قصتي مع “طوفان الأقصى”.. قصة ابنتي التي حبلتُ بها!

Cover Image for قصتي مع “طوفان الأقصى”.. قصة ابنتي التي حبلتُ بها!
نشر بتاريخ

لم تبدأ قصتي مع هذا الطوفان يوم السابع من أكتوبر، بل قبل ذلك بكثير، هي قصة عمر وعشق لهذه الأرض المقدسة؛ مسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعراجه، تتبعت منذ نعومة أظفاري خبر أطفال الحجارة، وترقبت العمليات الاستشهادية ضد كيان محتل جراء عدوانه وجرائمه في حق شعب أعزل تشبث بوطنه، كانت الأخبار على شاشة التلفاز  إلى حدود التسعينيات تقول عن المحتل محتل وعن الشهيد شهيد وتسمي الأشياء بمسمياتها ولو مداهنة للمتلقي الذي يعتبر القضية الفلسطينية حق لا يمكن التنازل عنه، والمقاومة سبيل انتزاع هذا الحق، والكيان الصهيوني الإسرائيلي عدو وجب دحره واقتلاعه من قلب الأمة العربية والإسلامية، كان الكل يجمع على وفائه لهذه القضية على اختلاف المشارب والتوجهات، لم يجرؤ حكام أوطاننا على المجاهرة بالتطبيع مع هذا العدو أو ربط أي علاقة معه وإن كان الأمر خلاف ذلك في السر، واستمرت مجازر الكيان الصهيوني متتالية في حق الشعب الفلسطيني، ومجازر الفتن والدسائس مستمرة أيضا بين أبناء الأمة الواحدة خدمة لمصالح العدو.

تغير الأمر بعد سنوات وأصبح المحتل الصهيوني الإسرائيلي صديقا وحليفا حميما بعد التطبيع مع عدد من الدول العربية، وتغيرت المصطلحات فأصبح الشهيد قتيلا وأصبحت المقاومة إرهابا وأعلنت كثير من الأنظمة العربية موالاتها لإسرائيل وتخليها عن الشعب الفلسطيني، بل بدأ إقناع الشعوب أن لا علاقة لها بهذه القضية؛ فقيل على سبيل المثال (تازة قبل غزة)، ورفعت خرقة العدو الإسرائيلي في أوطاننا ومنتدياتنا، وبدأ ينتشي هذا العدو بنصره وقدرته على  التغلغل بيننا للقضاء على قضية الأمة، فزاد من تغوله على إخواننا في الأقصى لتحقيق أهدافه باقتحام ساحاته من قبل قطعان المستوطنين، وسحل المرابطات المقدسيات، وتهشيم جماجم الشباب وأضلعهم أو إعدامهم بدم بارد…

مشاهد حزت في نفسي وطعنت قلبي وأشعرتني بضيق ولله المشتكى، خاصة وقد منعت الوقفات والتظاهرات المليونية التي كنا نعبر فيها عن رفضنا لما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من جرائم، لكن أنظمتنا بعد التطبيع كان لها رأي آخر…

بدأت في مرحلة حمل جديد فكان تخوفي كبيرا خاصة وأن ظروفي الصحية مع الحمل تشتد صعوبة، وما يحدث لإخواننا في فلسطين يزيدني ألما على ألم، مضى قرابة الشهرين حتى جاء حدث السابع من أكتوبر، وقع الخبر على نفسي بفرحة شديدة؛ انتشت وانتعشت روحي مجددا وأنساني الخبر السعيد ألمي وأيقظ في ما كنت انتظره من المقاومة الباسلة، عدنا مجددا لوقفاتنا ومسيراتنا المساندة للقضية، وعزمت أن يحضر جنيني في كل الوقفات وجميع الأشكال المساندة لفلسطين وعدم التخلف عن أي واحدة منها وكذلك كان الأمر، وظهر جنس الجنين أنثى تطيب لها النفس ويشتاق لها الفؤاد، فبدأت أبحث عن اسم لها قبل ولادتها بالتشاور مع أفراد الأسرة، هل أسميها فلسطين أو غزة ومع هذه الأسماء كان الأخذ والرد مع زوجي وأبنائي، فاستقر الأمر على اسم طفلة فلسطينية تربت على المقاومة منذ صغرها (عهد التميمي) فأسميتها (عهد)؛ ليكون لها عهد مع الله تعالى ومع قضايا أمتها.

كلما تحركت عهد وأشعرتني بمعاناة الحمل تذكرت -ولم أنس قط- المرأة الفلسطينية وهي تحمل جنينها وتعاني ويلات الحرب وقلة العناية الطبية أو انعدامها، فأخاطب نفسي: لا حق لك في  الحديث عن تعب الحمل وأنت داخل بيتك ووطنك لا تسمعين دوي القنابل والقذائف فوق رأسك، فأشحذ همتي للخروج بالعلم الفلسطيني والكوفية في جميع الأماكن للتذكير بما يحدث لإخواننا بفلسطين، واقترب موعد الوضع، كنت أرى المرأة الفلسطينية تلد في الشارع فيحز ذلك في نفسي (اللهم كن لهن)، خيرتني الطبيبة بين المصحات التي يمكن أن ألد فيها، اخترت مصحة تسمى (القدس) تيمنا بالاسم، فكل ما في الأقصى يجرني إليه جرا، بدأ المخاض وانتقلت ليلا إلى المصحة أكتم أنفاسي فلا حق لي في الصراخ وأختي الفلسطينية تلد في العراء، شغلت سورة مريم على هاتفي وأنا استحضر قصة ولادتها لعيسى عليه السلام وأدعو مع أخواننا في غزة وكل الأمة الإسلامية فلحظة الطلق دعاؤها لا يرد، وصلت الطبيبة تسألني وكأنها في حيرة من أمرها بسبب صمتي: هل تشعرين بالألم؟ أومأت برأسي نعم.

كانت تعلم تهممي بالقضية الفلسطينية فكلما زرتها طلبت مني الراحة، فأجيبها لن أتوقف عن خروجي للوقفات، فطلبت مني لحظة الولادة الدعاء مع أهل غزة، فقلت لها وأنا أجاهد نفسي للكلام بسبب الألم (الدعاء مع أهل غزة هو ما يشغلني الآن ويخفف ألمي)، ابتسمت ابتسامة خفيفة وأكملت ما أنا عليه إلى أن جاءت (عهد).

وبدأت مسيرتها الجهادية معي في درب الدفاع عن قضايا أمتنا حتى الممات، فكانت أول مشاركة لها وقد خرجت للعالم في جمعة الغضب المساندة لغزة وفلسطين وهي لم تكمل خمسة عشر يوما.

وما زال حضور (عهد) مستمرا حتى تحرير الأقصى وكل شبر من هذه الأمة، وما زالت القصة مستمرة مع حب الأقصى… فاللهم بارك في جميع الذرية واجعلهم على العهد خير خلف على منهاج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.