أكد الأستاذ عبد الحق بنقادى، ضيف حلقة «لقاء خاص» في قناة الشاهد، أن فكرة أسطول الصمود العالمي انبنت على سياق تاريخي لحركة ناشطي كسر الحصار عن غزة، مشيراً إلى أن هذه الحركة انطلقت منذ سنة 2010 مع أول تجربة تتعلق بسفينة “مافي مرمرة”، والتي شارك فيها مغاربة وكانت مشاركتهم فعالة، ثم سفينة مادلين، وبعدها سفينة حنظلة وغيرها من السفن.
وعن المحاولات السابقة، أشار عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان إلى أزيد من 37 محاولة لسفن لنشطاء دوليين قبل الإبادة الجماعية التي عرفتها غزة، كلهم توجهوا نحو القطاع، وكان الهدف كسر الحصار الذي بدأ منذ سنة 2006 من طرف جيش الاحتلال الصهيوني.
وبخصوص الدوافع المباشرة لانطلاق أسطول الصمود، أشار الممثل القانوني لاتحاد المحامين العرب إلى أن الأمر مرتبط بـ«الإبادة الجماعية، و الدمار والقتل الذي كان يمارسه جيش الاحتلال الصهيوني بالصوت والصورة أمام أنظار العالم، من تجويع، ومنع للمساعدات وإغلاق للمعابر والمنافذ سواء البرية أو البحرية في وجه قطاع غزة».
ولفت المتحدث إلى أن الأمم المتحدة سبق وأمرت في قرار لها بضرورة فتح ممر إنساني إلى غزة في خضم هذه الإبادة والتجويع الممنهجين من قبل كيان الاحتلال، وهو ما لم يُترجم عملياً بسبب المواقف المخجلة للمجتمع الدولي، ما دفع شعوب العالم إلى التدخّل عملياً عبر هذه المبادرة.
ونبّه بنقادى إلى أن المبادرة البحرية جاءت إثر تجربة القافلة البرية التي هب من خلالها أبناء الأمه العربية والإسلامية عبر عدد من الدول، والتي انطلقت من المغرب والجزائر وتونس وليبيا باتجاه مصر، وقوبلت بالقمع واستخدام السلاح، ما دفع النشطاء للتفكير في تنظيم «أسطول بحري» لأن «البحر يتسع للجميع» ويعد متنفساً لإيصال المساعدات.
وتشكل الأسطول كما ذكر بنقادى من أسطول الصمود المغاربي، ويضم أربع حركات أساسية، وحركة أخرى من الدول الشرقية مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان والمالديف وغيرها، ثم حركة Global Movement to Gaza. هذه الحركات مجتمعة شكلت أسطول الصمود العالمي المعروف اختصاراً بـ(GSF). وبعد انضمام أساطيل من إسبانيا وإيطاليا واليونان، ضمّ الأسطول عدداً كبيراً من الجنسيات بشكل غير مسبوق.
ولفت إلى أن الجديد في هذا الأسطول هو انضمام المكون العربي والمغاربي إليه، حيث شارك إلى جانب المئات من أطر ونخب شعوب العالم، الذين قرروا أن يضعوا حداً لهذا الحصار ويتجهوا نحو غزة رغم المخاطر والفخاخ وكيد الكيان الصهيوني.
وعن ضخامة التمثيليات، أكّد بنقادى أن الأسطول بهذه المشاركة الواسعة، تجاوز عدد الجنسيات فيه 100 جنسية تمثل القارات الخمس. وأضاف أن كل السيناريوهات كانت متوقعة منذ البداية، موضحاً أن العمل تضمن “الإجراءات القانونية وشراء السفن وتزويدها بالمعدات، واختيار المشاركين بعناية وتنويعهم ليكونوا مؤثرين وفاعلين”.
