قرة العين قرار واستقرار

Cover Image for قرة العين قرار واستقرار
نشر بتاريخ

سعادة الإنسان وسرور قلبه أن يوهب الذرية الصالحة قرة العين، إرادة لا تكفيها النية القاعدة العاجزة عن اقتحام العقبات النفسية والاجتماعية، ومجابهة التحديات الخارجية الحائلة دون بلوغ القصد وتحقيق المراد.

قرة العين قرارك أيتها الأم المربية الراعية، قرارك أيها الأب المربي الراعي، يلزمه من الإدراك العميق والوعي الكامل ما يسمو بالقرار إلى مقام العبودية، كلما اتضحت المنطلقات، فإذا استقر القرار في العقل والقلب وجد مساحة شاسعة في ميدان العمل، وانتقلنا من الفكرة إلى التطبيق، ومن التصميم إلى الإنجاز، فالقضية قضية بناء، بناء جيل، بل أجيال، موصول فيها الفرع بالأصل، موصولة بالنور النبوي تربية، وبهديه سلوكا عمليا، موصولة فيه الوسيلة بالغاية، فقرة العين فخر أسرته في الدنيا، وذخر لها في الآخرة، طمأنينة للقلب، وسكن للروح، وراحة للبال، في واقع مرير تفشى فيه الانحلال الأخلاقي، والتسيب الاجتماعي، ضاعت فيه القيم، وضاع معه جيل طمست هويته بفعل التبعية والتقليد.

قرة العين أمل أمته، أمة عاشت قرونا من الانحطاط والتخلف الذي نخر كيانها وجعلها مائدة لتداعي المستكبرين، أمل هو الولد الصالح لأمة موعودة بالنصر والتمكين، شريطة التغيير الجذري، والبناء الفعلي لمقومات التغيير.

وقرة العين مباهاة نبوية ترقى بالهمم اليقظة إلى التشوف للمعالي، فالشرف عظيم والدرجة عالية، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “تَناكحوا تَناسلوا أُباهي بكم الأممَ يومَ القيامةِ” (1)، مباهاة كم وكيف، وإلا فالغثائية بلاء ومرض عضال أسهم في تأزيم الوضع المجتمعي نفسيا وأخلاقيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. منطلقات سامية تحمل الإرادات القوية على تصحيح التصورات وتصويبها، نتحدث عن التصحيح والتصويب لأن الموروث الثقافي والاجتماعي خلف تصورات جزئية وسطحية لبناء الإنسان، فما تعارف عليه الناس أن التربية تأتي بعد الإنجاب، وما ينبغي استدراكه وترسيخه في الأفهام أن المشروع التربوي منطلقه اختيار الزوجين لبعضهما؛ اختيار الزوجة الصالحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فاظفر بذات الدين تربت يداك” (2)، والزوج الصالح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” (3)، ضمان وأساس.

حاجتنا لتصويب الفهم والاقتناع الكلي بالدور المحوري للأم في التنشئة السليمة للذرية ومسؤوليتها العظيمة في الحفاظ على الفطرة النقية، يشاركها الزوج مشاركة فعالة، فتتكامل الوظيفتين وتكتمل التربية متوازنة مستقيمة.

حاجتنا لوعي عميق أن الرعاية والتنشئة لا تنحصر في المأكل والمشرب والمسكن… بل تتعدى ذلك كله إلى شمولية تتلاقى فيها تربية الجسم والعقل والروح.

وحتى تستقيم هذه التصورات على أساس متين، لا بد من مفاتيح أساسية لتسييج البناء، من هذه المفاتيح التي تحقق الاستقرار الأسري الذي ينشأ فيه الولد الصالح قرة العين؛ الدوافع القلبية، فالنية الصالحة، وصدق التوجه القلبي، ومتانة الصلة بالله عز وجل مطالب أساسية وقواعد مهمة في التربية المنشودة، قال تعالى: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا. (الكهف، 82). باعث قوي على تغيير السلوك وحمل النفس لتحمل المسئولية الكاملة والواعية، والحرص الشديد على توفير السكن الحسي والمعنوي.

من المفاتيح أيضا؛ إعداد العدة وبناء الذات باستعداد علمي وعملي لامتلاك الآليات واكتساب الخبرات الكفيلة بتأهيل الأب لأداء وظيفة الأبوة وتأهيل الأم لأداء وظيفة الأمومة، وتهيئة البيئة الصالحة، والرفع من الوعي الأسري باعتماد مشروع تربوي متكامل للوالدين، يستلهم المبادئ والقواعد من الأصول: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع الاستعانة بالأبحاث والدراسات الحديثة، والتجارب البشرية الناجحة.

تعظيم الأمانة واستحضار الأثر القوي الثلاثي الأبعاد؛ على الطفل والأسرة ومن ثم الأمة، وتقدير النعمة العظيمة كدافع من الدوافع لبناء أساس مستقر ببذل الجهد الكافي والجهاد الدؤوب لتحصين البناء، وحفظه من متاهات الفتنة ومغريات الزمان والمكان، ليقر القرار ويستقر باستقرار نية صادقة وعمل صالح مستمدين العون والمدد من الرحمن، متوكلين عليه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق، 3).


الهوامش:

(1) مختصر المقاصد، 326. حديث صحيح.

(2) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

(3) رواه الترمذي وغيره.