بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين
بيان القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان
بمناسبة اليوم الوطني للمرأة المغربية
دأب المغرب منذ سنين على اعتبار العاشر من أكتوبر من كل عام يوما وطنيا للاحتفاء بالمرأة المغربية. يوم يشكل لنا مناسبة سانحة لتقييم حقيقي للحصيلة السنوية للسياسات العمومية الرامية للنهوض بأحوال النساء في المغرب.
يوم يأتي هذه السنة في سياق إقليمي وعالمي استثنائي؛ ابتدأ مع عملية طوفان الأقصى المباركة وتوالى مع العدوان الصهيوني الغاشم المسنود بشكل مطلق من الاستكبار العالمي على الشعب الفلسطيني ثم اللبناني. عدوان كان للنساء الفلسطينيات فيه نصيب وافر من التقتيل والتنكيل والأسر والتجويع، في صمت مطبق لكل المنافحين عن حقوق المرأة (إلا ما نذر من الأصوات الحرة هنا وهناك)، عدوان كن فيه بالمقابل عنوانا للثبات والصمود ويدفعن فيه ثمن العزة والكرامة غاليا.
ومع كل مناسبة تهم المرأة، تترجى المرأة المغربية انفراج الأزمات وتبدل الأحوال، لكن سرعان ما تتبدد آمالها وتصطدم بالواقع الكالح، فزواج الثروة والسلطة ما فتئ يفرّخ أعطابا كثيرة ومركبة يصلى لظاها الشعب المغربي عموما وتنال المرأة منها نصيب الأسد. فالإحصائيات الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط تشير أن معدل البطالة بين النساء يفوق نظيره بين الرجال، ونسبة مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي تبقى ضعيفة مقارنة بالرجال مما يعكس تهميشهن في سوق العمل وكذا عدم تأمين بيئة سليمة وآمنة لعمل النساء، الشيء الذي يؤدي إلى مزيد من تفاقم الفوارق الاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر والهشاشة في ظل الارتفاع المهول في الأسعار وغلاء المعيشة الذي يكتوي بناره المغاربة وخصوصا الفئات الهشة في مقدمتها النساء.
أما صِحّيا، فما زالت الفجوة واسعة في الخدمات الصحية المقدمة للنساء، خاصة في المناطق القروية حيث يبقى معدل وفيات الأمهات أثناء الولادة مرتفعا ومقلقا، مما يعكس الحاجة الملحة إلى تحسين البنية التحتية وتجويد الخدمات الصحية وتوفير الرعاية الشاملة والمناسبة للنساء.
أما ما يتعلق بالعنف ضد النساء، فلا تزال الأرقام صادمة إذ إن حوالي نصف النساء المغربيات يتعرضن لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف. وعلى الرغم من وجود قوانين تجرم هذا العنف، فإن غياب آليات فعالة لحماية النساء يجعل هذه القوانين تظل حبراً على ورق. فإذا أضفنا إلى ذلك العنف الذي يمارس على المرأة من طرف من يفترض فيه حمايتها (طالبات الطب نموذجا)، تصبح الصورة أشد قتامة.
إن المرأة المغربية، التي تعاني من تحديات كثيرة رغم الوعود المتكررة والإصلاحات المحدودة تظل الأكثر تأثراً بتداعيات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التي تعيشها بلادنا. فرغم مرور عام كامل على الزلزال الذي ضرب بعض مناطق المغرب المنسي، ماتزال الكثير من دور لقمان على حالها، تتساءل عن دعم الدولة الموعود في إعادة الإعمار، إذ أنهكت الخيام المهترئة التي لا تتحمل لا برد الشتاء ولا حرارة الصيف ساكنيها، وافتقدت النساء، وهن حجر الزاوية في شد عزم الأسرة وفي تدبير شؤونها، معنى الخصوصية، وأصبحن لاجئات مع ذويهن في بلد تعد المواطنة فيه، ويا للأسف، متعددة الدرجات.
ومازلنا لم نستفق من هول الزلزال حتى بادرتنا الفيضانات التي لم تكشف عن هشاشة البنية التحتية فحسب، بل عن هشاشة قيمة الإنسان في وطننا ودرجة استشراء الفساد في أوصال من يخططون لهذا البلد ويدبرون شؤونه.
