في ذكرى اليوم الدولي للشباب.. أي مستقبل لحقوق الشباب في سياق التحولات الدولية
نصرح منذ البداية أن الغرض من هذا المكتوب، هو تسليط الضوء على قضية الشباب من زاوية حقوقية في سياق تخليد الحركة الحقوقية لليوم الدولي للشباب، الذي يصادف 12 غشت من كل سنة منذ أقرته الأمم المتحدة سنة 1999، وقد اختارت له هذه السنة شعار: “أهمية تنمية مهارات الشباب المناسبة للاقتصاد الأخضر في تحقيق عالم مستدام” نظرا لأهمية الشباب في التأثير وصناعة التحولات الكبرى، وقدرته على بناء المستقبل متى توفرت له الشروط والظروف، وهي رسالة واضحة للدول والحكومات من أجل النهوض بواقع الشباب من أجل عالم مستدام، خاصة في ظل الاستهداف الممنهج لحقوقه الأساسية في التعليم والصحة والعيش الكريم وفي الشغل والسكن والتعبير عن رأيه بكل حرية.
ويعيش في عالم اليوم حوالي 1.2 مليار شاب، تعددت مطالبهم وطموحاتهم نحو غد الكرامة والحرية وحقوق الإنسان كاملة، وأسها حق هذا العبد المخلوق قسرا في معرفة ربه عز وجل ومصيره يوم اللقاء، وهو للأسف الحق الأسمى المسكوت عنه، المغيب قهرا تحت ذرائع مصنوعة من الآليات والقواعد التي أنشأها الاستكبار العالمي.
لقد اتخذت الأمم المتحدة منذ زمن ليس باليسير مجموعة من الخطوات بخصوص النهوض بقضية الشباب منها:
– إعلان تعزيز المثل العليا للسلام بين الشباب والاحترام المتبادل والتفاهم بين الشعوب 1965.
– تنظيم السنة الدولية للشباب تحت عنوان: المشاركة والتنمية والسلام سنة 1985.
– تخليد الذكرى العاشرة للسنة الدولية للشباب سنة 1995.
– اعتماد استراتيجية برنامج العمل العالمي للشباب حتى عام 2000 وما بعده سنة 1995.
– اعتماد القرار54/120 في دجنبر 1999، بإعلان يوم 12 غشت اليوم الدولي للشباب.
– اتخاذ مجلس الأمن بالإجماع القرار 2250، سنة 2015، بصفته أول قرار لمجلس الأمن مخصص بالكامل للدور الحيوي والإيجابي للشباب في تعزيز السلام والأمن الدوليين.
وإلى جانب هذه الخطوات، تم تعيين المبعوث الأممي للشباب منذ سنة 2013، ومبعوثا خاصا بشأن البطالة بين الشباب منذ سنة 2016. كما تصدر إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة كل عامين “تقرير الشباب العالمي” لتسليط الضوء على المجالات الرئيسية في خطة تنمية الشباب وتحسين أوضاعهم، ويشكل منتدى الشباب السنوي منصة مهمة للشباب للتواصل وطرح الهموم والقضايا الشبابية والتحديات التي تواجه هذه الفئة، والتفكير في سبل التشبيك والتنسيق الدولي لتعبئة الجهود والترافع ضد قيم النيوليبرالية المتوحشة المهلكة للطبيعة وللبشرية جمعاء.
لكن للأسف، تظل هذه الجهود الأممية قاصرة عن النهوض بواقع الشباب الذي يعاني من العطالة والبطالة التي تدفع بالآلاف من شباب دول الجنوب نحو قوارب الموت، كما يؤكد الواقع على ضعف جودة التعليم وخدماته مما يؤدي إلى نسبة كبيرة من الهدر المدرسي والانقطاع عن التمدرس والتعرض لكل أنواع الاتجار بالأطفال، كما يؤكد هذا الواقع على هزالة العرض الصحي في جل هذه البلدان، التي تعاني من الخصاص في الأطر الصحية والبنيات التحتية الطبية والتجهيزات الكفيلة بالعلاج.
علاوة على ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وصعوبة الحياة، مما له الأثر البالغ على حياة الشباب وواقعهم نفسيا وصحيا وعلميا وأخلاقيا، خاصة عندما نستحضر هول المشاريع الهدامة الموجهة لتخريب الشباب عبر ميازيب متعددة، منها نشر ثقافة الشذوذ الجنسي وتشجيع تيارات الإلحاد وثقافة الانحطاط باسم الفن المعتدى عليه، وترويج المخدرات… وكلها مخططات ممولة ومدعومة من جهات دولية وإقليمية بأهداف واستراتيجيات أضحت معلومة.
إن هذه التحديات شكلت دائما لدى العديد من المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان وخاصة الحركات الشبابية الجادة والغيورة على امتداد دول الجنوب أساسا والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص، الدافع الأساسي نحو بناء تكتلات جماهيرية لتعزيز الوعي بأهمية قضية الشباب، ولتوطين استراتيجيات ممانعة تستهدف الشباب بمشاريع بنائية محركة نحو مستقبل يكون فيه الشباب ماسكا بزمام المبادرة في صناعة القرارات، وفي بلورة استراتيجيات التغيير العميق، الذي من خلاله سيصنع تاريخه وينتزع حقوقه ويقرر مصيره في التعليم والتنمية المستدامة.
ولطالما تتعرض ولا تزال هذه الحركة الشبابية للقمع والمنع والتضييق بكل الأساليب المنافية لحقوق الإنسان، فسجون الحكومات والأنظمة السلطوية تعج بالآلاف من الشباب بسبب مواقفهم الرافضة لهذه السياسات، كما أن شوارع بلداننا المتخلفة لا تتوقف فيها حركة الاحتجاج السلمي ضد هذه الأوضاع للمطالبة بأدنى الحقوق، وفي هذا المقام لا يفوتني وأنا أحرر هذه الكلمات أن أعلن كل التضامن مع الدكاترة المعطلين بالمغرب الذي يخوضون هذه الأيام معركة الأمعاء الفارغة للمطالبة بحقهم في الشغل، كما أدين كل أشكال العنف والقمع التي يتعرضون إليها.
وخلاصة القول، إن معركة التنمية، ومواجهة التحديات الحقيقية للشباب تقتضي إرادة سياسية دولية حقيقية لوقف نزيف الاختلالات والأعطاب التي تعاني منها السياسات المنتهجة والموجهة لهذه الفئة، والحقيقة أن هذه الإرادة السياسية لا يمكن البتة أن تأتي من نزهة، بل لابد من عمل جماعي تجميعي مستدام لبناء ميزان قوى يوفر الشروط الكفيلة بتشييد حاضنة المشاركة الفعلية والحقيقية للشباب ضمن وعاء سياسي يتنفس الحرية.