كيف يكسب الآباء ود الأبناء؟

Cover Image for كيف يكسب الآباء ود الأبناء؟
نشر بتاريخ

لعل من أمتن الروابط التي خلقها الله عز وجل علاقة الآباء بالأبناء، علاقة يطبعها الود والحب المتبادلين، محبة فطرية يزرعها الله عز وجل في قلب الآباء تجاه أبنائهم وفي قلوب الأبناء تجاه الوالدين، كيف لا والأبناء نعمة لا تحلو الحياة إلا بهم، قال تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (الكهف، 46).

يفرح الآباء بأبنائهم ويحبونهم محبة لا تفتر ولا تتقادم مع تقادم العمر، بل تتقوى وتزداد بمجموعة من العوامل والأسباب التي ينبغي على الوالدين الأخذ بها حتى تكتمل صناعة وبناء الشخصية السوية روحا وعقلا وجسدا.

يمر الأبناء في كل حياتهم بمراحل عمرية مختلفة، لكل منها خصوصية وحاجيات مادية ومعنوية تفرض على الآباء معاملة خاصة وفق كل مرحلة، وأسلوبا مختلفا للحفاظ على تلك المحبة الفطرية التي أودعها الله عز وجل في قلوب الأبناء تجاه الآباء لبناء شخصية سوية سليمة قادرة على التأثير الإيجابي في المجتمع.

ومن أهم الأساليب التي تُكسِب الآباء ود الأبناء أذكر ما يلي:

اللعب معهم

يعتبر اللعب مع الأطفال من أهم الأسباب التي تشعرهم بأنهم ذوو قيمة داخل أسرهم، كما يساعد على نمو شخصيتهم وصقل مواهبهم، ولولا أهميته لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أحفاده، فعن جابر رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو يقول: “نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما” (1)، لم تمنعه صلى الله عليه وسلم كثرة انشغالاته وتهممه بقضايا الأمة عن ملاعبة حفيديه توددا وتحببا إليهما.

يلعب الوالدان مع الأبناء بين الفينة والأخرى، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: “من كان له صبي فليتصابى له”، ثم يتركون لهم المجال للعب مع غيرهم، دونما إفراط، ليتعلموا الاندماج في المحيط الخارجي وتتاح لهم فرصة الاستفادة من غيرهم.

الإنصات لهم

غالبا ما نفتقد في جل أسرنا إلى فن الإنصات للأبناء، نظرا لانشغال الوالدين أو تغافلهم عن أهميته في فهم تفكير الأبناء وكذا احتياجاتهم.

إن انشغال الآباء عن أبنائهم وعدم الإنصات لهم يولد لديهم شعورا بعدم الثقة في النفس، وبأنهم غير مرغوب فيهم داخل أسرهم، فتتولد عن ذلك مشاكل نفسية يصعب حلها فيما بعد. فكلما استمع الوالدان لأبنائهم وأنصتوا لهم باهتمام وتركيز، دونما مقاطعة أو إشعارهم بتحمل كلامهم على مضض، كلما أحس الأبناء بعلو قيمتهم وحب الوالدين لهم، ما يزيد من ارتباطهم بهم فتتعمق بذلك أواصر المحبة وتبنى جسور التواصل بين الطرفين.

احترامهم والافتخار بهم

ما أحوجنا إلى والدين يفتخران بأبنائهم كيفما كانوا، ويحترمون آراءهم وخياراتهم ويحترمون مشاعرهم دونما تسفيه، لأن عدم احترامهم يسيء إليهم ويضعف شخصياتهم، كما يحدث فجوة بين الآباء والأبناء، فعندما يفرض الآباء آراءهم على الأبناء تضعف العلاقة بينهم، ما يضعف المحبة والمودة كذلك.

غضب معاوية بن أبي سفيان مرة من ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلا فيملوا حياتك ويتمنوا موتك!

أولادنا ثمار قلوبنا فلنحافظ عليها ولنسقها حبا ورحمة لتنبت حبا ومودة، دون أن ننسى الاستعانة بالله تعالى والتوجه إليه بالدعاء، فهو أول ما يستعان به في تربية الأبناء في جميع المراحل العمرية، يقول عز من قائل: الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما (الفرقان، 74)، دعاء يخرجنا من حولنا وقوتنا إلى حول الله وقوته، دعاء بأن يصلح الله الأبناء وينبتهم النبات الحسن كما كان دأب الأنبياء والمرسلين والصالحين، قال تعالى على لسان امرأة عمران: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (آل عمران، 36).

هذه بعض الأساليب التي إن اتبعها الوالدان أثمرت في قلوب أبنائهم المحبة والمودة التي تعتبر أساس التواصل والدافع الأساسي نحو بر الوالدين ورحمتهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من لا يرحم لا يرحم” (2).


الهوامش:

(1) المعجم الكبير للطبراني، الرقم: 2596.

(2) رواه الشيخان وأصحاب السنن.