محنة معتقل… محاولة لكشف مظلومية عمر محب

Cover Image for محنة معتقل… محاولة لكشف مظلومية عمر محب
نشر بتاريخ
 محمد النويني عضو هيئة الدفاع.

سياق الاعتقال وخلفياته الأمنية والسياسية

سياق الاعتقال

في صبيحة يوم الأحد، الخامس عشر من شهر أكتوبر من سنة 2006 ومن داخل معرض كان يُنظمه السيد عمر محب، وبناء على مذكرة بحث مزعومة صادرة في حقه منذ سنة 1993 في موضوع مقتل الطالب آيت الجيد، قامت الشرطة القضائية بإلقاء القبض عليه بشكل مفاجئ في الوقت الذي كان يعيش على مرأى ومسمع من الجهات الرسمية طيلة هذه المدة، بل على علاقة إدارية دائمة – في إطار عمله التجاري وكذا المعارض التي يُنظمها – مع السلطات بفاس، الأمر الذي يجعلنا نطرح تساؤلات مشروعة وهي:

لماذا تم اعتقال عمر محب بعد مرور ما يناهز ثلاث عشرة سنة على مذكرة البحث الصادرة في حقه؟

ولماذا تم التركيز فقط على اعتقال عمر محب علما أنه ليس لوحده المبحوث عنه في مقتل الطالب آيت الجيد بل هناك أشخاص آخرون مبحوث عنهم في نفس المسطرة؟

ولماذا حرصت الأجهزة الأمنية والقضائية أن تزج بعمر محب في الملف علما أنه أكد في جميع تصريحاته وفي جميع مراحل التقاضي، إلى جانب شهوده بكونه لم يكن يوجد بمدينة فاس يوم مقتل الطالب آيت الجيد بل كان بمدينة البيضاء يشارك في الملتقى الطلابي الثاني؟

الخلفيات الأمنية والسياسية للاعتقال

لعل المتتبع للحرب المسعورة التي يشنها المخزن المغربي على القوى الممانعة بهذا البلد الحبيب، وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان، التي ينتمي إليها عمر محب، سيساعدنا للجواب على التساؤلات المطروحة أعلاه، إذ يؤكد لنا معطى واحدا مفاده، أن ما وقع، ما هو إلا تجدد مستمر لأشكال الضغط والحصار والتضييق والمساومة التي ينهجها المخزن ضد معارضه العنيد وخصمه القوي، جماعة العدل والإحسان الذي أسسه الإمام الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله.

ولنا في ملف الطلبة الاثني عشر الذين قضوا بالسجن ما يزيد عن 18 سنة ظلما وعدوانا خير مثال لتتضح لنا الصورة بجلاء.

هكذا شهدت العلاقة بين المخزن وجماعة العدل والإحسان سنة 2006 توترا كبيرا، حيث شنت الدولة على هاته الأخيرة حملة مسعورة غير مسبوقة من الاعتقالات والمضايقات لأعضائها وأطرها وخطبائها وجمعياتها ومقراتها.

إذ في ظرف ستة أشهر الأخيرة من السنة المذكورة زجت الأجهزة الأمنية والقضائية بمخافر الشرطة وسجون المملكة بحوالي 2915 عضوا من العدل والإحسان، ليصل عدد المتابعين بجنح وجنايات جميعها ملفقة وجلها تتعلق بعقد اجتماعات عمومية دون سابق تصريح والانتماء إلى جمعية غير قانونية إلى 558 عضوا في أكثر من 95 ملفا من بينها ملف المعتقل السياسي عمر محب.

ولينقشع الغبار عن الحقيقة الساطعة أكثر، ولنكشف حجم الحيف والظلم الذي وقع على جماعة العدل والإحسان ولكي نبرز السياق الأمني والسياسي لاعتقال الأستاذ عمر محب المنتمي لهاته الأخيرة نطرح بين أيديكم حصيلة متابعات ومحاكمات المخزن لهاته الجماعة.

وصل عدد الأعضاء الذين زج بهم في مخافر الشرطة وسجون المملكة في ظرف 5 سنوات من يونيو 2006 إلى غاية مارس 2011 إلى 7232 عضوا، من بينهم 1167 معتقلة من نساء العدل والإحسان، ناهيك عن الطلبة والأطفال القاصرين ليصل مجموع المتابعين منهم إلى 1288 شخصا.

