات الكافية، وقد تختار الجماعة المشاركة في استحقاق معين دون آخر، وفقا لمعادلة الشروط.

أما عن العلاقة مع حزب العدالة والتنمية، فقد ذكر أن الخلاف السياسي بينهما يصل حد التناقض، لكن على المستوى الإنساني فالعلاقات تبقى جيدة، وهو ما اعتبره سلوكا صحيحا يغيب عند بعض الأطراف السياسية.