قول على هامش الإعفاءات بحق أعضاء العدل والإحسان

Cover Image for قول على هامش الإعفاءات بحق أعضاء العدل والإحسان
نشر بتاريخ

بلا مقدمات يستدعي النظام المخزني ممارسات من قاع الاستبداد، ممارسات لا تعرف بها إلا الأنظمة المهزوزة وغير الواثقة من نفسها، والتي لا تجيد إلا لغة التعسف والشطط في مخاطبة المعارضين ومن تعتبرهم خصوما.
بلا مقدمات، ولا حتى دواع، تختار الدولة التصعيد وممارسة التهويل على جماعة العدل والإحسان، وهي لعمري تكرر مكررا وتجترّ أسلوبا بان فساده وقصوره، ولو كان ينفع لنفع يوم كان أعضاء الجماعة قلّة والتنظيم في طور البناء، أما و“قد شبّ عمرو عن الطوق”، بفضل الله، فإننا نرى فيما يجري سنن الله الماضية، ودليل ضعف عبر إحداث أكبر قدر من الضجيج والضرر.
إن حملة الإعفاءات التي طالت أزيد من مائة إطار من جماعة العدل والإحسان في الوظيفة العمومية تمنحنا “وسائل إيضاح” بليغة على ما كنا نقوله ونعيده، حتى اعتقد كثيرون أننا نبالغ؛ قلناها سابقا ونقولها حاضرا ومستقبلا إن نظام الجبر والاستبداد لا يؤتى منه خير، وأن انحناءه لهبّة الربيع العربي تكتيك لن ينسيه طبعه التغولي الاستئصالي، وأن تطبّعه بلغة الديمقراطية وحقوق الإنسان ملهاة وتكتيك.
بلغة أهل القانون يقال: ما جرى شطط في استعمال السلطة، وانتهاك صارخ للأعراف والقوانين المرعية في الوظيفة العمومية، واستئساد لغة التعليمات على الضوابط.
وبلغة الحقوقيين: ما أقدمت عليه السلطات ضرب في الصميم لأبسط مقتضيات حقوق الإنسان، وبينها الحق في الشغل الذي يعدّ من الحقوق ذات الارتباط الوثيق بكرامة الإنسان.
وبلغة أهل السياسة: هي رسالة لا تخطئها العين بأن النظام لا يزال مصرا على تغوّله، وأنه مستعد للذهاب أبعد مدى في اعتداءاته. وأنه “لا يقبل أن تكثف العدل والإحسان من أنشطتها”، فأتى الرد سريعا، ربما، على الفعاليات الناجحة التي نظمتها الجماعة ذات صلة بالذكرى الرابعة لوفاة الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله.
هنا وجب قول أمرين:
أولا: إنها سنة الله الماضية في خلقه، وأن المؤمن، من بين ما يربّي عليه نفسه، أن “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل”. ها هنا مربط الفرس، فهيهات أن يهوّل النظام المخزني الجبري على من تربوا في كنف قيام الليل والصيام والوقوف بباب الحنّان المنّان نُشدانا للإحسان.
من كان قلبه عامرا بالله هان عنده فعل الخلق.
لا نجزع ولا نفزع، وهو ابتلاء آخر في طريق هذه الدعوة، ولو كان يجدي لنفع ما سبقه. وهنا وجب أن يُراجع أصحاب هذه القرارات تاريخ تعسفهم في حق الجماعة وأعضائها ليجيبوا: هل نالوا منها مرادهم؟
في جوابهم ما يغني عن كل توضيح وبيان.
ثانيا: ما أقدم عليه النظام إنما هو دليل جزعه وفزعه، وهل يستقرّ للظالم قرار؟ وهنا أيضا نقول قولا صريحا للاستبداد لا لبس فيه: هوّن عليك، فإنك إلى الآن لا تفهم القول ولا مراميه، وتخطئ التصرف، على طول الخط، في التعامل مع دعوة صابرة محتسبة، لكنها قادرة على الفعل ولا تنتج رد الفعل، وفعلها في الميدان وفي القلوب.
“ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً… ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد”
هذه جماعة دعوة رحمة وبناء لا هدم، ورهان على المستقبل بلا استعجال، وإنما عملا يوميا حثيثا للبناء على أساس.
قال جل شأنه: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم.  نعرف أن هذا الطريق ليس نزهة ولا لهوا، وإنما مكابدة وإظهارا لبرهان الصدق، وأن “ابتلاء الأحباب ضَمٌّ بيد الحكمة إلى جناب الرحمة”. إنما هي “جهاد بناء” دونه أداء الأثمان. نسأل الله اللطف والعفو.
هل يعرف من أمر بقرارات الظلم بحق أطر الجماعة معنى “صناعة الرجال”؟ أنّى له أن يعرف أو يُدرك.
هون عليك فإنما تجري عليك وعلينا مقادير الحق.. لا فرار ولا فكاك من موعود الله الحق، حيث الحرية والعدل والكرامة، و”العدل والإحسان”.
“إشعار بإنهاء مهام”؛ هكذا أرادها الاستبداد، وهي في الحقيقة إشعارات بفساد شعاراته، وسقوط القناع عن وجهه لمن غالطه بكلامه عن دولة الحق والقانون. يقولون إنه يمكن أن تكذب، لكن لا يمكنك أن تكذب طول الوقت ولا تنفضح. لقد كذب المخزن في جوابه على “حراك الربيع العربي” بدستور ممنوح وكلام معسول، لكنه لم يستطع إخفاء بشاعة وجهه على طول الخط، فعاد للاستئساد بعدما شعر بأنه اجتاز الخطر.
إننا نعيش حالة نكوص عامة، فحتى من قبل أن ينزل منازله ويضع اليد في يده لم يسلم من مكره، فكيف بمن نزّه نفسه عن أن يشارك في حفلة العبث وشهادة الزور.
إننا نعيش حالة ترد عامة على الصعيد الاجتماعي والسياسي والحقوقي والاقتصادي، تستدعي أن يقف كل الأحرار وقفة الانعتاق والتحرر من الأغلال الجاذبة إلى الأرض.
إن ما يقع يفترض أن يدفع القوى الحيّة في هذا الوطن إلى إدراك أن كلفة الاستبداد صارت ثقيلة، يؤديها المغاربة من مستقبلهم وثرواتهم وكرامتهم، وأنه آن الأوان للوقوف في وجه هذا الإهدار للزمن والمقدرات والحقوق.
إن ما يجري يؤكد ما سبق أن دعت له العدل والإحسان في أكثر من مناسبة: اجتماع الأحرار والفضلاء على كلمة سواء، تقوم على رفض الظلم، كل الظلم، والاصطفاف إلى جانب الخير والكرامة وصون الحقوق.
إن التاريخ يصنع بالمواقف، وها هي جولة أخرى يتعسّف فيها النظام، فيلقى الاستنكار والاستهجان من كل جانب. لكن طريق القطع مع الاستبداد عمل جبّار، ورهان على العقلاء، وعلى التصرف بحكمة، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.