تأتي ذكرى الوفاء هذا العام لتخلد مرور إحدى عشرة سنة على رحيل الإمام عبد السلام ياسين الداعية المربي مؤسس جماعة العدل والإحسان. وإذا كان المعتاد أن تكون أمثال هذه المحطات فرصة سانحة لعرض المسار الذاتي للرجل في الدعوة والتربية والتأليف والتفكير والتنظير والجهاد، فإننا نختار عوض ذلك أن نتساءل عن هذه الضجة التي يثيرها الحديث لدى بعض الناس كلما ذكر اسم المرشد عبد السلام ياسين أو اسم جماعة العدل والإحسان، وهو ما يقودنا إلى طرح سؤالين اثنين على قدر بساطتهما تكمن إشكالات حقيقية في الأحكام العامة التي قد تبنى عن الحركة الإسلامية المجددة خاصة إن غاب البحث العلمي الموضوعي المنصف الرصين الذي يضع الناس موضعهم الاعتباري المستحق بعيدا عن النظرة الذاتية الضيقة، والآراء المتسرعة المسبقة. والسؤالان هما: ماذا يريد الرجل؟ وماذا تريد جماعته؟
ماذا يريد عبد السلام ياسين؟
عبد السلام ياسين الرجل الذي شغل ويشغل كثيرا من الناس في المغرب، وحتى خارجه، محبة أو كرها، ما شأنه وما شأوه؟ ما الذي يجعله موضع محبة من أصحابه ومشايعيه؟ وما الذي يثير الحنق عليه من خصومه ومبغضيه؟ ماذا يريد؟
عبد السلام ياسين يريد زعامة عرقية جامعة بين أمازيغية شلحية المحتد، وعروبية اللسان واللغة، فهو على هذا ذو قوميتين متمازجتين، لكن الرجل مثلما يرفض الفرنكوفونية الغازية يرفض “العربوفونية” وعنصريتها القبلية و”الأمازيغوفونية” ونزوعاتها التمزيقية، ويرى أن اللغة مؤسسة سياسية كبرى، وأن المقاربة تحتاج الحذر من عبية الجاهلية والنعرات القومية وما تؤدي إليه من الانشطار في الهوية والتمزيق في اللحمة الجماعية.
عبد السلام ياسين يريد زعامة دينية صوفية يستند فيها لنسبه الشريف إلى الأدارسة، وإلى انتمائه للمدرسة الصوفية، وهو ما يؤهله لأن يكون شيخ زاوية دينية تضمن له الرئاسة على المريدين والأتباع، وكذا الحظوة لدى القائمين على الأمر، الذين لطالما اعتزوا بالانتساب للدوحة النبوية، ولطالما أحلوا الزوايا مكانة معتبرة من الرعاية المادية والمعنوية. لكن عبد السلام ياسين في تعرضه لمسألة النسب الشريف في رسالة الإسلام أو الطوفان الشهيرة ربطها بما للعرب بما هم من قوم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من فضل على الدعوة الإسلامية، مع احتراز واضح من القومية العلمانية العروبية، ومن ما تجره الأنساب من عداوات الجهل والتنازع على الرئاسات. ثم إنه لم يكن يحب اسم التصوف شكلا ومعنى، وإن اعترف بفضل الزاوية الصوفية في ترقيه الروحي فهو لم يكن يحيد عن النصح للزاوية حتى سمي بعبد السلام الشريعة، وقد فارق الزاوية وإن احتفظ بإجلال المحبة الوارفة لها لأنه كان يرى أن نهج التغيير يجب أن يكون على منهاج النبوة السنية التي حملت هم الدعوة إلى الله وهم نصرة المستضعفين، وهو ما لم تتحمله الزاوية التي انتهت تحت إبط السلطان صامتة عن واقع الناس وظلم الحكام.
عبد السلام ياسين يريد زعامة الوجاهة الاجتماعية، يضمنها له النبوغ الفريد في التلقي العلمي والمعرفي، وعصاميته النادرة في الترقي في السلم الوظيفي. والواقع أن سيرة الرجل تكشف عن مسار تعليمي وتكويني ووظيفي متميز جعلت منه في زمن قياسي وفي عمر قصير المعلم والمدير والمفتش والخبير والأديب والمنظر والمثقف، وهو ما كان يمنحه وضعا اجتماعيا مريحا على كافة الأصعدة ماديا ومعنويا يجعله على مستوى عال من الرضى النفسي والاجتماعي يفترض أن يحرص على دوامه وعدم التفريط فيه، بيد أن الرجل خرج من كل هذا الامتلاء المادي والمعنوي ليعيش أزمة روحية نفسية بعد أن استولت عليه أسئلة المعنى من الوجود، ما انفك منها إلا بصحبة من دله على الله لتنعتق رقبته كما يقول من الجهل والإسلام الموروث إلى طريق الحق والحياة.
