محمد نبيي، كيف لا أحبه؟

Cover Image for محمد نبيي، كيف لا أحبه؟
نشر بتاريخ

مقدمة

إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مجرد شعور عابر نحس به كلما حلت ذكراه، أو احتفالا موسميا يذكر ثم ينسى، أو شعارات رنانة ترفعها الألسن وتخالفها الأفعال، بل هو اتحاد بين العقل والقلب، بين الفكر والوجدان، إنه احتفاء دائم ورفعة أبدية.

فكيف لا أحبه وهو النبي الذي جاء برسالة الإسلام التي كرمت الإنسان رجلا وامرأة، وأخرجت البشرية من ظلمات الجهل والجور إلى نور الهداية والعدل؟ كيف لا أحبه وهو نبي الرحمة الذي رفع من قدر المرأة وأعطاها مكانتها التي لم تحظ بها في أي حضارة سابقة؟

المرأة في ظل الجاهلية: كيف لا أحبه وهو من أنقذها؟

جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم في زمن كانت فيه المرأة تعاني من أشد أنواع الظلم والاضطهاد، فغير نظرية المجتمع إليها وأكد على كرامتها واستقلاليتها. كيف لا أحبه وهو الذي حارب عادة جاهلية متفشية آنذاك وهي ظاهرة وأد البنات، وجعل إنقاذ البنت سبباً للنجاة من النار، وجعل تكريم من يُربيهن ويُنفق عليهن سببًا لدخول الجنة بصحبته، مما أعطى قيمة عظيمة لتربية البنات. فقال: “مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ” 1، وذلك من باب الرحمة بالبنات وتقدير تربيتهن.

التعليم حق للجميع: كيف لا أحبه وهو من علمها؟

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم النساء، وكان يخصص لهن يوماً للتعلم، وهو القائل: “طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ” 2، والمسلمة داخلة في هذا الخطاب؟ كيف لا أحبه وهو الذي جعل العلم سبيلاً للارتقاء بالإنسان ذكراً كان أم أنثى؟

المرأة في المجتمع: كيف لا أحبه وهو من أشركها؟

لقد شهدت المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مشاركة فعالة في المجتمع، من خلال البيعة، والحوار، والنصيحة… كيف لا أحبه وهو الذي قال: “إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ”؟ 3، كيف لا أحبه وهو الذي جعل للنساء بيعة خاصة كما في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ” (الممتحنة: 12)؟

الرفق بالمرأة: كيف لا أحبه وهو من أوصى بها؟

في حجة الوداع وفي الخطبة العظيمة، أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمة كلها، وخص النساء بوصية مؤكدة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ” 4، كيف لا أحبه وهو الذي عامل زوجاته بأخلاق عالية، وشاركهن المشاعر، وقدر دورهن؟ وكلمة “عوان” تعني أسيرات، أي أنهن تحت رعايتكم وسلطتكم، فلا تستغلوا هذه القوة إلا في الإحسان إليهن والإنفاق عليهن وحمايتهن.

كيف لا أحبه وهو القائل: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي” 5؟

مواقف خالدة

1- الوصية العامة بالنساء وخلقهن

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رفْقًا بِالقَوَارِيرِ” 6، فقد شبه النبي الكريم النساء بالقوارير وهي تلك الأواني الزجاجية الرقيقة الهشة والسريعة العطب، كناية عن رقتهن وحاجتهن إلى حسن المعاملة باللطف والرأفة والحذر الشديد، والابتعاد عن القسوة والعنف.

2- إكرام البنات وإدخال السرور عليهن

  كانت عائشة رضي الله عنها تلعب بالبنات (أي الدمى) في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأتيها صويحباتها يلعبن معها.

3- الرحمة بالزوجة وتقدير مشاعرها

عندما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، أقام وليمة كبيرة ودعا الناس لها، وكان يقصد بذلك إظهار تكريمها ورفع منزلتها، بعد أن كانت مجرد زوجة لابنه بالتبني (زيد بن حارثة)، مما كان عرفًا جاهليًا باطلاً.

4- المساواة بين الزوجات في المعاملة

كان النبي صلى الله عليه وسلم عادلاً بين زوجاته إلى أقصى درجة، يقسم بينهن بالعدل ويقول: “اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ” 7. يقصد المشاعر القلبية التي لا يملكها الإنسان.

5- المزاح والملاطفة مع زوجاته

كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تسابق النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته، ثم بعد ذلك سابقها فسبقها فقال: “هذه بتلك” 8، وهذا يدل على مدى اللطف والمزاح الذي كان يعاملهن به.

6- احترام رأي المرأة والأخذ بمشورتها

كان هذا الموقف عند صلح الحديبية، حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا هديهم ويحلقوا، فتباطأوا بسبب الغضب من شروط الصلح، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها محزونا، فأشارت عليه بأن يخرج وينحر هديه، ويحلق رأسه، دون أن يكلم أحدًا، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فلما رآه الصحابة فعلوا مثل فعله. فهنا أخذ بمشورتها رضي الله عنها الذكية الحكيمة التي حلت الموقف.