هذه الحرب الشعواء على العدل والإحسان لم تكتف بالأحكام السالبة للحرية لأعضائها وأطرها وقياداتها بل اتخذت منحا أخر، وهو تشميع مقراتها ومنع مخيماتها وإثقال كاهل الجماعة بغرامات مالية ظالمة وقاسية وصلت خلال الفترة المذكورة أعلاه إلى مبلغ 5527215.00 درهم، وكل ذلك بغاية تجفيف المنابع الدعوية والتربوية والإشعاعية والمادية للجماعة بهدف كبح جماحها وفرملة تغلغلها وسط المجتمع وإضعافها في أفق إخضاعها لإرادتها ودخولها للبيت الطاعة كما فعلت بباقي القوى الممانعة بهذا الوطن.

التقييم القانوني لمتابعة عمر محب

بناء على المادة 83 وما بعدها من قانون المسطرة الجنائية، وبناء على مطالبة السيد الوكيل العام للملك المؤرخة في 17 أكتوبر 2006 والرامية إلى إجراء تحقيق ضد السيد عمر محب، وبعد خمسة أشهر من الجلسات المارطونية للتحقيق التي توزعت بين الاستنطاق الابتدائي والاستنطاق التفصيلي وكذا الاستماع لشهود الإثبات وشهود النفي، توبع هذا الأخير بمقتضى الأمر بالإحالة الصادر عن السيد قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 26 مارس 2007 بجناية القتل العمد طبقا لمقتضيات الفصل 392 من القانون الجنائي.

هذه المتابعة خضعت لتقييم دقيق من طرف هيئة دفاع السيد عمر محب، من خلال تقريرها الصادر خلال منتصف شتنبر من سنة 2007، حيث سجلت عليها عدة ملاحظات وخروقات سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الجوهر ناهيك على أن تلك المتابعة لا تستند على أي سند قانوني أو واقعي سليم.

أولا: على مستوى الشكل

يمكن إجمال الإخلالات الشكلية التي صاحبت الإجراءات المسطرية في ملف عمر محب في ثلاثة خروقات رئيسية وذلك على النحو الآتي:

1- انعدام حالة التلبس

حسب مقتضيات المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية فإن حالة التلبس بالجريمة تقوم إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكاب الفعل الجرمي أو على إثر ارتكابه أو كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور عقب ارتكاب الفعل، كما يعتبر الجاني في حالة تلبس إذا وجد بعد زمن قصير حاملا أسلحة أو أشياء يستدل منها على أنه شارك في الفعل أو عليه أثار أو علامات تثبت هذه المشاركة.

وباطلاعنا وفحصنا لوثائق الملف نجد أن الوقائع موضوع المتابعة حدثت بتاريخ 25 فبراير 1993 في وقت كان فيه السيد عمر محب يشارك في الملتقى الطلابي الثاني بمدينة الدار البيضاء كما أفاد بذلك مجموعة من الشهود، وعلى رأسهم رشيد العطوري وفاطمة مرجان وعبد اللطيف الفيلالي والشعيبية بلعسال وزكري الطاهري وبالتالي لم يكن في مكان الجريمة، ومن تم لا تنطبق عليه الحالات المنصوص عليها في المادة المذكورة أعلاه.

وفضلا عن ذلك فإن المتهم لم يضبط إلا بتاريخ 15 أكتوبر 2006 أي بعد مرور ما يزيد عن 13 سنة على ارتكاب الفعل، علما أن العارض يقيم بمدينة فاس، وواصل دراسته بعد وقوع الأحداث بالكلية وحصل على الإجازة في الفيزياء سنة 1995 وتزوج واستقر بنفس المدينة وظل ينظم معارض للكتاب سنويا.

وتأسيسا على ذلك فإن حالة التلبس غير متوافرة في الملف مما يتعين معه رفع حالة الاعتقال ومتابعة المتهم في حالة سراح طالما أن الحرية هي الأصل.

2- سبقية البث في التكييف القانوني

بمقتضى الأمر بالإحالة تابع السيد قاضي التحقيق السيد عمر محب بجناية القتل العمد.