عبد السلام ياسين يريد زعامة نضالية حقوقية، وهو الذي لم يكن كما قال عن نفسه إلا خبزيا منشغلا عن هموم المجتمع، غارقا في التحصيل العلمي، ولم يعرف له نشاط سياسي أو نقابي، أو مشاركة في حمل هم المقاومة ضد الاستعمار. لكن الذي يقرأ سيرة الرجل لما نهض للبحث عن معرفة الله سابقة وفضلا من الله، وعاشر الصوفية فعرف الحق الذي معهم، وتفتحت عينه على الفساد المستشري في الإدارة من زاوية المعايش الخبير سيجد تاريخا حافلا بالنضال المجيد بدءا بكلمة النصح الرشيدة للملك الحسن الثاني في زمن لم يكن يجرأ أحد أن يتنفس بله أن يتكلم في زمن الانقلابات وعصر الجمر والرصاص، وما تلا ذلك من اعتقالات ومحاكمات وحصار وإقامة جبرية وإجراءات تحكمية غطت أكثر من عشرين سنة من حياة الرجل، وانتهاء برسالة النصح للملك الآخر وما تبعها من تحامل القاصي والداني وتجدد أساليب الحصار العام للداعية وللدعوة.
عبد السلام ياسين يريد زعامة سياسية، يتكئ فيها على الرغبة في وراثة حقه في ملك أجداده الأدارسة في صراعهم التاريخي مع العلويين، وعلى التعويض عن “هجر الزاوية له” لما “فشل” في وراثة سر الشيخ الصوفي، وعلى الإحساس المفرط بالتفوق العلمي والخبرة الإدارية، وعلى الصورة العامة التي تحققت له بفعل تهوره في خطاب الحاكم، وما نتج عن ذلك من رصيد نضالي، وعلى الكاريزما التي تولدت عن كل ذلك فضمنت له أتباعا ومريدين شكل بهم تنظيما سياسيا قويا ومنضبطا. بيد أن المنطق السياسوي كان يقتضي لمن توفرت لديه كل هذه الميزات أن يستغلها في نيل المكاسب التي نالها غيره ممن لم تكن تتوفر لديه أو حتى فيه بعض أو أقل مما كان لدى الرجل مما ذكر من العوامل التي كان لو غرضه التسلط وحب الرئاسة لكان استثمرها في بلوغ مآرب التسلق في سلاليم السياسة وما يأتي منها من ريع وثروة. بل حتى الرسائل المشهورة التي وجهت لحكام المغرب لم تتضمن أي إشارة تطلب منصبا أو تدعو حاكما للتخلي عن المنصب لصالحه، إنما كانت كلها دائرة على معاني الدعوة إلى التوبة إلى الله وتغيير ما بالبلاد من استبداد وتسلط وفساد.
عبد السلام يريد زعامة فكرية ثقافية، وحق له ذلك بما جمع الله له من التمكن والرصين من شتى العلوم النقلية والشرعية، ومن الاطلاع الواسع على العلوم العقلية والفلسفية، ومن الإتقان لعديد من اللغات والألسن، ومن الخبرة الميدانية في مجال التربية والتعليم، والتخطيط والتوجيه والإدارة، ومن التأليف الثري والغني والواسع في أصناف متعددة من جوانب الفكر والثقافة والسياسة والتربية والتعليم. لكن الرجل وبالرغم من هذه الموسوعية الكبيرة المعززة برصيد هائل من الجهاد والنضال وأداء الثمن من حياته واستقراره وحريته وصحته لم يسجل عليه يوما تزلف لحاكم، أو تملق لذي جاه، أو تشوف لدنيا، ولم يرم بشبهة بيع ذمته لنيل رضى أي كان، ولم تثبت عنه مشاركة في تسويق أوهام الدعايات في زمن الثقافة التفاهة والسفاهة.
