استيقظنا ذلك اليوم المشهود من السابع من أكتوبر على ملحمة طوفان الأقصى، على جهود المقاومة الباسلة وهي تصد محاولات المحتل للتهويد والتجويع والصد والسحل والتهجير لأهل الأرض المباركة الأشاوس الصامدين، استيقظنا على تلك البشرى الطيبة ولسان حالنا يقول: ما تزال أمتنا حية، ما دامت الأرض تحمل مثل هؤلاء الأكابر الصامدين المدافعين على الأرض والعرض، المتحدين لغطرسة العدو الذي تسنده قوى الشر العالمية، ما زالت أمتنا بخير وهؤلاء الرجال يقدمون التضحية تلو التضحية من أجل الشرف الجماعي، والرجولة المغتصبة.
الطوفان الفاضح
استفاقت الإنسانية مع استمرار حرب الإبادة والتجويع، وكشفت شمس الصمود الفلسطيني عن زيف شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تلوح بها دوائر القرار العالمي، أثبتت أنها ديمقراطية مفصولة عن الإنسانية ومطالبها العادلة ووجودها السوي على وجه البسيطة، تمويه ذو وجهين يخدم جهات محدودة معدودة ممن ترضى عنها قوى الشر، وتزكيها وتقبل بها لأنها ذيل من أذيالها وبيدق يطبق تعاليمها الممسوخة الممجوجة.
كم كانت الضربة قاضية على أنظمتنا البئيسة وهي تسير في ركب التطبيع وتبارك الباطل، وهي تتودد سرا وعلنا للمحتل ظانة أن الخير منه يأتي وأن التنمية والنصر لا يتحققان إلا بالتصفيق له وموالاته.
اجتماع وراء اجتماع وقمم بلا قيمة، مخرجاتها شجب شفوي لا يرقى إلى مستوى التفكير، مجرد التفكير، في إعداد القوة المشتركة الجامعة الموحدة للزحف على المحتل وكسر شأفته.
سلاحا التظاهر والمقاطعة
كم أبانت الشعوب على أصالة معدنها، خرجت في كل بلد لتكشف زيف شعارات المحتل، وتندد بأفعاله الإجرامية، وتطالب بمحاكمته دوليا على أفعاله الهمجية وحربه القذرة.
الوقفات تتعدد ومعها المسيرات الشعبية ومعهما يرتقي منسوب الوعي الجماعي بعدالة القضية، والاستمرار في الضغط على مواقع القرار من أجل التحرك الإيجابي خدمة للقضية.
في كل بيت، وبيتي من البيوت، أصبحت فلسطين الحبيبة السليبة تعيش معنا في كل نفس وأكثر من كل وقت مضى، حولها نتناقش، ولمشاهد الحرب نتابع، وعن سبل النصرة نبحث، وفي دعائنا نلهج لرب السماء الناصر المستضعفين القاصم لظهور الجبابرة والمستكبرين أن يمد المقاومين بالفتح المبين والنصر المكين.
من سبل النصرة الاستجابة لنداءات المقاطعة وسلاحها البتار، لم أكن أعتقد أن بعضا من أفراد عائلتي الكبيرة وأسرتي الصغيرة سيقبلون بعدم اقتناء بعض المنتجات التي يحبونها واعتادوا عليها في حياتهم اليومية.
وامتد الوعي بالمقاطعة للصغار مع الكبار وهم يقاطعون كل الشركات الداعمة، قالت لي إحدى صغيرات العائلة: “jamais je ne mangerai ce maudit McDONALD’s, je sens le goût du sang de mes frères et sœurs palestiniens dans ma bouche”.
بينما قال أخوها الصغير الذي لا يتجاوز السبع: “Jamais je ne les aiderai à acheter des balls pour torturer nos frères et sœurs palestiniens”.
أبانت المقاطعة أنها سلاح فعال لتطويع إرادات الحكومات والضغط الاقتصادي، وقد كان تأثيرها بالغا من خلال تراجع حجم مبيعات الشركات الداعمة وتكبدها خسائر فادحة.
