رغم الدعاية المكثفة التي رافقت الاتفاق التطبيعي المغربي التي عدته فتحا مبينا على الدبلوماسية المخزنية، فإن الحقيقة، وبعد مرور سنة على توقيعه، أن مآلاته على الوضع الدبلوماسي وعلى صورة المغرب الخارجية كانت كارثية بعد أن ورط الدبلوماسية المخزنية في سلسلة من الإخفاقات والصفعات حين توهمت أن الاتفاق سيشكل حصانة لها. وهكذا فقد سجلت في ظرف قياسي عدة أزمات مع دول مختلفة عادت تبحث بعدها عن تسوية لتوترات تسبب فيها انتفاخها الأجوف في مرحلة ما بعد صفقة ترامب المشؤومة.
لا مبرر معقول لكل الآمال المعلقة على صفقة بائرة تم إبرامها مع شخص منتهي الصلاحية والتي تبخرت منذ الأيام الأولى، حيث لم يقدم الطرف الأمريكي على أية خطوة تقلب مسار قضية الصحراء الغربية لصالح المغرب خلافا لما كان يأمل الجانب الرسمي المغربي رغم استماتة إعلامه في محاولة إثبات العكس، فقد ظل حلم القنصلية الأمريكية في الجنوب المغربي التي كان يمني النفس بها معلقا، كما لم يلمس أي مؤشر جدي على دعم موقف النظام المخزني في عموم هذه القضية، على أن التدخل الأمريكي وإن انحاز بالكامل لروايته فإنه لن يدفع هذا الملف إلا باتجاه التعقيد.
ذلك أن الاستنجاد بالعامل الخارجي لم ولن يزيد الطين إلا بلة، فتسول الدعم من أمريكا يستلزم بالضرورة دعوة خصومها تلقائيا إلى إسناد الأطراف المقابلة للمغرب، فهم لن يبقوا مكتوفي الأيدي في عالم مركب تجاوز أحادية القطب مع تآكل القوة الردعية للأمريكان مثلما ظهر في حروبها المباشرة في أفغانستان والعراق فبالأحرى أن تتحمل عبء دعم طرف لا تحتاج إلى مراضاته ليسدي خدماته إليها وإلى حليفها الصهيوني، لا سيما أن خصوم الولايات المتحدة أكثر نجاعة في دعم وإسناد حلفائهم، وكثيرة هي النزاعات التي شهدها العالم مؤخرا والتي أظهرت محدودية أمريكا ومعها القوى الغربية في حسم المعارك لصالح حلفائها (اليمن، شبه جزيرة القرم…).
أما الكيان الصهيوني فهو يأخذ ولا يعطي وكل الاتفاقات الموقعة من طرف المغرب الرسمي هي في صالحه، فهي تضرب سيادة البلد في الصميم وتنال من هويته ومن مقومات صموده إضافة إلى تحول البلد إلى سوق لبضاعته بما فيها العسكرية والاستخباراتية منها رغم عدم الحاجة إليها أو توفر بدائل لها. أما خرافة اللوبي اليهودي المغربي في الكيان العبري وفي أمريكا فهي نكتة سخيفة لأن ولاء كل يهود “إسرائيل” لكيانهم وليس لبلدانهم السابقة ولأنه لم يثبت وقوفه في صالح المغرب رغم قدم الصلة به من طرف النظام المخزني.
لم تقتصر خسائر المغرب الرسمي على خسارة رهانه المباشر من صفقة ترامب الآثمة، فقد أساءت أعظم إساءة للمغرب من جهة كشفها لمستوى دبلوماسيته البدائية الفضائحية، فما يصنعه المخزن إن تجاوزنا سقوطه الأخلاقي المريع الذي هوى به إلى مستوى متطرف في التطبيع مع العصابة الصهيونية الإجرامية، فهو يتسم بالبؤس وبالسذاجة حتى بالمنطق البراغماتي المحض، فالذين يعقدون الصفقات لا يصرحون بها ووحدها الثمار التي يجنون منها هي من تفضحهم، أما في حالة المخزن فقد كان يحارب نفسه بنفسه حين أظهرته دعايته الرديئة بصورة المبتز الرخيص الذي يمكن أن يساوم بأي شيء حتى قبل أن يحصل على ما يريد.
المحصلة أن ملف الوحدة الترابية المغربية بدل أن يتقدم خطوات إلى الأمام زاد تعقيدا، فلا هو حظي بدعم القوى الدولية الكبرى ولا هو تمكن من كسب معركة الرأي العام العالمي، بل إن ما وقع أن تماهي المخزن مع الاحتلال الصهيوني جعله في نفس الخندق الإجرامي معه، حيث قدم هدية لم تكن في الحسبان لخصومه الذين استثمروا هذه النقطة جيدا لإضفاء شرعية تحررية على مجمل مواقفهم وسياساتهم مما تسبب في إحياء قضية أصبحت طي النسيان في عالم ما بعد الحرب الباردة.