وإذن ما يريد الرجل؟
كانت صيحة الرجل أمام الناس: من هنا الطريق! من هنا البداية! أكانت صيحة طفولية لرجل اكتشف الكنز الخفي للسلوك إلى الله؟ أم كانت صيحة الوعي العميق بالأجوبة عن أسئلة المعنى والجدوى والمصير؟ أيا كان الأمر لقد عرض الرجل اعتمادا على التجربة الشخصية المعيشية عصارة ما يبحث عنه الإنسان العاشق للحرية الحقيقية السرمدية: التي هي الانعتاق من سطوة الاثقال إلى الطين صعدا نحو اكتشاف الروح لبارئها، ومعرفتها بخالقها؛ فلقد اكتشف الرجل وهو في عز الامتلاء المادي من الدنيا الخواء الروحي، والجفاف القلبي، والضياع النفسي، والتلاشي الذري في زمن اللامعنى، وكان على ميعاد مع قدر الله بالالتقاء بالأب الروحي المصحوب الدال على الله عز وجل، فخرج إلى الناس يخبرهم عن تجربة أن الطريق إلى الله محجوب إلا من طريق الصحبة الدالة على الله تحملك وتحمل عنك، وأن الحق الذي هو حب الله هو عين الحقيقة والعلم اللذين حافظ عليهما السادة أهل الله الصوفية السادة طيبو الأنفاس كما يقول عنهم. وضع الرجل يده على الإحسان بما هو مرتبة في الدين، وتنور القلب والعقل ليعيد فهم الدين بما هو مراتب للترقي، ومدارج للعروج، فانطلق الرجل ليكون داعيا إلى الله، يريد إسماع الفطرة المنطمسة بفعل التربية الجاهلية المنقطعة عن الله إلى الإنسان الفرد: فطرة أنه مخلوق خلقه الله عز وجل، وأن مسيره في الدنيا بلاء وتمحيص، وأن مصيره الرجعى إلى الخالق. ثم هو يريد إسماع الفطرة المسكوت عنها بفعل التربية المضادة التغريبية إلى المسلم وراثة أن الله يطلب ويُحَبُّ ويُحِبُّ، وأن الدين مراتب ثلاث: إسلام وإيمان وإحسان.
الهم الفردي أدى بالرجل إلى معرفة الله عز وجل، ثم أنهضته هذه المعرفة المقدسة، بل أنهضه الله عز وجل، إلى الوعي بضرورة التهمم بأمر المسلمين، ليجمع بالهم الأول الانتماء إلى الله، وبالثاني الانتماء إلى أمة رسول الله، فانفتحت أمام الرجل بهذا الانجماع فهوم جديدة في قراءة القرآن الكريم والحديث النبوي، والسيرة العطرة، وتاريخ المسلمين، والتراث العلمي الإسلامي، والإنتاج الفكري والثقافي والفلسفي والسياسي والإنساني، ليدرك الرجل أن النهوض للعملية التغييرية تحتاج إلى تصور علمي وتخطيط عملي، ففتح الله عز وجل عليه باكتشاف المنهاج النبوي الذي أسس عليه رؤيته لمشروع التغيير المجتمعي القائم على تربية الإنسان والتشييد الأخوي للعمران. هنا أراد عبد السلام ياسين أن يفهم الناس أن عملية التغيير الحقيقية الجديرة بمعنى الإسلامية لا يمكن أن تتم إلا عبر النهج الذي اعتمده الرسول الكريم في إخراج أمة جاهلية متخلفة إلى سعة سيادة الدنيا والدين، أي عبر تربية الإنسان الفاعل التاريخي وتوزين العامل الذاتي ليتغير ما حول الإنسان عبر التحلي بمجموع من الخصال التي تصعد بالإنسان من محضن الصحبة والجماعة إلى ذرى الجهاد بمعانيه المتكاملة.
عرض عبد السلام ياسين تصوره التغييري هذا على حاكم البلاد طمعا في التقاء ثان ليد الدعوة بالدولة فاعتقل ونكل به، ثم عرضه لما استيأس من إجابة السلطان على الفاعلين والسياسيين والفضلاء والعقلاء لتوحيد الجهود لإنقاذ البلاد والعباد، ففر البعض منه فرقا لماضيه مع السلطة، واتهمه البعض بالحمق والخرافة والشطحات لما تحدث عن معرفة الله وحب الله، وأعرض عنه البعض لحسابات الزعامات والرئاسات، وأنكر عليه البعض الآخر جرأته لكونه وحيدا طارئا في ساحة الدعوة والعمل السياسي. فلم يجد الرجل بُدّا من أن يصيح صيحة أخرى: “فلنكن إذن”، ليعلن بها خوض غمار تأسيس عمل دعوي حمل اسم: “جماعة العدل والإحسان”.
