لا يختلف عاقلان على أن الاختناق السياسي سبب رئيس لكل الاحتقانان الاجتماعية والأزمات الاقتصادية. وأن ركب النضال ماض رغم ما يعترضه من صعوبات. وأن مستوى النضج السياسي عند كثير من المغربيات في صعود، حتى باتت أغلبيتهن تميز جيداً الفرق البيّن الواضح بين “امرأة التلفاز” التي يسوقها الإعلام الفاسد و”امرأة الواقع” التي تطحنها آلة الفساد كل يوم ألف مرة، وتقتلها قتلات، وما تزيدها المعاناة إلا صلابة وثباتا.
وإننا حين نقف على تحليل الواقع المعيش لأغلب المغربيات، لا نكون منصفين إذا نحن نظرنا في تشريحه فقط بمنظار الألم المعيش، فلا ننكر برغم سياسات الإلهاء والتمييع والتخويف، ما بذلته الواقفات على ثغور المطالبة الرزينة بالحق والرصينة بالتخطيط، من الوقت والجهد والتهمم، وما حققنه من إنجازات علمية وسياسية واجتماعية واقتصادية، أعطت من خلالها كثير من المغربيات برهان الصدق في نية صالحة وعازمة على المضي قدما لتغيير واقع الحال.
ولعل المتصفح لأحداث هذه السنة، والتي زادتها قتامة مخلفات سوء تدبير حالة الوباء محليا، واستغلال الأزمة السياسية العالمية الأوكرانية الروسية اقتصاديا واجتماعيا، وفي ظل الارتماء العلني للنظام المغربي في مستنقع جرم التطبيع مع الكيان الغاصب السائب الصهيوني، وإلى جانب المناخ الجغرافي الجاف، هذه الظروف جامعة استغلتها السياسات النيوليبرالية الاستبدادية، فأجهزت على القطاع العمومي والخدمات الاجتماعية غير المهيكلة، والتي تستغل فيها اليد العاملة النسائية أبشع استغلال، لتراكم الثروة في يد الفئة القليلة المهيمنة على الاقتصاد والمتحكمة بالفساد، البعيدة عن المحاسبة والسؤال.
وفي ظل هجمات السلطة الإعلامية المدروسة والممنهجة التي تستهدف قيم وهوية وأخلاق المجتمع المغربي الضاربة في عمق الهوية الأصيلة، وفي ظل غلبة نسبة الفقر والجهل، ما زال ظهر المرأة مرتعا سهلا يمتطيه الرعاع. ولعل الصمت المخزني المتستر على فضيحة مكتب الصهاينة، والاغتصاب القهري والقسري الجسدي لعرض المغربيات، لهو خير دليل على الاغتصاب المتسلسل المادي والنفسي والإعلامي والسياسي والاجتماعي.
اغتصاب بالجملة للكرامة والحرية، متكامل الأركان في الجريمة والخنق.
ولعل المتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي المغربية سيدرك حجم الكارثة، فساد على كل المستويات، وبيع للذمم، في إطار سياسة الإلهاء من خلال صناعة “المجتمع المتأزم”، والتي تصاحبها اتباعا سياسة التنفيس القذرة لتصنع لها أسلوبا جديدا يسمى بـ”السعاية الرقمية”، تستغل فيه مآسي المرأة المغربية أبشع استغلال.
أما سياسة الاستهلاك الأعمى و”استقرار” الاستثناء، فقد استغلت من خلاله يد الفساد حاجة الطبقة الفقيرة والطبقة الوسطى لِتُوسع قاعدة العبودية الاقتصادية، المتمثلة في “الخدمة الحكومية” و”نظام التعاقد” و”الخدمات الاجتماعية غير المهيكلة”، مما جعل نظام الأسرة الحاضر، والذي تشكل فيه المرأة عنصرا أساسيا حاضنة وخادمة ومعيلة، يمر بأزمات خطيرة حالت دون الوصول إلى تحقيق الحد الأدنى من تطلعات أفراده للحرية والكرامة الإنسانية، إلى جانب الفشل في الارتقاء إلى مستوى الحياة اللائقة، نتيجة سياسة التجويع وقتل إرادة التفكير والتطوير والإبداع.
في ظل هذه الوضعية الخطيرة للأسرة، لك أن تتصور معي حجم المعاناة الصامتة للمطلقات داخل ردهات المحاكم، واستفحال ظاهرة العنف التي تصل إلى ما يزيد عن 54 في المائة، والعنف النفسي على رأس القائمة.
ناهيك عن الاستغلال الجنسي والاقتصادي لعاملات الحقول، ومطبات الشغل في القطاع غير المهيكل، الناتج عن ثغرات قانونية ظالمة مميزة بين الجنسين في الأجور وساعات العمل، ولعل أحداث أقبية النسيج القاتلة والخانقة بطنجة لخير مثال للحصر.
