في خضم ما يعيشه المغرب من موجات احتجاجات شعبية واسعة في المدن والقرى وحتى الدواوير، والتي بلغت ذروة تعبيراتها مع الاحتجاجات الشبابية التي كانت عامة ودموية في بعض المناطق، سألني أحد الأصدقاء المتحزبين مشاكسا: ما هي إجاباتكم واقتراحاتكم على التحديات الاجتماعية والسياسية والإشكالات الاقتصادية الحارقة، فكان هذا الجواب المختصر تذكيرا بمضامين الوثيقة السياسية التي كانت مبادرة ومشروعا سياسيا للأسف لم يتم التقاط رسائله وإشاراته بالجدية والمسؤولية المطلوبتين من النخب السياسية والاقتصادية المغربية الرسمية والحزبية من أجل تجنيب المغرب ما لا تحمد عقباه.
الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان الصادرة في فبراير 2023، هي آخر وثيقة مرجعية تحدد رؤية الجماعة الشاملة لمستقبل المجتمع والدولة في المغرب، بما في ذلك الجانب الاجتماعي أو ما تسميه الجماعة أحيانًا بـ”الشقّ الاجتماعي” أو “العدالة الاجتماعية”، وهي تعرض رؤية الجماعة بتفصيل في المحور الثالث من الوثيقة، والذي يحمل شعار: “عدالة وتكافل وتنمية مستدامة”.
ويمكن في هذا الإطار، تلخيص ما تقترحه الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان في الشأن الاجتماعي في المحاور التالية:
أولًا: العدل الاجتماعي أساس العمران
ترى الجماعة أن العدالة الاجتماعية هي جوهر المشروع السياسي والإصلاحي، إذ لا يمكن بناء دولة العدل والحرية بدون توزيع منصف للثروة وضمان للكرامة المعيشية، وتدعو إلى محاربة الفقر والتهميش والبطالة بسياسات عمومية عادلة، وترفض منطق “الريع” والامتيازات الطبقية الذي ينتجه النظام المخزني، وتؤكد على الحق في السكن والصحة والتعليم والعمل الكريم باعتبارها حقوقًا إنسانية وليست صدقات.
ثانيًا: اقتصاد في خدمة الإنسان
في تصور الجماعة، الاقتصاد ليس غاية في ذاته بل وسيلة لتحقيق الكفاية والكرامة لكل المواطنين، لهذا تطرح نموذجًا اقتصاديا تضامنيًا تشاركيًا يقوم على مقاصد العدل والإحسان، وتشجّع الاقتصاد التعاوني والتمويل الإسلامي والتنمية المحلية المستدامة، وتدعو إلى توزيع عادل للثروة الوطنية وتوجيه الموارد نحو القطاعات الاجتماعية بدل النزيف الريعي.
ثالثًا: لا تنمية بدون قيم
تربط الجماعة بين البعد الأخلاقي والقيمي وبين السياسات الاجتماعية، وتعتبر أن الفساد الأخلاقي والإداري يهدد أي مشروع إصلاحي، كما تدعو إلى تربية المجتمع على التضامن والتكافل لا على الاستهلاك المفرط والأنانية، وتضع الأسرة والمجتمع المدني في قلب الإصلاح الاجتماعي.
رابعًا: دور الدولة والمجتمع
الدولة عند الجماعة مطالبة بأن تكون خادمة للمجتمع لا متسلطة عليه، لذا يجب أن تكون السياسات الاجتماعية ناتجة عن إرادة شعبية عبر مؤسسات منتخبة حقيقية، تدعو إلى إشراك المواطنين في وضع البرامج التنموية وتقييمها.
خامسًا: المقاربة الشمولية
ترفض الجماعة الحلول السياسوية والتقنوقراطية الجزئية، وتقترح رؤية شاملة ومتكاملة ترتكز على أربعة أعمدة، ولا يمكن تصور أي إصلاح بدونها:
1. حتمية الإصلاح السياسي وضرورة تحرير الإرادة الشعبية من خلال مدخل سياسي يقطع مع الاستبداد ويكرس ديمقراطية حقيقية.
2. الإصلاح الاقتصادي القائم على تحقيق الكفاية والعدل والقطع مع كافة أشكال الفساد المؤسساتي والمقاولاتي والفردي بشكل حاسم لا رجعة فيه.
3. الإصلاح الاجتماعي من خلال ضمان الكرامة والتكافل لكل أفراد المجتمع في قطاعات حيوية كالسكن والصحة والتعليم.
4. الإصلاح القيمي والتربوي بإحياء روح المسؤولية وتخليق الحياة السياسية، والقضاء على روح الانتهازية والاستغلال والإثراء بدون سبب ودون قيود أخلاقية وقيمية.
ويمكن القول باختصار؛ إن الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان في شقها الاجتماعي تقترح مشروعًا مجتمعيا إنسانيًا يقوم على “تحرير الإنسان من الفقر والجهل والاستبداد، وتمكينه من الكرامة والعدالة، في ظل دولة العدل والإحسان”.