يدخل اعتقال الأخ عمر محب شهره التاسع في مسلسل من التحقيقات والتأجيلات أُريد لها أن تطول.. والأسئلة المطروحة: أما آن لهذا المخاض أن ينتهي؟ أما آن للقانون في هذا الوطن أن يأخذ مجراه، وأن يعانق النزاهة والصدق في تحري الحقائق وصون كرامة الإنسان؟ أما آن للراكضين وراء الملفات المفبركة أن يوفروا الجهود لخدمة هذا الوطن بدل إهدارها في متاهات العناد والانتقام الحقود؟ ثم أما آن للذين يُصدرون التعليمات أن يركنوا إلى الاستغفار من ظلم وعسف عن سبق إصرار؟
نطرح هذه الأسئلة على من يُهمهم الأمر بين يدي استئناف محاكمة الأستاذ عمر محب يوم الثلاثاء 26/6/2007 بعدما تم تأجيل النظر في الملف للمرة الثانية بتاريخ 28/5/2007 في جلسة غريبة مفاجئة معجلة بيوم عن موعدها الحقيقي وفق حسابات مخزنية صرفة لا تخفى على المتتبع البسيط ..
نطرح هذه الأسئلة ورغبتنا أن نوضح مجموعة أمور مرتبطة بالملف.. ذلك أن هذا الأخير ينطوي على قضيتين مختلفتين في السياق والأحداث والأشخاص والزمان والمكان.. لكن عباقرة الإخراج المخزني أرادوا إعادة تركيب الأحداث بالطريقة التي تُفضي إلى صنع قضية أو قصة يسيل لها لعاب الاستئصاليين الحاقدين.. ويندى لها جبين من فيه ذرة من مروءة..
الملف ينطوي على قضيتين منفصلتين مختلفتين: قضية محاكمة عمر محب، ولها سياقها السياسي .. وقضية مقتل الطالب بنعيسى آيت الجيد، ولها أيضا ظروفها وسياقها.. لذا وجب توضيح سياق القضيتين معا ..
أولا = سياق محاكمة عمر محب
لا يمكن بأي حال إخراج محاكمة عمر محب ــ والتهمة طفت هكذا على السطح بعد أزيد من 13 سنة ــ عن سياق عشرات المحاكمات التي يتعرض لها أعضاء جماعة العدل والإحسان منذ أكثر من سنة على إثر انطلاق الفصل الجديد من مسلسل الحصار والتضييق المفروض على الجماعة ، حيث لازالت القوات المخزنية ـ ومنذ 24/5/2006 ـ تشن حملات الاعتقال واقتحام البيوت وتلفيق التهم .. كرد هستيري مسعور على ما خلفته الأبواب المفتوحة لجماعة العدل والإحسان من أصداء إيجابية اتجاه مشروع الجماعة ، ومن إدانة للنهج الأمني القمعي الممارس من طرف السلطات المغربية اتجاه هذا المشروع .. في محاولة من المخزن البئيس تسويق فكرة مفادها أن جماعة العدل والإحسان جماعة محظورة وغير قانونية .. فكان أن انقلب السحر على الساحر حيث تم إحياء ملفات الأحكام السابقة القاضية بقانونية الجماعة وتعزيزها بأحكام جديدة صادرة عن القضاء .. مما جعل المخزن في مأزق و حرج أكثر من ذي قبل ..
ولعل فشل الجهات الرسمية وأذنابها في نزع الصفة القانونين عن جماعة العدل والإحسان حدا بها إلى البحث الجهيد عن ورقات أخرى تستر بها عورة عجزها .. فراح مسؤولوها ينبشون تارة في بعض الملفات الإدارية التافهة ، وتارة يحركون بعض الدعاوى هنا وهناك .. ثم اجتهدوا في النبش في الماضي .. ولما سُقط في أيديهم راحوا ينسجون علاقات من صنع الخيال كما في قضية بارون المخدرات المدعو ” بين الويدان ” .. أو فبركة قضايا مثل ما وقع مع الأخ رشيد غلام .. كل ذلك من أجل إلصاق تهم جنحية أو جنائية ـ مساس بالأخلاق ، عنف ، مخدرات … ـ تُمكن من متابعة الجماعة وأعضائها .. وبالتالي فقضية عمر محب تدخل في هذا الإطار ، ولا يمكن فصلها عن هذا السياق ..
وللمرء أن يتساءل عن الأهداف الكامنة وراء هذه الحملة المسعورة .. ولعل المتتبع البسيط بمقدوره أن يقف على البعد السياسي لذلك ، وإليه نضيف الإشارات التالية :
1 ـ إن سيل المتابعات والاجتهاد في فبركة الملفات جاء أساسا لتجاوز الفشل القانوني في فرض حظر على الجماعة واستئصالها.. وإلا فهذا وحده كاف لحسم الملف ..
2 ـ إغراق الجماعة في ملفات مصطنعة تُلهيها عن خطها الدعوي الإشعاعي .. وفي ذلك تسويق إعلامي وسياسي الهدف منه التخويف منها وإحكام الحصار عليها .. خاصة لدى النفوس الضعيفة القابلة للخوف والتشكيك ..
3 ـ إنهاك الجماعة ماديا من خلال المحاكمات الصورية ،والأحكام الجاهزة، و الغرامات المفروضة على أعضائها والتي ناهزت النصف مليار من السنتيمات ( 5 ملايين درهم / 500000 أورو) .. وحال المخزن يقول: ” والبقية تأتي ” ظنا منه أن في ذلك تجفيف للمنابع المادية للجماعة ،وما هو في الحقيقة إلا ظلم مسلط على أبرياء عزل لسرقة عرق جبينهم ،وتضييق مضاف على أسر مكلومة مفقرة أصلا ..