قد تكون فرصة حكوماتنا التي لا بد أن تغنم، من أجل أن نخيط ما نلبس، ونزرع ما نأكل، ونصنع أسلحتنا التي بها ندافع عن حمانا، من غير ذاك لن نحقق نهضة ولن تقوم لنا قائمة، وسنبقى دائما في ذيل الأمم تابعين مستضعفين.
عبر من طوفان الأقصى
غير طوفان الأقصى في نفسي الكثير، أظهر لي بشكل لا يقاس هوان الدنيا ووجوب ديمومة الجهاد إعلاء لراية الحق، وأن الخير في الأمة موصول، وأن الصمود على المواقف ديدن الشعوب الحرة، وأن فلسطين قضية الشرفاء، وأن التطبيع خيانة، وأن فلسطين أمانة، وأن جذوة حب المقدسات لا تنطفئ في القلوب الصادقة، وأن الاستماتة على المبدأ تقلب الموازين لتعلو كفة العدالة والكرامة والحرية، وأن الدرس الفلسطيني نبراس يستضاء به في مسيرة تحرير الإنسانية، وأن الرامي الله سبحانه متى تحررت القلوب من هوى النفس والشيطان، وأخلصت في إقبالها عليه سبحانه، حينئذ فقط يظهر عجائب صنعه وغرائب تدبيره. وأن الله تعالى يأتي بالنصر على أجنحة الصادقين بسقاء دماء الشهداء الذين باعوا أنفسهم لله، فقبل الله البيع برحمته. وأن الجيش الذي لا يقهر أسطورة بالية وسمفونية مخدوشة أصبحت لا تطرب أحدا، وأن الإمداد رهين بالاستعداد، وأن الإعلام سلطة أولى للتعريف بالقضايا العادلة ونشر أخبارها الصادقة في الآفاق، فهو سلاح يسبق الرشاش ويرافقه ويبقى بعده، وأن مفاوضات الذل ومؤتمرات العبث لم تكن ولن تكون أبدا مفتاحا للتحرير الكامل لكل شبر من أراضينا المقدسة، وأن المقاومة من نقطة الصفر ومع معدات العدو المتطورة برهان رباني على التأييد ودليل قاطع على أن النصر منه سبحانه، وأن الحرب القذرة التي يخوضها الكيان الغاصب عقدية بالدرجة الأولى هدفها الأول هدم المقدسات في أرض الإسراء، وأن ما أخذ عنوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن في وحدة الصف الفلسطيني قوة لمجابهة العدو، وأن العناية بالقرآن وصلاة الفجر وسائر التعاليم تزكية للنفس وإعداد لها لتحقيق الزحف المجيد، وأن قلب موازين العالم وعلى كل المستويات سيحققه الله تعالى بتدبيره وفضله من خلال هذه البقعة المقدسة، وأن الإسلام دين السلام والأمان والأخلاق والبر بالإنسان وإن كان أسيرا من معسكر العدو، وأن الاستبداد لا لغة يجيدها سوى التغول والإساءة والإبادة ونصرة الظالم على حساب المظلوم، وأن التاريخ يعيد نفسه، فكما ضيق على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وحوصر ونكل به وبأصحابه رضي الله عنهم، وقوتلوا في ذات الله دفاعا عن الدين وحماية للمقدسات، فنصره الله تعالى الناصر رغم سياسات التجويع والتقتيل والتغريب والحصار… كذلك الله تعالى سيمن علينا بما من به على رسوله صلى الله عليه وسلم وسائر الدعوات الصادقة من فتح ونصر تحقيقا لموعود الله تعالى في سورة المجادلة: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، وأن بإمكان بقعة صغيرة من أرض الله المترامية مثل غزة العزة، أن تحقق الفرق، وتحقق النصر، وأن تكون منطلقا لفتح مجيد يعم أمتنا، وأن أجيالنا قد تلقت دروسا لا تنسى في القوة والصمود والثبات على المبدأ.