ماذا تريد جماعة العدل والإحسان؟
جاءت تجربة العدل والإحسان في السياق المغربي لتترجم رغبة مؤسسها عبد السلام ياسين في عرض تجربة دعوية تقدم نموذجا للتصور التغييري الذي اقترحه الرجل في المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا لما لم تفلح جهوده لا في إقناع الحاكم بالتوبة العمرية واعتماد الحل الإسلامي لإصلاح البلاد، أو في توحيد العاملين في حقل الدعوة لبعض الاعتبارات المذكورة آنفا.
مثلما كان عبد السلام ياسين مؤمنا بأن العلم إمام العمل، فقد كان مقتنعا أن العمل يصدق العلم أو يفنده؛ فاحتاج أن يبني تجربة عينية يعرض بها نموذجا ماثلا لما يتصوره آلية تنظيمية لبناء الإنسان من خلال التأكيد على ضرورة التكتل الجماعي المنظم، وعلى أن لا جهاد إلا بجماعة منظمة قوية بنواظمها الجامعة المتمثلة في الرابطة القلبية، والآلية التشاورية، والإنجاز المنضبط. فماذا تريد جماعة العدل والإحسان؟
تريد جماعة العدل والإحسان أن يعرف الناس هويتها منها لا من غيرها، وعليه نراها تؤكد أنها ليست حزبا سياسيا، وإن كانت تمارس السياسة باعتبارها تهمما شرعيا بالشأن العام تهمما بأمر الأمة ونصرة للمستضعفين. وليست زاوية صوفية منزوية منعزلة عن الناس همها الأذكار والأنوار، وإن كانت تجعل من الأساس التربوي القائم على تزكية النفس بالذكر والرباط وسائر القربات حجر الزاوية في بناء الشخصية الفردية. ثم هي ليست حركة ثقافية فكرية مدار التغيير عندها على التنوير العقلي والتشبع الثقافي والتناظر الفلسفي، وإن كان لها مشاركة فاعلة في تناول مختلف جوانب الثقافة والفكر حوارا وتواصلا ومدافعة واستفادة من الحكمة العالمية.
تريد جماعة العدل والإحسان أن يطمئن الناس أن الجماعة ليست طارئة على الأمة فهي سليلة الانتماء لخط الدعوة النبوية الذي وُعِدت فيه الأمة الإسلامية بانبعاث التجديد للدين كلما اندرست معالمه، وليست طارئة على البلاد فهي جماعة مغربية أصيلة المنشأ والمحتد، وهي لا تقدم نفسها بأنها الجماعة المؤمنة، والفرقة الناجية، والطائفة المهدية المنصورة المحتكرة للإسلام، والضامنة للغفران، بل إنها اجتهاد من اجتهادات، وتصور من تصورات، وعمل من أعمال التاريخ الناصع لصحوات النهوض الديني التي عرفها المغرب وعاشتها الأمم الإسلامية في بحثها الدائم عن جذورها الإسلامية والإيمانية للإصلاح العام.
تريد جماعة العدل والإحسان الحرية لنفسها لتتحدث إلى الناس بحرية دون وسائط حاجزة، وتريد الحرية لغيرها ليجد الناس الفرصة للاختيار والانتماء، والوعي بأهمية العمل المنظم في التغيير الإسلامي في زمن يتكتل فيه الباطل وتتشتت فيه أمة الوحدة والجماعة. وبهذه الحرية التي تريدها غير مرهونة بشرائط المنح والتقييد، تريد للناس أن يعرفوا أن الجماعة جماعة توبة ودعوة في إطار جسم تنظيمي دعوي إسلامي يدعو إلى التوبة الفردية إلى الله عز وجل، إقامة للدين في النفوس، وإلى التوبة الجماعية إقامة لشرعة الله في المجتمع.
تريد جماعة العدل والإحسان تحقيق العدل للمجتمع بمختلف معانيه وتجلياته؛ عدلا في الحكم بالشورى، وعدلا في الاقتصاد بالتوزيع المنصف للثروات، وعدلا في القضاء بالحكم بالسوية، وعدلا اجتماعيا يحقق الكرامة للإنسان. وتريد الإحسان للإنسان معرفة بالله وترقيا في مدارج الدين، والإحسان في العمل إتقانا وتجويدا، والإحسان للخَلْق كلهم بحسن الخُلُق وجمال المعاملة والخدمة. وتعتمد في ذلك تربية الإنسان وصحبة الشعب تربية متوازنة متكاملة تجمع بين التربية الإيمانية الإحسانية والتربية الفكرية العقلية والتربية الحركية الفاعلة من دون دروشة منزوية، ولا غرق في الترف الفكري العقلي، ولا انغماس في الحركية الجوفاء.
