لن تركع فلسطين

Cover Image for لن تركع فلسطين
نشر بتاريخ

لقد نهج اليهود الصهاينة، ومعهم الغرب، أساليب شتى لتركيع صاحب الحق. بل تفنّنوا في ذلك، وتجردوا من كل معاني الإنسانية لتحقيق غاياتهم، فخرقوا جميع المواثيق الدولية إرضاءً لشهواتهم وأطماعهم الحيوانية، ومحاولةً لكسر إرادة المقاوم المنتفض، وتجريده من كرامته الإنسانية.

فهل استطاع الغاصب المحتل الوصول إلى مبتغاه؟

وهل هذه الأساليب الممنهجة أرغمت أنوف المقاومين؟

لقد سلك الصهاينة أخسّ الأساليب لإخضاع المقاوم وتركيعه، من تعذيبٍ بشتى أنواعه الدنيئة، والمرفوضة دوليًا، إلى التقتيل وغيره من أنواع الإهانة التي لم يمنعهم من ممارستها أحد، بل إن صحّ القول، لا يريد أحد منعهم، فهو مخطّط كبير لبني صهيون والغرب، منذ زمن طويل.

لكن أن يصل الأمر إلى التجويع الممنهج – وأؤكد على كلمة ممنهج، أي مخطط له مسبقًا – فهو زيادة في الإذلال، وكسرٌ للطاقة الجسدية، وقبلها المعنوية، حتى لا يعود المقاوم قادرًا على الانتفاض، بل، حتى لا يملك طاقةً لحمل السلاح.

وهذا ما رأيناه… ويا ليتنا لم نره!

أجساد منهكة، بطون خاوية، عظام بارزة يكسوها جلدٌ صلب، أمهات مرضعات بثديٍ خاوٍ، وآباء لم يعودوا يطيقون النظر في وجوه أطفالهم النحيلة ذات العيون الدامعة، رجاؤها الوحيد كسرة خبز تملأ بطونها التي تغرغر طوال يومها. لم يسكتها أحد، بل لم يرد أحد إسكاتها… إنهاء لحياتهم، واحدًا تلو الآخر.

وهذا الأسلوب الحقير استُعمل كثيرًا من طرف المستعمرين، لكسر شوكة مناهضي الظلم، الرافضين له، المنادين بالعدل، والحرية، والكرامة.
لكن ما أثار انتباهي: هذا الصمود المنقطع النظير للمقاومة وللشعب الفلسطيني، وأخص بالذكر الأمهات المجاهدات، ممّا جعلني أسائل نفسي مرة تلو الأخرى:

كيف لأم أن تصبر على جوع ولدها؟

بل، كيف تصبر على موت فلذة كبدها موتًا بطيئًا؟

هذا لم نعهده من قبل!

فالأم بطبيعتها تبذل قصارى جهدها لإطعام أبنائها، ومنهن من قد تلجأ إلى طرق غير شرعية لتتفادى نظرات أطفالها الجوعى، لكن أمهات فلسطين لسن من ذلك النوع ولسن كباقي الأمهات!

لقد أشرأبت أعناقهنّ للحاق بركب الصحابيات الجليلات، وأمهات المؤمنين، اللواتي أطعن الله ورسوله، وجاهدن بأنفسهن، وأموالهن، وأوقاتهن، إرضاءً لله تعالى، وعَلِمنَ علم اليقين أن ما عند الله أعظم، وفهمن أدوارهنّ الحقيقية، وشاركن بقوة في إنهاء طغيان مفترس وحشي، لا يهمه من هذه الدنيا إلا زيادة ثرواته، وإشباع نزواته وأهوائه الحقيرة.

قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10]

لقد كان للفلسطينيات اليد الطولى والصولة والجولة في هذه الحرب. بل أبلين البلاء الحسن، وكنّ من خططن لها وأدرنها، وقررن النصر فيها.
فالمقاومة ليست إلا نتاجًا لجهد وصبر وتكثيف مرابطة، ودعاء في جوف الليل لأمهاتٍ عرفن الطريق، ووضعن الهدف، وقد نجحن في ذلك بالفعل.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69.

فالمقاومة، منذ قرابة سنتين، لم يستطع الغاصب المحتل إخضاعها، ولا إذلالها، رغم تكالب القوى الغربية، ورغم صمت حكامنا العرب، الذين رضوا بالمذلة والمهانة لإخوانهم حفاظًا على كراسيهم، واهمين أن تطبيعهم مع الصهاينة نجاة لهم. وكيف ينجو من لم ينصر أخاه المسلم؟!
قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” [الحجرات: 10]. وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال: 72]

وأختم فأقول:
فلسطين آيةٌ من آيات الله، وتجَلٍّ عظيمٌ لمعِيَّته سبحانه. فما خاب من كان الله وليّه ونصيره. قال الله تعالى: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7]. وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا [النساء: 45].