وفي غياب قسمة عادلة في الحقوق والأرزاق، اختارت كثيرات من المغلوبات الهجرة؛ إما عبر قوارب الموت المغامرة، وإما عبر كونطرات العبودية في حقول الفراولة المحرقة للكرامة، وإما عبر نظام الكفالة في الخليج الذي جعل من المغربيات سلعة رخيصة في سوق النخاسة المتطورة، مما زاد من قتامة المشهد الاجتماعي للنساء المغربيات.
وفي ظل تفشي “أزمة المياه” التي استغلها الاتجار بالفرشة المائية، على حساب المصلحة المهدورة للمواطن، وتحت حماية “نظام الطوارئ “المتجدد عبر الزمن لصالح الأيادي الآثمة، لتُرفع نيران الأسعار فتأكل الأخضر واليابس في ظل استهتار فاسد لتدبير الأزمات.
احتلت النساء في ظل هذه الظروف الصعبة المقدمة في أغلب النضالات والاحتجاجات، لأنهن الأكثر نصيبا في القهر والحكرة والظلم، وارتفعت الأصوات النسائية الحرة المطالبة بالحق في العيش الكريم، ليواجهها القمع السياسي بالسجن حينا وبالحصار والتضييق أحياناً أخرى.
وإننا والحالة هاته يجب أن يقف الجسد النسائي الحقوقي المغربي واحداً صلبا متماسكا، ليصطف إلى جانب طالبات الحق والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، نهيب بكل المناضلات الغيورات الالتفاف والاجتماع في نسيج واحد لمقاومة الفساد والاستبداد.
كما يجب لهذا الجسد النسائي المغربي أن يوقف نفسه على مباضع الجراحين، بالتحليل والتشريح الواقعي، والنقاش البناء، ليعرف مكامن الداء.
وإني أومن أن مهندسا وبناء إذا لم تجتمع عندهما في بداية التخطيط معرفة بطبيعة الأرض التي يقوم عليها أس البناء، قبل أن تفاجئهما المادة الملغومة والتربة المنجرفة والصخور المنحرفة، فإن عملهما سيكون مخاطرة فيها كثير من التخبط والجنون المغامر.
ولأني مغربية الجذور، ومسلمة الأصول، لا بد أن أطلب العلاج وأحاور وأجادل من هذين المنطلقين: الوطن الصالح والمنهج الواضح، وسلاحي كتاب الله عز وجل وسنة الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قد تختلفين معي في هذه المرجعية، أختي المغربية وصديقتي في النضال، ولكن طريق الحق واحد نسيره جميعاً وإن اختلفت أدوات الرحلة الطويلة ونية الطريق السعادي.
صحيح أن أمي قد أورثتني عادات خائفة حينا، خانعة أحياناً، معوقة عن المسير، ودينا قد ألبسته عصا الحكم الظالم والجبر ثوبا ممزقا ومرقعا حسب الهوى، ويجب إعادة تجديده بمقاييس الحق الإلاهي العادل، غير أن كتاب الله عز وجل المعين النقي النابض علمني أن أكون المُجادِلة عن حقي وكرامتي، وقدوتي تلك التي جاءت رسول الله تجادله عن حقها وتشتكي مظلمتها، والله يسمع حرارة تحاورها، فرفعها وخلدتها آيات تتلى، لتُعلمنا أن الحق ينتزع، مادام وراءه طالب.
وعلمني الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد اجتمعت إليه النساء، فجعل لهن وقتا خاصا بعيدا عن الشأن العام الذي فيه النساء شقائق الرجال، لما في الأمر من خصوصية يستفردن بها مع المبعوث رحمة، العادل قسمة، فطفقن يسألنه ويستكثرنه حتى تعالت أصواتهن. ولا تتعالى الأصوات إلا حين تحضر المظالم ويطلب الإنصاف.
وتعلمت أيضاً أن في عهده صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالتدبير الإلاهي المحكم، أن النساء قد عقدن اجتماعا عاما وأرسلن إليه وافدتهن تترجم عنهن، وتتلو تقاريرهن ومطالبهن بلسان يتقن الحجة، ويرصد واقع الحال بإتقان وعبادة المحسان.
وافدة محنكة في الخطاب، واجتماع نسائي عام، يعني جمعية نسائية في زمن النبوة، والرسول يسلمهن وصل الإيداع والعمل المشروع، أَغيَر على دين الله من رسول الله لا ولن يكون.
لهذا المعين أدعو كل المغربيات أن يجتمعن على صعيد واحد لمحاربة الفساد والاستبداد، ومنه يجب أن تكون لنا القدوة، فالدين الإسلامي لا يحجر واسعا، ولا يقمع مطالبا، ولا يقتل روحا عشقها في الحق والسعادة النظيفة، من أي فم نُطِقت ومن أي مكان طُلِبت.
وكلنا المُجادِلة عن حقها، فدرب المُجادِلة لا يوقفه النزيف.
وتحيا المرأة المغربية في عزة وكرامة.