تريد جماعة العدل والإحسان حكما راشدا رشيدا، يقطع مع العض الوراثي والجبر الاستبدادي، ومع احتواش السلطة لمال الأمة وقهر العباد والبلاد. وهي تمارس السياسة القائمة على معارضة الحكم لا الحكومة من زاوية العصيان الشرعي لا المعارضة المعيشية، وتتوسل في ذلك بخط سياسي لاحب قائم على الوضوح والإحسان والمسؤولية وفق النهج القانوني السلمي الرافض لثلاثية العنف والسرية والتعامل مع الخارج. وتضع الجماعة في مرمى بصرها وأفقها الاستراتيجي الإسهام في إعادة الخلافة الثانية على منهاج النبوة تحقيقا لوعد الله وموعود رسوله في استخلاف عباده المؤمنين في الأرض لكنها مرحليا تروم التأسيس للدولة القطرية المبنية على السيادة الشعبية في اختيار الحاكم، وامتلاك القرار السيادي من دون تحكم داخلي أو إملاءات أجنبية، والعدل السياسي، والعدالة الاقتصادية، والتضامن الاجتماعي، والكرامة الإنسانية.
تنتصر جماعة العدل والإحسان للمستضعفين في الأرض وللإنسانية في العالم، وتدعو على المستوى الوطني إلى جبهة مجتمعية متكاملة لمجابهة الظلم، ومواجهة السياسات الظالمة للاستبداد والفساد على أرضية ميثاق وطني مدبر للعلاقات بين الفاعلين والفرقاء. وعلى مستوى العالم العربي والإسلامي تطمح الجماعة إلى أفق تتوحد فيه الأمة وتتكتل فيه ليكون له صوت مسموع، وأداء فاعل في عالم الأقوياء. وتقترح عالميا ميثاق حلف إنساني يضغط فيه الفضلاء والأحرار لحماية الفضاء الحيوي لكوكب الأرض، ونصرة الإنسانية الغارقة في بؤسها الأخلاقي والمادي بفعل كسب الآثمين المفسدين.
على سبيل الختم
خاتمة الحديث دعوة -مرة أخرى- صريحة ملحة إلى الكل: إلى الفرد الإنسان، إلى الشعب عامة، إلى حكام البلاد وسياسييه، إلى الفاعلين المجتمعيين، إلى النخبة المثقفة، إلى أحرار العالم ومفكريه:
إن لدى الإمام عبد السلام ياسين تجربةً شخصية، وتكوينا علميا، وتنظيرا فكريا، وجهادا عمليا، ما يمكن أن يقدم إجابات ضافية بوسعها الإسهام في فك حيرة الإنسان التائه عن معنى وجوده، وفي تجديد المعنى الشامل للدين الإسلامي، وفي عرض الوصفة النبوية المعجزة لتغيير الفرد وبناء الجماعة الموعودة بالنصر والاستخلاف، وفي هدي الأمم العالمية لبناء مجتمع التعايش المتسالم على أسس الاحترام المتبادل لإنسانية الإنسان.
وإن في تجربة جماعة العدل والإحسان ما يمكن أن يكون نموذجا ماثلا لما تقترحه الحركة الإسلامية للقومة العامة التي تروم التقدم المجتمعي والرقي الحضاري، والرفاهية الاقتصادية، والتمكين في العالم. وإن في ما تعرضه ما يمكنه الإسهام في صحبة واحتضان وتربية الشعب، وتعليمه الفتوة والرجولة، لينال حريته حتى يحقق ما يصبو إليه من عيشة كريمة من دون تحكم الاستبداد وتسلط الفساد.
لذا، تدعو الحكمة العقلية، والإنصاف الموضوعي، والوضع المتأزم للبلاد، واستشراف المستقبل الآتي، إلى الاستماع والإنصات إلى ما يعرضه الرجل وتقدمه الجماعة، طبعا إلى جانب ما يقترحه غيرهما، قصد تسديد الجهود وترشيد العمل وتوجيه الفعل نحو ما يحقق صلاح البلاد والعباد في هذه الظرفية الحضارية العامة. والله المستعان الهادي إلى الحق الصواب بإذنه.