مباراة في الغسق

Cover Image for مباراة في الغسق
نشر بتاريخ

على مرمى البصر تنتصب قمم داي الجميلة بمهابة وعنفوان، تحاكي قلوب أهلها الشامخة، وتعكس جمال أرواحهم المتلألئة كعيون ربيعية متدفقة بلا توقف ولا انقطاع..

وعلى المنبسط الممتد تحت ناظري قممنا المهيبة، تتوزع قطع أرضية مشيدة أو مزروعة..

وفي المكان الذي وصلنا إليه توًّا، تأسس ناد للفروسية يضم إليه ملاعب قرب للكرة الطائرة وكرة القدم وبعض الرياضات الفردية.

حضرنا لمشاهدة المباراة النهائية للدوري الذي عُقد في رمضان المنصرم..

افتتحت الأمسية الكروية بمباراة ترفيهية للكبار.. اختلفت أعمارهم بين شباب وكهول .

فريق أبيض وفريق أصفر.

رغم المستوى المتباين للفريقين إلا أن الأجواء كانت ممتعة بحق.

لا تكون الكرة دائما فوزا وخسارة.. وإنما الأصل فيها الترفيه واقتسام لحظات من المتعة مع الأصدقاء والزملاء و”ولاد الدرب”.

لا زلت أذكر حين كنت طفلة كيف كانت تنظم مباريات في شهر رمضان الأبرك احتفاء بهذا الشهر العظيم وتقريبا للأواصر بين “ولاد الدرب” والأحياء المجاورة..

“تيران الخيلات” في “كريان لهجاجمة”.. كم تراكضت فيه الأقدام وسجلت من أهداف.. كأني أعود بالزمن لعقود مرت بي فتركت بين أضلعي حنينا لا ينقطع للحظات شبّت فيها المخيلة قبل الأوان.. ورتعت من أيام الطفولة والصبا ما شاء الله.

أذكر كيف كانت الأتربة تتصاعد مع تسابق اللاعبين نحو الكرة، كأنهم في معركة على صهوات الخيل.. فما تكاد تنتهي المباراة حتى يصبحون كالممسحة، فيكون عليهم بالتأكيد الاستحمام قبل أذان المغرب.

من الممتع رؤية مباراة كتلك التي كنت أشاهدها في صباي.. بعيدا عن تعقيدات الفيفا وسياسة الربح والخسارة.

ثم تنطلق صافرة البداية معلنة عن افتتاح المباراة النهائية..

أطفال لم يبلغوا الحلم.. غير أن أحلامهم تراقصت أمام أعينهم وهي تمنّي النفس بالفوز وحمل الكأس اللذيذة..

لعب الفريقان باستماتة فحافظ كلاهما على شباكه نظيفة.. مما اضطرهما في نهاية المطاف إلى الاحتكام للضربات الترجيحية.

والفوز بالطبع كان للأوفر حظا.. أفليست إحدى مزايا الكرة الساحرة الحظ؟

ليس المسيطر هو الفائز دائما، فالحظ يلعب لعبته مع الضعيف أيضا.

ما أفرحني في هذه المباراة النهائية هو حضور علم فلسطين في الشرط.. فقد استبدل الحكم راية الشرط براية فلسطين، وبذلك تكون القضية الفلسطينية حاضرة في تفاصيل حياتنا لا تحجبنا عنها الحواجب ولا تفصلنا عنها كل العوائق.

انتهى الحفل الكروي البهيج وقد أرخى الظلام سدوله.. إلا أن قمم داي الجميلة التمعت تحت ضوء القمر وأنارت العتمة التي في السفح.