ارتبط اسم الأستاذ عبد السلام ياسين بالسياسة ومواجهة السلطة ونقدها، وعُرف أيضا كرجل تربية، حينما أسس جماعة تدعو إلى مختلف أشكال التزكية والتربية والتوبة والتدافع..
لكن ما لا يعرفه الكثير من الناس، وتَمّ تجاهله، هو دوره الفعال، ومساهمته البنَّاءة في التربية والتعليم، وكذا تكوينه لأجيال من الأساتذة، الذين تلقوا توجيها بيداغوجيا عاليا بمراكز التكوين، وذلك في فترة مغرب ما بعد الاستقلال، حيث كان المغرب في حاجة ماسة إلى الأطر والمربين، الذين يحملون مشعل العلم والتوجيه السديد من أبناء الوطن عوض بقايا المستعمر. وساهم مع مجموعة من رجال التربية والتعليم في تأليف العديد من المطالعات، التي نشأ وتعلم منها جيل بأكمله، وهي تمثل بحق مدرسة في الآداب الرفيعة والذوق السليم والقيم الإنسانية العالية، بل ويظهر من خلالها الهوة العميقة بين جيل تربى على العربية السليمة، وتغذى من فنونها، ونهل من معينها العذب، وجيل ابتعد قصرا عن لغته وهويته بدعوى الانفتاح والعولمة والحداثة، ففقد بوصلته وضاع بين برامج مُرهقة ومقررات سقيمة ومناهج ضبابية غير واضحة المعالم..
أعود إلى الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، وإلى هذه التحفة الجميلة النادرة التي تحمل في طياتها نصوصا قيمية هادفة، تصنع الذوق، وترقى بالسلوك، يظهر فيها جليا الذائقة الأدبية التي تميز بها الرجل، والتي وسمت فيما بعد جُل كتاباته، وعكست تكوينه الراقي والقوي، والذي جمع بين العتيق والحديث، مما جعله متفردا بين معاصريه.
الأستاذ عبد السلام ياسين خُلق ليكون مربيا، فميدان التربية والتعليم ليس جديدا عنه، وإن كان العديد من الناس، ومن بينهم تلامذته القدامى الذين اعتلوا مناصب رفيعة، يتغاضون عن هذا الجانب لكثير من الأسباب، ولعله غُيّب مع هذه المقررات الجميلة وطُمِس لتبقى صورة الرجل السياسي المناهض للدولة هي الطافحة على السطح.
أظن أن من واجب تلامذته أن يميطوا اللثام عن ملامح عديدة وراء صورة السياسي، وأن الأوان قد حلَّ، ليرى العالم أن تراث الرجل أعمق وأنفس من أن يُختزل في أشرطة ومقاطع قصيرة، لكنه مدرسة متنقلة بين الأجيال، تؤسس لجميع مناحي الحياة، وتستحق أن تدرس في الجامعات والمعاهد العليا، وبذلك نوضح بالملموس من خلال البحث والتنقيب أن الرجل – بحق – قادر بنظرته التجديدية الثاقبة والحكيمة أن يعيد بناء أمة.