شاء الله عز وجل أن نعيش ذكرى استشهاد الشهيد الحي سيد قطب رحمه الله وغزة العزة ومعها الأمة تزهو بنصر مبهر في معركة العصف المأكول التي انتصر فيها الحق بفئة قليلة وبأقل الإمكانيات، على الباطل المدجج بشتى أنواع الأسلحة الصهيونية والمعونات والتواطؤ المخزي.
لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون، بِنَصْرِ اللَّـهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّـهِ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
لقد سطر أحرار وحرائر المقاومة وحاضنتها الشعبية طوال 51 يوما بفخر وعزة أسمى وأطهر وأنقى صور البطولة والرجولة، وحالهم متمثل لقول الله عز وجل: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ سورة آل عمران.
حقا لقد مرغت المقاومة أنف العدو الصهيوني في التراب وأسقطت نظرية الجيش الذي لا يقهر وحققت معادلة توازن الرعب والأمن المفقود قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ، ورفع الله تعالى ذكر غزة وجعلها أيقونة المقاومة ونموذجها الأسمى، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا سورة الأحزاب.
نورد في مقام النصر وذكرى الاستشهاد كلمات خالدة ورثها الشهيد الحي سيد قطب رحمه الله تعالى للأجيال المتعاقبة، دروس في الثبات والوفاء والعطاء لن تستطيع أيدي الغدر أن توقف روحها على مر الأزمان.
فقد أجاب سيد قطب رحمه الله تعالى أحد إخوانه الذي سأله: لماذا كنت صريحا كل الصراحة في المحكمة التي تملك عنقك؟
رد الشهيد الحي: لأنه ليس للقائد أن يأخذ بالرخص).
وقال رحمه الله: لماذا أسترحم، إن سجنت بحق فأنا أرضى حكم الحق، وإن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل).
وقال: إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا يقر به حكم طاغية).
وعندما طلب منه الاعتذار مقابل إطلاق سراحه قال: لن أعتذر عن العمل مع الله).
وتركها مدوية عندما سمع الحكم بإعدامه: الحمد لله لقد عملت خمسة عشر عاما من أجل الحصول على هذه الشهادة).
لقد سار سيد قطب رحمه الله إلى المشنقة ممشوق القامة، وعلى حافة المشنقة جاءه شيخ التلقين يقول له: قل لا إله إلا الله، فرد سيد قطب في عزة وإباء: حتى أنت جئت تكمل المسرحية؟؟ نحن يا أخي نعدم لأننا قلنا لا إله إلا الله .. أما أنت فتأكل الخبز بها).
وأطلق ابتسامة عريضة مشرقة ملأت وجهه وهو يودع إخوانه وقد وضع سيد قطب في ابتسامته هذه كل ما يريد أن يقوله لإخوانه وتلاميذه والأجيال اللاحقة من معاني الثبات على الحق والفرح بقرب لقاء الأحبة في الجنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه.
لقد صنعت لحظة اعتلاء سيد رحمه الله خشبة المشنقة جيلا يحمل فهم كتاب الله تعالى، قلوب تمد مصابيح الحرية بنور يحرق ستار عروش الاستبداد والفساد.
كيف لمثل هذه التربية أن تركع للأقزام المستبدين، أم كيف لأحفاد البنا رحمه الله أن يسترحموا الطغاة وسجلهم ناصع بالتضحيات.
قال رحمه الله: نحن بحاجة إلى زعماء بلا مجد وبلا شهرة وبلا بريق بحاجة إلى جنود مجهولين، بحاجة إلى فدائيين حقيقيين لا يعنيهم أن تصفق لهم الجماهير… إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة).
قال الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: وصدق في الله ولي الله تعالى مفخرة العلماء في هذا العصر سيدي سيد قطب، فدعا العبد الخاسر فرعون الاشتراكية والقومية المتدجل بالشعارات الإسلامية إلى الحق، فغضب الفرعون وسفك دماء المؤمنين الزكية، وقتل عالم الإسلام ولم يقبل فيه شفاعة المسلمين في مشرق ومغرب. ورأيت ورأى الناس خزي الفرعون بعد سنة واحدة ومذلته وهزيمته وحزبه أمام أخس الناس وأرذلهم على وجه الأرض. ونعلم ما أخبرنا به الحق جل جلاله من مصير الظالمين السفاكين يوم القيامة). رسالة الإسلام أو الطوفان.
إن التاريخ علمنا أن المشانق ليست سوى سبيل لإنفاذ قضاء الله للراحلين بأقدام تعلو جباه الجلادين. فمهما أعدم الطغاة وألهبوا ظهور الأحرار بسياطهم، فالصادقون باعوا أرواحهم لله في تجارة رابحة، يدخلون التاريخ من أعظم أبوابه يجددون روح الأمة ويحيونها من موات، بالمقابل يُقذف الطغاة الأقزام إلى مزابل التاريخ تلاحقهم اللعنة وينالهم خزي الدنيا والآخرة.