كيف تعرفت إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم؟

Cover Image for كيف تعرفت إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم؟
نشر بتاريخ

بين أروقة الذاكرة الموغلة في نفسي العنيدة، وبين أمواج الشوق التي تلفني وتسحبني إليه صلى الله عليه وسلم.. أتطلع إلى صورة ذلك اللقاء الذي أذاب ثليج قلبي وأذاقه لذة عشقه صلى الله عليه وسلم، ووصل فيه حبل السر إليه سيدي وحبيبي، فبات صلى الله عليه وسلم سر الحياة التي ضخّت تفاصيلها في عالمي المكفهر، وبات الروح التي منها أتنفس وأطعم وأحيا.

لست أذكر كيف ومتى تم اللقاء، ولكني أذكر ذكر اليقين من حملني إلى ذلك اللقاء، وعرفني فيه إلى سيد البرايا، وأكرمني بذلك الجُزيء الذي سكن قلبي واستوطن نفسي؛ فهو ينمو فيها مُذّاك ويتجذر في أحشائها المضطربة حتى يأتي يوم ذكراه فتتجدد ولادته في نفسي ويصبح صلى الله عليه وسلم أحب إليها منها ومما عداها، لتفرح إذاك وأفرح بها ومعها بتلك الولادة القلبية النبوية الشريفة.. فتحيينا ذكرى مولده وتتربع محبته الشريفة عليه أفضل الصلاة والسلام فينا وتوصلنا بمحبة الخالق عز وجل وتفتح لنا إليه سبحانه عز وجل الباب.

مازلت أذكر، ومحال أن أنسى، أن من حملني إلى خير الأنام هو والدي الحبيب عبد السلام ياسين؛ في سمته، في محبته الكاملة، في صدقه، في اقتدائه واقتفائه أثر الحبيب صلى الله عليه وسلم، في مشروعه التجديدي مشروع المنهاج النبوي الذي أحيا به سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، في كمال أدبه، في مضاء عزمه، وفي صحبته الراشدة المرشدة الدالة على الله تعالى ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

إن كنت يوما أحببت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتعرفت على بعض خصاله وبعض سيرته وبعض أخباره صلى الله عليه وسلم، فقد تشربت محبته الكريمة صلى الله عليه وسلم من قلب تزكّى لما زكاه الله تعالى، ووقفت مع إخوتي على مدى تمثله رحمه الله تعالى واقتدائه بسيد الخلق حبيب الحق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم..

نموذج شامخ في عصر بلغ فيه انتقاض عرى الإسلام مبلغه الموجع فينا، وغار جرح الأمة في فلسطيننا أكثر، وتصاعدت غثائيتنا لتصل حد الهوان والمذلة.. وبتنا في مؤخرة الركب بعد أن كنا في مقدمته بعز ديننا وشموخ أخلاقنا الإسلامية النبيلة وأنفتنا وكبريائنا الذي رفض الإذعان للباطل أيا كان وجهه، بعد أن نطق بشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صورة ذلك اللقاء تتردد في قلبي وتذكرني أن المحبة برهان صدق وعمل.. وليست مناغاة للماضي وهدهدة للمستقبل وهروبا من حاضر مؤلم ومرير.

تذكرني بأن اللقاء للانجماع.. فترنو بي أحلامي إليه سيدي، وتحلم كفي أن تعتنق كفه الشريفة صلى الله عليه وسلم وتنطلق به وراء حاجتها فيقضيها لها الحبيب الرؤوف الكريم.

وحاجة كفي دعاء يجوب كل الأحياء والمدن، ويبسط موائده في الجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان والأردن وسوريا والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان وبنغلادش وماليزيا وتركيا وتركستان وكازاخستان وكل بلاد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويجمعها عقيقة عقيقة في عقدة قوة وأخوة، حب ومودة لا تنفصم.. فتجمعنا يد المحبوب الأعظم صلى الله عليه وسلم وتربت على جراحاتنا الملتهبة فتندمل وتبرأ.. وتربو بذرة الرحمة المهداة في تربتنا الجديدة حتى يتكامل البناء وتتحقق البشارة النبوية: “.. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت”.

أماتتْ ليالي الوهْنِ عزم قلوبنا

فيا محيي الموتى ابْعثَنْ نائم الفجر

ودمِّر عِدانا يا مُميتُ تُصيبُهم

بقاطِعةِ الأعناق قاصِمة الظهر

ويا حيُّ إنّ الروح فينا حُشاشةٌ

فأحْيِ لنا روحا تحشْرَجُ في الصدر

وأنت لنا القيُّومُ إن سِنَةٌ بِيَ اسْـ

ـتبدَّتْ فيا قيّوم قُمْ ليَ في سرّي

ويا واجد امنُنْ بالعطاء فكلُّ ما

بنا منك من نُعمى ومن هاطل الخير

ويا ماجد ارفعْ في العلا راية لنا

تُرفرف بالإحسان والعدل والنصرِ

فصلِّ إلهي ثم سلّم على النبي

وهالَتِه الآل المحيطين بالبـدرِ 1


[1] القطف 618 الجزء التاسع من ديوان قطوف.