إن تغول السلطوية الذي بات يزيد يوما عن يوم في المغرب وغياب تقسيم عادل للثروة التي يزخر بها البلد بشكل يكفل الحد الأدنى من العيش الكريم لكل مواطنة ومواطن، ولّد انسداد أفق الأمل وتخييم اليأس الذي جعل الناس رجالا ونساء شبابا وأطفالا ضحايا سهلة لمافيات الهجرة السرية المقامرين بالأرواح التي تنجذب لركوب البحر كما تنجذب الفراشات نحو الضوء. والمرأة، هنا لم تعد فقط مشروع ثكلى ترثي ابنا ابتلعته أمواج البحر أو أرملة تبكي فقدان زوج، بل باتت هي نفسها مرشحة للموت في رحلة البحث عن القوت ولقمة العيش فوق الضفة الأخرى بعد أن ضاقت بها جنبات الوطن. هجرة سرية لا تنسينا نزيف الهجرة العلنية المستمر للأطر والأدمغة الذين تدفعهم السياسات العمومية الفاشلة التي ينهجها المسؤولون إلى البحث عن آفاق تعليمية ومهنية وإنسانية أرحب.
لكن، رغم كل هذه اللوحة القاتمة، تظل النساء المغربيات عنوانا للصمود والنضال اليومي على كل الأصعدة السياسية والحقوقية والاجتماعية، وتبرز كل يوم هنا وهناك نماذج فردية للتفوق النسائي المغربي في العلوم والتكنولوجيا والصحة وغيرها من المحالات، تعد بما يمكن أن تحققه المرأة عند توفر الشروط المناسبة للعطاء. صورة مشرقة أخرى جسدتها المرأة المغربية طيلة هذه السنة التي التحمت فيها إرادتها بإرادة كل الشرفاء في العالم كله نصرة للحق والعدل، ودعما ومساندة للحق الفلسطيني وحقوق كل المستضعفين على وجه الأرض، ورفضا للغطرسة الصهيوأمريكية ودول الغرب بقيمه المبتذلة ومعاييره المزدوجة التي تغض الطرف عن حرب الإبادة التي تمارس في حق النساء والأطفال.
وإننا، في القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، إذ نستعرض الحصيلة السنوية لواقع نساء المغرب، ننوه ب:
● الصبر والجلد اللذين تواجه بهما المرأة المغربية أعباء الحياة وتناضل من أجل أسرتها بكل مسؤولية والتزام.
● الوعي الحقوقي والنضالي الذي يتزايد يوما بعد يوم بين النساء، حيث يعبرن عن رفضهن لكل أشكال الحيف ويعلين أصواتهن بطلب الحقوق وسط كل الفئات.
● انخراط المرأة المغربية في مناهضة التطبيع، بكل أشكاله، الذي أضحى يهدد الأمن الوطني على كل الأصعدة.
كما نشجب ونندد ب:
● التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه النساء المغربيات عموما ونساء المناطق المنكوبة بالزلزال والفيضانات خصوصا.
● سياسة الأذن الصماء التي تنهجها الدولة لتجاهل المعضلات التنموية وعلى رأسها قضايا النساء والمطالب العادلة لفئات وشرائح مختلفة من المغاربة.
● اختيار الدولة للمقاربة الأمنية وممارسة العنف ضد المواطنين وضمنهم النساء، بدل الانحياز إلى الحوار والمشاركة في إنتاج الحلول بالتوافق مع الفئات المستهدفة.
● استمرار التضييق على نساء العدل والإحسان وحرمانهن من حقهن في التنظيم والعمل الجمعوي.
كما نجدد:
● تضامننا الكامل مع المرأة الفلسطينية واللبنانية وصمودهما في وجه العدوان الصهيوني، ودعوتنا لكل القوى الحية في العالم للوقوف بجانب الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه المشروعة.
● دعوتنا إلى سياسات رشيدة وقوانين عادلة يكون هدفها الأسمى تماسك الأسرة المغربية وحفظ حقوق جميع مكوناتها، مع تركيز أكبر على إنصاف المرأة بما يضمن لها فرص العيش الكريم والمشاركة الفاعلة في المجتمع.
● تحذيرنا من تفاقم ظاهرة الهجرة السرية، ودعوتنا إلى تبني سياسات تنموية تخلق فرصاً حقيقية للشباب والنساء وتحد من هذه الظاهرة.
● دعوتنا لكل الشرفاء والفضلاء في هذا الوطن للتعاون والتقارب من أجل الدفاع عن قضايا النساء.
في الختام، نؤكد في القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان التزامنا بالنضال من أجل حقوق النساء المغربيات والفلسطينيات ونساء العالم على حد سواء، والعمل من أجل وطن الحرية والعدالة والكرامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان
10 أكتوبر 2024