ويتعين التذكير أنه سبق لقاضي التحقيق آخر بمناسبة نفس القضية أن تابع السيد عبد العالي حامي الدين والسيد عمر الرماش بالضرب والجرح المفضي للموت فيما تابع السيد الخمار الحديوي بالمشاركة في نفس الفعل، وأنه بعد مناقشة الملف أصدرت غرفة الجنايات قرارا أعادت بموجبه التكييف القانوني للوقائع ووصفتها بأنها مجرد مشاركة في مشاجرة ارتكب أثناءها عنف أفضى إلى موت طالما أنه تعذر معرفة أي من الضربات أدت إلى الوفاة.

واعتبارا لذلك فإن الغرفة الجنائية سبق لها البت في الوصف القانوني للجريمة بمقتضى قرار حاز قوة الشيء المقضي فيه بعد إبرامه من طرف المجلس الأعلى، مما يشكل مانعا من سماع الخصومة الجنائية بأي وصف آخر غير المشاركة في مشاجرة أدت إلى وفاة، ومن تم يكون الأمر بالإحالة قد خرق مقتضيات المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية الذي ينص على أنه تسقط الدعوى العمومية بصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضى به.

3- سقوط الدعوى العمومية بالتقادم

وإذا ما خلصنا إلى أن التكييف القانوني السليم للوقائع موضوع المتابعة هو المشاركة في مشاجرة أدت إلى وفاة على فرض صحة الوقائع لأن العارض لم يكن بمكان الجريمة بحكم مشاركته في ملتقى طلابي بمدينة الدار البيضاء في نفس التاريخ – فإن هذه الجريمة يكون قد طالها التقادم الخمسي بحكم أنها مجرد جنحة على اعتبار أن الوقائع حدثت بتاريخ 25 فبراير 1993 في حين أن إلقاء القبض لم يتم إلا بتاريخ 15 أكتوبر 2006 أي بعد مرور ما يزيد على 13 سنة وذلك تطبيقا للمادة 5 من قانون المسطرة الجنائية.

ثانيا: على مستوى الموضوع

إن السيد قاضي التحقيق أصدر أمرا بمتابعة السيد عمر محب بجناية القتل العمد اعتمادا على تصريحات ما أسماه “بالشاهد” الحديوي الخمار زاعما أن شهادته جاءت مفصلة وبينت الوقائع بدقة من بدايتها إلى نهايتها وزكتها تصريحات السيد عمر الرماش المتهم في الملف السابق غير أنه بمراجعة تصريحات الشاهد/المتهم الخمار الحديوي خلال مختلف المراحل بدءا من اعتقاله واستجوابه من طرف الضابطة القضائية بتاريخ 27 أكتوبر 1993 واستنطاقه من طرف السيد قاضي التحقيق ابتدائيا بتاريخ 28 أكتوبر 1993 وتفصيليا بتاريخ 25 نونبر 1993 ثم التصريح الذي أدلى به أمام غرفة الجنايات بتاريخ 14 أبريل 1994 واستجوابه بعد 12 سنة من طرف الضابطة القضائية بتاريخ 15 أكتوبر 2006، وأخيرا التصريحات التي أدلى بها أمام السيد قاضي التحقيق بمناسبة التحقيق مع السيد عمر محب وذلك بتاريخ 14 نونبر 2006، بمراجعة هذه التصريحات سيتأكد بما لا يدع مجالا للشك بأن تصريحات ما أسماه قاضي التحقيق بالشاهد لا هي بالمفصلة ولا هي بالدقيقة ولا المنسجمة مع تصريحات السيد عمر الرماش؛ بل إنه بإلقاء نظرة بسيطة على أقواله نجدها تتناقض في كل واقعة ثلاث مرات على الأقل، بدءا من سياق الأحداث والأشخاص الذي شاركوا في الجريمة وعددهم ووسيلة الاعتداء وكيفية التعرف على السيد عمر محب.

وفضلا عن ذلك فإنه لا يمكن الاستماع إلى السيد الخمار الحديوي كشاهد لأنه من جهة خصم للمتهم كما أكد ذلك في معرض تصريحاته في جميع المراحل، ومشتك باعتبار أنه تقدم في مواجهة السيد عمر محب بشكاية بتاريخ 20 شتنبر 1993، وأخيرا متهم وضالع في نفس الوقائع التي أدت إلى وفاة الهالك محمد آيت الجيد، وبالتالي لا يمكن الاستماع إليه كشاهد وأداء اليمين القانونية باعتبار العداوة والخصومة القائمة بين الطرفين طالما أنه لا يمكن أن يكون حياديا وموضوعيا في شهادته.