7- الرفق بالمرأة الغامدية التي أخطأت

جاءت امرأة من قبيلة غامد إلى النبي صلى الله عليه وسلم معترفة بالزنا طالبة أن يُطهرها الله بالحد. حاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يردها مرارا لعلها ترجع عن اعترافها، ولكنها أصرت. فلما رأى إصرارها على التطهير، أقام عليها الحد. ثم صلى عليها صلاة الجنازة ودافع عنها عندما اعترض بعض الصحابة على الصلاة عليها قائلاً: “لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ” 9.

هو موقف يظهر رحمته الشديدة بها، ومحاولته تخفيف الأمر عنها، ثم إعلاء شأن توبتها بعد إقامة الحد.

8- الإنصاف للنساء وحماية حقوقهن

 عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا…” 10. وكان إذا أراد أن يعاقب أحدًا فإنه لا ينتقم لنفسه أبدًا.

كما غضب صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا عندما بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب امرأته لأنهما تخاصما، وقال: “لا تضربوا إماء الله”. فجاء عمر إلى النبي وهو غضبان، فقال: “قد ذهب رجال بنو فلان يضربون نساءهم”، فلم يرض النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

9- تقدير دور المرأة كأم

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صحبتي؟ قَالَ: “أُمُّكَ”، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: “أُمُّكَ”، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: “أُمُّكَ”، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: “ثُمَّ أَبُوكَ” 11، هذا التكرار يؤكد المكانة الفريدة التي تحتلها الأم، وجعل برها من أعظم القربات إلى الله وأسرع طريق إلى الجنة.

إن هذه المواقف ليست سوى غيض من فيض من سيرته صلى الله عليه وسلم، التي غيرت النظرة للمرأة في المجتمع الجاهلي ورفعت من شأنها، وجعلت حسن معاملتها والرفق بها عبادة يُتقرب بها إلى الله تعالى.

النبي محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإنسانية

إن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا للرجال فقط، بل كان نبي الإنسانية جمعاء. كيف لا أحبه وهو الذي يشفق على الضعيف، ويحنو على الصغير، ويكرم المرأة ويحفظ حقوقها؟ كيف لا أحبه وهو الذي جاءنا بكل خير، وأرشدنا إلى كل بر، وسن لنا أعظم المبادئ في التعامل مع المرأة باحترام وتقدير؟

فحب النبي صلى الله عليه وسلم ليس خيارا، بل هو فريضة إيمانية وضرورة بشرية. كيف لا أحبه وهو النبي الذي غير العالم بأسره، وأخرج المرأة من ظلم القرون إلى نور الإسلام وعدله؟

خاتمة

لم تكن رحمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالنساء مجرد عاطفة عابرة، بل كانت عدلا شاملا، جعل من البنت قرة عين وسببا لدخول الجنة، ومن الزوجة سكنا ومودة ورحمة، ومن الأم جنة تتوق إليها الأقدام. كان خطابه للأمة: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا” دستورا خالدا، وكانت وصيته: “رَفْقًا بِالقَوَارِيرِ” منهجا عمليا في التعامل يذكّر برقتها وحاجة معاملتها بلطف، هذا نبينا فكيف لا نحبه؟


[1] (رواه مسلم، رقم الحديث 2631) كتاب (البر والصلة والآداب)، باب: (فضل الإحسان إلى البناتَ).
[2] رواه ابن ماجة، رقم الحديث: 224، في كتاب المقدمة، “باب فضل العلماء والحث على طلب العلم”، (وصححه الألباني في صحيح الجامع).
[3] رواه الترمذي، رقم الحديث: 113، (وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح).
[4] الراوي: أبو هريرة، المصدر: سنن الترمذي، رقم الحديث: 1163، وسنن ابن ماجة رقم (1851).
[5] الراوي: عائشة أم المؤمنين، سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 3895 (وحسنه الترمذي والألباني).
[6] الراويِ أنس بن مالك صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رفق الإنسان بالمرأة رقم الحديث: 6024 (وفق ترقيم فتح الباري).
[7] الراوي: عائشة أم المؤمنين المصدر: سنن أبي داود كتاب النكاح، رقم الحديث: 2134 (وصححه الألباني).
[8] الراوي: عائشة أم المؤمنين سنن أبي داود، رقم الحديث: 2578 (صححه الألباني).
[9] الراوي: أبو هريرة وآخرون، المصدر: صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب حد الزاني المحصن ورجمه، (رقم 1965)، (وفق ترقيم العالمية).
[10] الراوي: عائشة أم المؤمنين، (صحيح مسلم)، كتاب الفضائل، رقم الحديث: 2328.
[11] الراوي: أبو هريرة، صحيح البخاري (رقم 5971) وصحيح مسلم (رقم 2548).