4 ـ استئصال الرموز السياسية والدعوية المحلية .. في محاولة لقطع رؤوس الدعوة عن القواعد والأتباع .. ولا أدل على ذلك من اعتقال الآلاف من الأعضاء، والاقتصار على متابعة المئات منهم وهم رموز.. بهدف الحصار الشامل دعويا وسياسيا .. والأستاذ عمر محب واحد ممن شملتهم هذه الحملة ، فهو رمز دعوي سياسي في مدينة فاس باعتباره مسؤولا طلابيا سابقا ، وإطارا في شبيبة العدل والإحسان حاليا ..
ثانيا = سياق مقتل آيت الجيد
بالرجوع إلى واقع الجامعة المغربية وقت الحادث ـ فبراير 1993 ـ نجده مشحونا بالتوجهات والصراعات التي قد تُفضي إلى تصفية الحسابات .. والمتهمون فيه مرتبون وفق السلم التالي :
المتهم الأول = النظام المخزني :
لاختلف المتتبعون الخارجيون ، مع جميع الأطراف في الساحة آنذاك ، أن السلطات المخزنية كانت وراء الفوضى التي عمت الجامعة المغربية .. ذلك أنه بعد أن فشلت في نزع الشرعية عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بداية ،ثم بعد أن ووجِهت أجهزتها السرية المبثوثة في الجامعة ـ والمعروفة آنذاك بالأواكس ـ بالحذر والتحذير من طرف جميع الفصائل لاحقا .. بعد كل ذلك راحت تكيد في الخفاء من أجل زرع البلبلة والفوضى في الساحة الجامعية ، وتسهيل تدخل شرعي استئصالي لرؤوس الفصائل والعناصر البارزة فيها .. وقد ظهر ذلك بشكل جلي في موقع جامعة محمد بن عبد الله بفاس المؤهل لتنفيذ هذه الخطة بحكم تعدد الفصائل المتنافسة فيه ..
المتهم الثاني = الفصائل اليسارية :
عرفت هذه المرحلة صراعا حادا بين الفصائل الييسارية انصب أولا على تجفيف الجامعة من الطلبة اليساريين المعتدلين ( التيار الإصلاحي ) المنتمين للأحزاب السياسية المنخرطة في المشهد النظامي ( التقدم والاشتراكية ـ الاتحاد الاشتراكي ـ منظمة العمل الديمقراطي …) ، حيث نجح اليسار الراديكالي في حسم المعركة لصالحه ليتفرغ إلى تصفية حساباته الداخلية ، إذ احتدم الصراع بين تياري الطلبة القاعدين ورفاق الشهداء .. وليبدأ مسلسل متواصل في تصفية الحسابات ..
المتهم الثالث = الطلبة الإسلاميون :
وهم الطارئون على الساحة الجامعية في منظور أطراف الصراع الأخرى .. غير أن ظهورهم اتسم بنوع من التنظيم والتوسع المحكم .. ومن ثم وجب التصدي لهم بكل الوسائل .. وهنا التقت إرادة الطرفين السابقين ـ ولو بدون اتفاق وتنسيق ـ من أجل تطويق هذا المد .. مما سيدفع بالمشهد الجامعي في دوامة تشابكت فيها الخيوط .. وتعددت فيها الاتهامات ..
في هذا السياق إذن تم حدث مقتل آيت الجيد .. وبإزائه نريد التسطيرـ من باب التوضيح ـ على الأمور التالية :
1 ـ جماعة العدل والإحسان هي أحرص الأصوات المنادية بالكشف عن هذه القضية للأسباب التالية :
ـ أولا : لأنها أقحمت ظلما وتعسفا في هذا الملف .. ومن طرف من ؟ .. من طرف المخزن .. والكل يعرف العلاقة التي تحكم الطرفين ..
ـ ثانيا : لأن هذا المخزن سكت دهرا .. ثم استفاق بعد أزيد من 13 سنة لينطق زورا .. فهل يهمه فعلا الحرص على ألا يذهب دم طالب سدى أم أنه يروم مقاصد أخرى .. وإلا أين كان هذا المخزن طيلة هذه المدة ؟ وأين كانت الأطراف المدنية من تحريك الملف ؟
ـ ثالثا : لأن هذا الملف أصبح يوظف من مجموعة أطراف تناصب العداء للجماعة ، وفي ذلك تغطية على فشلها الذريع للنيل منها ..
2 ـ آيت الجيد كان على خلاف مع رفاقه في الساحة ، والنظام كان حريصا على إذكاء الصراعات وتصفية الحسابات ، والمساهمة في ذلك ..
3 ـ عمر محب كان رمزا طلابيا، والرمز يُشار إليه بالبنان ولو من باب الاتهام وتصفية الحسابات ..
4 ـ عمر محب كان موجودا بالملتقى الطلابي الثالث بالدار البيضاء خلال أسبوع الحادث كما تثبث كل الدلائل والشهادات ..
5 ـ عمر محب ظل يعيش على مرأى ومسمع المخزن والأطراف المدنية المعنية.. وتابع دراسته وحصل على الإجازة سنة 1995 .. بل ظل على علاقة تواصل مع بعض هذه الأطراف المدنية التي تشهد له بالاستقامة بعد انتهاء المرحلة الجامعية ..
6 ـ وفوق هذا وذاك ليس هناك دليل واحد يدين عمر محب .. إلا شهادة شخص متورط في الملف ومدان فيه سنة 1993 .. شهاداته متناقضة ومضطربة .. فهل يُعقل أن يُؤخذ بها لمتابعة إنسان بريء ؟