ومن جهة أخرى فإن تصريحاته تتناقض بشكل مطلق مع تصريحات خمسة شهود وهم رشيد الصغوري، فاطمة مرجان، عبد اللطيف الفيلالي، الشعيبية بلعسال، وزكري الطاهري حضروا أمام السيد قاضي التحقيق وأكدوا أن السيد عمر محب كان يشارك معهم في ملتقى طلابي بمدينة الدارالبيضاء خلال الفترة الممتدة من 22 فبراير 1993 إلى 27 فبراير 1993 في حين وقعت الجريمة بتاريخ 25 فبراير 1993.

وبغض النظر عن براءة السيد عمر محب من الوقائع والأحداث المكونة للجريمة جملة وتفصيلا فإن المتابعة بجناية القتل العمد باطلة لأنه سبق للغرفة الجنائية أن كيفت الأفعال والوقائع على أنها جنحة المشاركة في مشاجرة أدت إلى وفاة طبقا لمقتضيات الفصل 405 من القانون الجنائي وبالتالي فإن التكييف القانوني للأفعال الجرمية سبق البث فيه بمقتضى قرار اكتسب قوة الشيء المقضي به، ويكون بالتالي قد طالها التقادم الخمسي المسقط على النحو المبين أعلاه.

وحتى إذا ما سايرنا السيد قاضي التحقيق في متابعته فإن العناصر التكوينية لجناية القتل العمد غير ثابتة في حق السيد عمر محب ولا تنسجم والأفعال والوقائع المسطرة في محاضر الضابطة القضائية المنجزة سنة 1993؛ ذلك أن المشرع الجنائي يشترط في الفصل 392 من القانون الجنائي للمتابعة بجناية القتل العمد توافر ركن مادي قوامه توجيه نشاط الجاني إلى الاعتداء على حياة شخص وحصول النتيجة وهي الوفاة وركن معنوي وهو القصد الجنائي.

بالنسبة للركن المادي فإنه لم يثبت قط أن السيد عمر محب اعتدى على الهالك أيت الجيد محمد لأنه لم يكن أصلا بمدينة فاس في ذلك التاريخ، وفضلا عن ذلك فإن السيد الخمار الحديوي تناقضت تصريحاته بخصوص الجاني، فمرة يؤكد أن الجاني مجموعة من الأشخاص دون ذكر أسماء ومرة يصرح بان الجاني شخص واحد دون ذكر اسمه وأخرى يزعم أن الفاعل شخصين هما العجيل والكادي ثم يعود يصرح بأن الكادي هو الذي حمل الحجرة وساعده العجيل وانتظر حتى سنة 2006 ليزعم بأن المعتدين هم الكادي وكرويل وعمر محب، ثم تناقض بعد ذلك وصرح بأن المعتديين هما عمر محب والكادي وقسيم.

ولعل ما يطرح الشك أن الشاهد المزعوم لم يستطع تذكر أسماء المعتدين سنة 1993 ورغم أن الأحداث كانت لا زالت في حالة غليان في حين تمكن بكل يسر من التعرف عليهم بأسمائهم سنة 2006 فأي ذاكرة قوية هاته التي تتعامل بانتقائية وتسير على خلاف المألوف والعادي من الأمور.

وبخصوص النتيجة وهي الوفاة فإن تقرير التشريح الطبي أكد أن الهالك كان به جرح خفيف في الجبين وانتفاخ في الجانب الخلفي من الرأس عند الرقبة.

وبالرجوع إلى وسيلة الاعتداء حسب الشاهد الممتاز جدا السيد الخمار الحديوي فأثناء استنطاقه ابتدائيا من طرف السيد قاضي التحقيق بتاريخ 28 أكتوبر1993 زعم أنها حجرة البناء أي آجرة في حين صرح في باقي المراحل بأنها حجرة مما يستعمل في بناء الرصيف حجرة الطوار، فهل حجر الطوار من الحجم الذي يستدعي حمله ثلاثة أشخاص – حسب تصريحات الخمار الخديوي – والذي يقارب طوله 80 سنتمتر وعرضه 20 سنتمتر ووزنه حوالي 100 كيلوغرام يحدث فقط الآثار الخفيفة الظاهرة على جثة الهالك أيت الجيد أم أن في الأمر لبسا وتلفيقا تؤكده عدم معاينة الضابطة القضائية عند انتقالها لمكان الجريمة للحجرة المزعومة وعدم حجزها ضمن وسائل الإثبات التي ينبغي لزوما عرضها على المتهم.

