من الله عليكما أختي وأخي فوهبكما نعمة الأمومة والأبوة، أليس هو القائل عز وجل: لِّلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَٰثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى، 47]. نستأذنكما في مرافقتكما في خطواتكما الأولى في عالمكما الجديد لنستعرض معا العقبات التي قد تصادفكما راجين من الله عز وجل أن نقتحمها ونذللها معا حتى تكون انطلاقتكما موفقة إن شاء الله.
تساؤلات وعقبات
1- زوجتي مرهَقة بعد الولادة
بعد الوضع قد ينتابك أختي إحساس بالتعب والألم خاصة إذا كان الوضع عسيرا أو تم بعد عملية قيصرية، فيكون اهتمام الأسرة والفريق الطبي منصبا عليك، أما مولودك، فيوكل أمره إلى شخص آخر، تذكري أنه كلما طالت مدة فصل رضيعك عنك كلما ضعفت حظوظ نجاح الرضاعة الطبيعية، واعلمي أيضا أنه بإمكانك أن تختاري بمساعدة زوجك الوضعية المريحة لك للإرضاع (إما جالسة أو مستلقية على جنبك أو ظهرك)، فأحسن هدية تقدمينها للمولود الجديد هو أن يكون حليبك أول طعام يتذوقه في دنياه.
2- رضيعنا يرفض الثدي، ما العمل؟
غالبا، لأنه تعود في الساعات الأولى على الرضاعة التي تمده بقسط وافر من الحليب الاصطناعي بمجهود قليل، فيعبر الطفل عن سخطه بالبكاء والاشمئزاز من الثدي.
أو ربما لأنه مولودكما الأول ولا تحسنين تقديم الثدي له، حاولي بمساعدة أسرتك أو طبيبك أن تصححي طريقتك في الإرضاع.
نادرا ما تكون الحلمة (Mamelon) غير مناسبة للرضاعة أو لفم الطفل، حتى وإن كان الأمر كذلك فإن طبيبك سيشرح لك التقنيات التي تعينك على تجاوز هذه العقبة.
في كل هذه الحالات لن ينفعكما سوى الصبر والمثابرة وإعادة الكرة عشرات المرات حتى يتعود طفلكما على الثدي.
3- حليبي لا يشبع طفلي!
إذا تعود طفلك في الساعات الأولى على الحليب الاصطناعي الذي يثقل معدته فيشعره بالامتلاء والشبع، فإنه سيتذمر من حليبك الذي لا يمنحه هذا الإحساس، أعيدي الكرة مرات متتالية، وتذكرا أنه سيلزمكما الكثير من الصبر حتى تتحملا بكاء طفلكما، وسيلزمكما صبر أكبر حتى لا تستسلما لضغوطات من يحيطون بكما من مؤيدي الحليب الاصطناعي.
4- طفلنا لا ينام ليلا!
خلال الثلاثة أشهر الأولى يحتاج الرضيع إلى أن يرضع أثناء الليل، وسينصحكما أصدقاؤكما بأن الحل الوحيد لينام الطفل الليل كله هو أن تثقلا معدته بالحليب الاصطناعي، ستكتشفان فعلا أنه حل ناجع، لكن لا تستغربا إذا بدأ رضيعكما بعدها يرفض الثدي ويطالبكما بزجاجات أخرى.
أما إذا كنت سيدتي تعملين خارج البيت فاحرصي على الرضاعة الطبيعية أثناء الليل لأنها تعوض طفلك ما فاته خلال يوم العمل، وحتى تنالا قسطا من الراحة حاولا أن تجعلا مواعيد نومكما تطابق مواعيد نوم رضيعكما ما أمكنكما ذلك طبعا، ولا تنسيا أنكما مأجوران على سهركما وتعبكما مع وليدكما.
5- كيف أحافظ على الرضاعة الطبيعية بعد رجوعي إلى العمل؟
يمكنك استعمال الآلات الخاصة بعصر الثدي (Tire-lait) والاحتفاظ بحليبك في إناء معقم من الزجاج ومغطى جيدا لمدة لا تتجاوز 6 ساعات خارج الثلاجة أو 5 أيام داخلها، (مع تدفئته قليلا قبل إعطائه للطفل)، احرصي أيضا على عصر ثدييك أثناء وجودك في العمل لزيادة إدرار الحليب، وتذكري أنه بإمكانك تعويض طفلك ليلا ما فاته خلال النهار.
6- الوضعية الصحيحة للإرضاع
قد تكون طريقتك في الإرضاع سببا في نفور طفلك من الثدي، ولتفادي ذلك إليك بعض الإرشادات:
– بإمكانك اختيار الوضعية التي تناسب حالتك الصحية حيث يمكنك أن ترضعي مولودك إما جالسة أو مستلقية على جنبك أو ظهرك.
– احتضني جسم الطفل واجعلي رأسه وجسده على استقامة واحدة مع إسناد رأسه وكتفيه ومقعدته، وجهي بعد ذلك وجهه نحو ثديك، وعندما يفتح فمه احرصي على أن تكون الشفة السفلى منقلبة إلى الخارج ثم ادخلي الحلمة والهالة في فم الطفل، دعيه يرضع حتى يتوقف بمحض إرادته، بعد الانتهاء من الرضاعة يستحسن دهن الحلمة والهالة بالقطرة الأخيرة من الحليب لتفادي تشققهما.
أمهات يجب ألا يرضعن
ننصح كل أم تعاني من مرض مزمن (أمراض الكلي – داء السكري) أن تستشير طببيها قبل الحمل وقبل الرضاعة. أما في حال إصابة الأم بعدوى حادة فمن الأفضل توقيف الرضاعة الطبيعية حتى تتعافى.
وإذا كانت الأم مضطرة لتناول بعض الأنواع من الأدوية (كالمهدئات مثلا) فإن الرضاعة الطبيعية تشكل خطرا للطفل لأن هذه الأدوية تصل إلى الرضيع عبر الحليب.
خلاصة
أجمعت الدراسات والأبحاث العلمية على أهمية الرضاعة الطبيعية في تنشئة الطفل واكتمال نموه الجسدي والعقلي والنفسي، لهذا السبب نهيب بالآباء والأمهات الجدد أن يعتبروا الرضاعة الطبيعية من ضمن أكبر مسؤولياتهم كمربين، فهي أول خطوة لإحسان عملهما الذي هو الولد وهي بداية بناء الأمة ببناء الإنسان، وذلك بتعهد الجسوم بالتغذية الصحية منذ المهد، وتعهد القلوب بزرع الإيمان فيها، وتعهد العقول بالعلم النافع، وبذلك يتحقق كمال الوالدين الوظيفي، وهذه غاية عظمى كما يوضح ذلك الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى في كتابه تنوير المومنات حيث يقول (ج 2، ص 193): “فإن كمال المرأة الوظيفي وكمال الرجل أبوين مسئولين مربيين هو غاية ما يراد منهما تحقيقه حفظا لفطرة الله ونشرا لرسالة الله وخدمة لأمة رسول الله. ما يرفع المرأة إلى القداسة إلا أمومتها وما يرفع الرجل إلا أبوته، يذكر حقهما بعد حق الله مباشرة في قوله تعالى: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا [الإسراء، 23]”.