بقلم: فاطمة صربون
قاعدة من أعظم قواعد الإيمان واليقين بالله، وأكبر حافز، وأقوى دافع للعمل والجد والمثابرة، أعتبرها شخصيا قانوني في الحياة، تسير معي في حلي وترحالي، بها أنصح بناتي كلما طلبن نصيحة، تتراءى لي كملاك يكلمني، فأسمعه يهمس: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنَ اَحْسَنَ عَمَلاًۖ [الكهف: 30].
آية فريدة في بعث الاطمئنان والسكينة في قلب المؤمن الصادق الموقن بموعود ﷲ، المعترف له بالوحدانية والعدل، الجازم بأنه سبحانه يجازي بالإحسان إحسانا، وبكل عمل مهما صغر جزاء وفيرا.
كلام من رب العالمين فيه تأكيد على أن المطلوب من الخلق السعي وتحري الخير والعمل الصالح الحسن، ومهما كانت الظروف والأحوال فإن جهده لن يضيع ولن يخذله الملك الوهاب.
كلمات كالبلسم في دروب الحياة القاسية، وفي خضم الابتلاءات المُمَحِّصَة، تنير الطريق وتزرع بذرة اليقين في قلب المؤمن، ليسير في طريق الحق والخير عالية همته، مرفوعة هامته، مطمئنة نفسه، لا يخشى ضياع جهده ولا نقصان أجره، فهو يعلم يقينا أن ﷲ الكريم لن يضيع من عمله مقدار ذرة وقد وعد بذلك سبحانه في قوله: فَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراٗ يَرَهُ ٨ [الزلزلة: 8].
آية تحفزك للمزيد من العمل والسعي للخيرات، لأنك تعلم أنك إذا زدت عملا صالحا زاد جزاءك عند ﷲ.
اعمل ما تيسر لك وما استطعت وما سمحت لك به ظروفك، ولا تيأس حينما ترى أن ما كنت تطمح إليه لم تبلغه بعملك، فليس الغرض هو الوصول دائما، إنما في طريق السلوك إلى ﷲ مواصلة السير في الطريق الصحيح هو المراد من السالك.
تعترضنا عقبات وتقض مضجعنا نكبات تعرضت لها الأمة ومازالت، فنرى أننا لا نستطيع إحداث أي تغيير ولا تصل جهودنا إلى نفع يذكر، فنحن لا نملك شيئا مما يمكنه أن يبدل الحال.
فتأتي هذه الآية تفتح لنا بابا من الفرج والفرح بنور ﷲ، فقد جعل ﷲ لفظة العمل نكرة، لتدل على العموم والشمول ويدخل تحتها كل عمل حسن مهما كان حجمه ومهما كانت درجته في إحداث التغيير المنشود.
إذ أن أغلب الناس حين يعجز عن عمل يرى بأم عينيه جدواه وفائدته الآنية، تتملكه الحسرة وينتابه اليأس وتهجم عليه هواجس العجز والتذمر والتسخط، فهو في اعتقاده أن ﷲ أمره بأن يبدّل الحال بنفسه، ونسي أن ﷲ قادر على تغييره بكلمة (كن)، وغفل المسكين أن الابتلاء والامتحان هو في بذل الوسع وعمل المستطاع، لا في اصلاح الكون، فلو أراد ﷲ للناس أن يكونوا جميعا صالحين ما أعجزه ذلك سبحانه: اَفَلَمْ يَاْيْـَٔسِ اِ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ اُ۬للَّهُ لَهَدَي اَ۬لنَّاسَ جَمِيعاٗۖ [الرعد: 32]، لكنه دفع للناس بعضه ببعض، لتمحيص الصادقين وإثبات الحجة على الكافرين والمنافقين.
فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فهو أعلم منك بقدراتك، وأقرب منك إليك، يفرح ويجازي العبد حين يرى منه حب الخير والإقدام على العمل الصالح، والحرص على الإحسان والإتقان، مهما ضعفت درجة ذاك العمل، فالمهم أنه صالح حسن.
فكن أخي المؤمن أختي المؤمنة حريصا على تحري العمل الحسن في كل أقوالك وأفعالك، واجعل هذه الآية نصب عينيك وشعارا لك حتى تستمر في العطاء والعمل دون توقف، بعيدا عن أن ينتابك اليأس والعجز مهما كانت الظروف، وتيقن أن أجر عملك لن يضيع والله الملك الحق الوهاب الكريم هو الموكل به.