ومنذ انطلاق الأسطول من موانئ إسبانيا وتونس وإيطاليا واليونان، كان التقدير أن جميع السيناريوهات غير مستبعدة بالنظر إلى طبيعة هذا الكيان الصهيوني وإجرامه الذي لا حدود له، يوضح المحامي المغربي. ثم يضيف: ورغم ذلك، كان تركيز أسطول الصمود العالمي على تأطير هذا الفعل بالسلمية والقانونية لتحقيق أهدافه في كسر الحصار وفتح ممر بحري إنساني لإيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة.
وتطرق إلى الاستعدادات والتدريبات المكثفة، مؤكداً أن المشاركة الكبيرة تطلّبت إخضاع المشاركين لعمليات انتقاء دقيقة، ومعرفة معطيات عنهم، ثم ترشيحهم لهذه المهمة. وقد انعقدت في تونس عدة دورات للمشاركين شملت الجوانب السلوكية والأخلاقية والتوجيهية والقانونية، ومحاكاة للاقتحامات المحتملة من جنود الاحتلال وكيفية التعامل معها بسلمية وانضباط.
وتابع موضحا الحرص الكبير على التأطير في كل النواحي واختبار مدى نجاعته وانضباط المشاركين. مشيرا إلى أن الرحلة كانت معقدة ومليئة بالإكراهات والعراقيل التقنية والميكانيكية والظروف الجوية الصعبة. حيث كان الانطلاق مبرمجا في شتنبر، لكنه تأخر بسبب القصف بالطائرات المسيّرة والأعطاب التي أصابت المراكب وصعوبات التزود بالوقود والمواد الإغاثية.
وحول طبيعة الأعطاب والهجمات التي طالت المراكب، قال بنقادى إنها غير بريئة، وفقا لأهل التخصص في الميدان البحري، حيث بدأت التشويشات بالطائرات المسيّرة في المياه الإسبانية، ثم في طريق السفن إلى ميناء بنزرت بتونس، وصولاً إلى القصف بمسيرة بقنبلة ضوئية في ميناء بتونس، تسببت في اشتعال السفن دون إصابات بشرية.
وتابع يقول إنهم اكتشفوا لاحقاً أعطاباً خطيرة، منها ثقب احترافي في أسفل السفينة التي كان على متنها وتسربت المياه إلى داخلها خلال الإبحار في المياه الدولية، ما اضطرهم إلى العودة بعد إفراغ المياه بالمضخات وارتداء سترات النجاة استعداداً لأي طارئ. هذا الثقب حسب الفنيين، يقول بنقادى متقن وموضوع بعناية، وليس عرضياً. كما اكتشفوا أن كل المراكب الأخرى أصيبت بأعطاب من نوع مشابه.
وسجل في هذ الصدد مغادرة بعض الطواقم المكلفة بالقيادة لأسباب معينة. مشددا على أن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يبقى مكتوف الأيدي أمام أسطول بهذا الحجم، يضم حوالي 70 سفينة وعلى متنها أكثر من 1000 ناشط وناشطة. لذلك كان الاستهداف واضحاً منذ مرحلة الإعداد وخلال الإبحار وحتى بعد الاعتقال.
ونوه بنقادى بالروح المعنوية العالية والتواصل والتماسك بين المشاركين من مختلف الجنسيات، موضحاً أن الهدف الإنساني النبيل لكسر الحصار وإيصال المساعدات كان يعلو فوق كل المخاطر، وحتى بعد قصف الطائرات المسيّرة في ميناء سيدي بوسعيد، كان هناك إصرارا كبير من المشاركين عبر رفع الشعارات والتواصل مع الإعلام، مما زاد من معنويات الجميع، مشددا على أن التحديات والفخاخ كانت دافعاً إضافياً يؤكد المبادرة في المسار الصحيح وأن هدفها نبيل وسلمي، فزادهم ذلك إصراراً وعزماً على المضي قدما.
اللقاء كاملا في هذا الشريط: