سعت واشنطن بوسائل عدة لتفريغ العراق من كفاءاته العلمية مستكملة خطة إسرائيلية قديمة لتصفية أي عالم نووي عربي (قتلوا المشد وسميرة موسى وغيرهما)؛ ولهذا صدر في أوائل العام الجاري أغرب قانون أمريكي لتهجير علماء العراق، حيث أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قانون حمل عنوان “قانون هجرة العلماء العراقيين 2002” ينص على منح العلماء العراقيين الذين يوافقون على تقديم معلومات “ذات مصداقية” بشأن برامج الأسلحة العراقية تصريح إقامة دائمًا في الولايات المتحدة.
وجاء في أسباب تبرير صدور هذا القانون أن “العراق يتابع إخفاء معلومات مهمة بشأن برنامجه النووي”، وأن بغداد تملك “قوة” صواريخ من طراز “سكود” يتجاوز مداها مسافة 150 كم سمحت بها الأمم المتحدة بعد انتهاء حرب الخليج، وأن العراق لم يعط أي معلومات عن مصير مخزونه من 15 ألف صاروخ و550 قذيفة مدفعية يمكن تزويدها بذخائر كيميائية وجرثومية.
وبموجب هذا القانون تم منح وزير الخارجية أو وزير الدفاع الأمريكي صلاحية اقتراح بطاقة إقامة دائمة، من دون المرور بالإجراءات العادية، لكل عالم عراقي “يملك معلومات محددة وذات مصداقية عن أي برنامج عراقي من هذا النوع”.
ويبدو أن الخطوة الأخيرة كانت قتل هؤلاء العلماء ومنع انتقالهم لدول عربية أخرى خصوصا سوريا؛ خشية أن يطوروا أسلحة هذه الدول ويعيدوا تكرار تجربة العراق وتهديده لإسرائيل بالصواريخ والأسلحة غير التقليدية التي نزعتها الأمم المتحدة.
وقد أصر المسؤولون الأمريكيون على عدم الاكتفاء بالتدمير المادي للاسلحة العراقية أو الآلات التي تنتجها، بل الذهاب إلى مدى أبعد والعمل على وضع تقويم للمعارف والخبرات التي طورها العراق في هذا الميدان، وهو ما عبر عنه رئيس بعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العراق جاك بوت بكل وضوح ودون مواربة حين قال: “يجب أن نحدد ما إذا كانت توجد قدرات نووية أم لا؟ وبالنسبة لي فإن ذلك يشمل العقول والأسلحة”؟!
كما دعا الكاتب الأمريكي توماس فريدمان -قبل الغزو- لتفعيل خطة استجواب علماء عراقيين وتهريبهم مع عائلاتهم لو أمكن للخارج؛ للحصول منهم على معلومات عن أسلحة العراق بدلاً من تضييع الوقت في ضرب العراق واستنزاف تكاليف للبحث عن هذه الأسلحة.
فهل بدأ الأمريكيون الشق الثاني الأخطر في خطتهم بتصفية علماء العراق ومؤسساته البحثية عبر خطط مرسومة؛ لإشاعة الفوضى في العراق، وتشجيع عمليات النهب والانتقام في ظل الاحتلال لنفاجأ بعد ترسيخ الاحتلال أقدامه بأن العراق فقد عقله وعلماءه وقدراته العلمية ولحقت “بغداد بوش” بـ “بغداد جينكيز خان”؟!