كل صبي يحتاج، لكي ينمو بشكل سليم، إلى تربية نفسية قلبية وروحية يتكلف بها أبواه وكل معلم له ومؤدب. فإن أحسنا تعهده، فكانا سبب استقامته بما هديا وربيا، حصّلا ثوابا لا ينقطع بدعائه لهما، وكان هو بدوره من السعداء في الدنيا والآخرة.
لكن هناك من الأمهات من تغفل عن جانب آخر من التربية لا يقل أهمية عن الوقاية النفسية وهي الوقاية الجسدية، فيؤدي هذا الإهمال إلى مرض الجسم واعتلال البدن. فللوقاية الجسدية أهمية قصوى ومكانة جليلة. ورعاية جسم الصبي علم يجب على كل أم الإحاطة به، وذلك باستشارة من سبقنها بالتجربة من الأمهات، وبالاطلاع على الكتب والمجلات الخاصة بعلوم طب الأطفال وفنون التربية، أو باستشارة طبيبة ناصحة. فإعداد أجيال قوية مؤهلة لحمل هم الأمة وبناء مستقبلها رهين ببناء أجسام سليمة خالية من الأمراض.
ومما لا شك فيه أن النظافة من أهم جوانب الوقاية الجسدية للطفل. وكلنا يعلم مكانتها في ديننا بحيث وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها شطر الإيمان. بل لقد أخبر الصحابة رضي الله عنهم أن الوحي انقطع مدة لأنهم لم ينتبهوا لنظافة جزء بسيط من أصابعهم وهو البراجم. لذلك يجب على الأم أن تحرص على تربية طفلها على النظافة منذ نعومة أظافره، ومن الخطأ أن تؤخر ذلك معتقدة أن الوقت لم يحن بعد وأن طفلها ما زال صغيرا لا يدرك، فتكون النتيجة أن تصعب المهمة فيصبح التعليم بعد ذلك معقدا، بل دون جدوى.
وكما أن التدرج سنة الله عز وجل في الكون كله، فكذلك يجب على الأم أن تتدرج بطفلها فتبدأ بتعويده على الأساسيات، مكتفية في البداية بإعطاء النموذج، ثم بعد ذلك باستعمال كل الطرق المشجعة غير العنيفة. وهذه بعض الأمور المساعدة على جعل النظافة سلوكا تلقائيا لدى الطفل:
1ـ تعود الأم طفلها على غسل يديه بالماء والصابون كلما اتسخت، خاصة قبل الأكل وبعده وبعد استعمال الحمام، معلمة إياه الطريقة التي يجب أن يتبعها مع التأكيد على البراجم، ليرسخ في ذهنه أن النظافة تبدأ من أبسط الأمور. فنظافة الحواس والأعضاء أول ما يتعلمه الصبي. بهذا تقي الأم طفلها من الإصابة بالأمراض التي تنتقل بواسطة الأيدي، حتى إذا وصل إلى سن التمدرس ازدادت ضرورة المحافظة على هذه العادة.
2ـ تعود الأم الصبي نظافة الأسنان منذ قيامها بذلك عنه يوم بروزها إلى أن يستقل بتسويك نفسه (بالفرشاة ومعجون الأسنان طبعا)، وتلك سنة نبوية مؤكدة، من تخلى عنها صغيرا أو كبيرا تلفت مع أسنانه صحته وتأذى من بخره الملائكة والناس.
3ـ تعويد الطفل غسل وجهه حين الاستيقاظ، وهذا مما لا يحبذه الأطفال غالبا، فإذا بلغ السابعة فالطهارة والوضوء والصلاة تحبيبا وترغيبا.
4ـ على الأم أن لا تغفل عن تعليم طفلها تعهد كل أجزاء جسمه بالنظافة – بما فيها الأجزاء الحميمة -، حتى إذا وصل إلى سن الحلم وجد نفسه مستعدا للحفاظ على سنن الفطرة التي تعد من أبجديات نظافة المسلم.
5- تعويد الطفل على احترام نظافة البيت بلطف، وخاصة غرفته الخاصة أو التي يتقاسمها مع إخوته. وعلى الأم في البداية أن تكتفي بترغيبه في مساعدتها في ذلك مشجعة إياه، كأن تفتخر بإنجازه أمام الآخرين ليشعر بقيمة هذا العمل حتى يتقن القيام بذلك بمفرده.
6- تربية الطفل منذ الصغر على احترام البيئة، وعلى أن الحرص على النظافة لا يقتصر على البيت بل يمتد إلى المحافظة على نظافة الشارع وكل الأماكن العامة من حدائق وشواطئ…الخ. وهكذا تعلمي طفلك أيتها الأم عدم رمي الأزبال أو أغلفة الحلوى والبسكويت كيفما اتفق بل في سلة النفايات. ومن هنا يتعلم أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة وأنها من شعب الإيمان.
وأخيرا، لا ننسى أهمية القدوة في هذا الأمر، فالتربية بلا قدوة سقي بلا بذرة لن يعطي ثمرة، بل هو مجرد ماء يصب في الرمال.
واعلمي أيتها الفاضلة أن الطفل صفحة بيضاء قابلة لتلقي أي شيء خيرا كان أو شرا، ومسؤولية الوالدين لا شك كبيرة في الحفاظ على فطرته السليمة. يقول الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء (كتاب رياضة النفس وتهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلب، بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ، ص 184): “اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها. والصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل لكل ما يمال به إليه، فإن عُود الخير وعُلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك”. ولا شك أن دورك أيتها الأم أكبر، فأنت حافظة الفطرة وأقرب الناس إلى الطفل وأكثرهم تأثيرا عليه.
أعانك الله وأراك في ولدك ما تحبين وجعله شامة بين أقرانه. آمين.