أما بخصوص الركن المعنوي فإن المشرع في المادة 392 من قانون المسطرة الجنائية لم يكتف بالقصد الجنائي العام وهو توجيه الاعتداء إلى شخص معين وإنما اشترط قصدا خاصا ودقيقا وهو نية إزهاق الروح أي أن الجاني في جريمة القتل العمد يتعين أن يوجه نشاطه الإجرامي إلى تحصيل النتيجة وهي قتل المجني عليه لا مجرد الاعتداء عليه.

وهذا العنصر هو الذي يميز جريمة القتل العمد عن جريمتي القتل الخطأ والضرب والجرح المفضي إلى الموت.

وبالرجوع إلى وسيلة الاعتداء على الهالك أيت الجيد حسب تصريح السيد الخمار الحديوي -وهي الحجارة- وهي وسيلة قاتلة بالاستعمال فإنها لا تشكل قرينة على توافر نية إزهاق الروح، والنيابة العامة لم تثبت خلاف ذلك ولا يسعفها حتى تقرير التشريح الطبي.

واعتبارا لما ذكر أعلاه فإن المتابعة بجناية القتل العمد لا تتوفر فيها العناصر التكوينية ولا تسعفها الوقائع والأفعال موضوع المتابعة.

ورغم ذلك قضت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس على السيد عمر محب بالسجن لمدة 10 سنوات سجنا نافذا.

إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى

بعيد اعتقال السيد عمر محب بتاريخ 15 أكتوبر 2006 وطيلة مراحل محاكمته، تناسلت مجموعة من البلاغات والبيانات والقصاصات الخبرية موقعة من طرف عدة هيئات ومنظمات والتي تتضامن من خلالها مع محب وتشجب عملية الاعتقال التي أقدمت عليها الأجهزة الأمنية المغربية، معتبرة إياها بالخطوة غير المحسوبة وبكون ذلك اعتقالا تحكميا، مطالبة بتمكينه من محاكمة عادلة بعيدا عن الحسابات الضيقة وفرض الوصاية على جهاز القضاء الذي يفترض فيه الحياد والاستقلالية والنزاهة والشفافية.

وفي هذا الصدد صدر عن المكتب القطري لفصيل طلبة العدل والإحسان بتاريخ 07 أبريل 2007 بيانا للرأي العام يدعوا فيه جميع القوى الحية والغيورة على مستقبل المغرب وتقدمه، إلى التضامن مع قضية الأخ عمر محب والدفاع عن حقه المشروع في المحاكمة العادلة على اعتبار أن هذا النوع من الهجوم هو هجوم على الحرية ونزاهة القضاء بهذا البلد، معلنا استعداده المطلق للدفاع عن أحد رموزه السابقين، المشهود لهم إجماعا بحسن السلوك والتعبير الحسن عن خيارات فصيله وتوجهاته سلوكا وسمتا.

وعلى نفس المنوال صدر عن الكتابة العامة للجنة التنسيق الوطنية التابعة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بيانا عنونه بعبارة “أوقفوا المحاكمات الصورية”، والذي دعت من خلاله كل الهيئات السياسية والنقابية والاجتماعية الغيورة على مستقبل المغرب والحريصة على تقدمه إلى تحمل المسؤولية كاملة في إعطاء موقف واضح وصريح من قضية الاعتقالات التعسفية وغير القانونية كالتي يتعرض لها السيد عمر محب.

ودعوته فروع الاتحاد لإبداع أشكال تضامنية مع هذا الأخير ومع كل معتقلي الحركة الطلابية.

وفي نفس السياق وبتاريخ 17 يناير 2007 أدانت الكتابة الإقليمية للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بفاس الاعتقال التحكمي لأحد قياديها البارزين بالمدينة معتبرة، أن سلسلة المضايقات والمساومات التي تعرض لها الأخ عمر محب قبل اعتقاله تبين أن الهدف من عملية الاعتقال لم يكن تحريك مسطرة قضائية نزيهة لإجلاء حقيقة قضية غامضة الجوانب، بقدر ما كان الهدف يرمي إلى تحقيق أغراض سياسية مقيتة، معلنة إدانتها القوية للتحامل السياسي والإعلامي الذي واكب عملية الاعتقال والجلسات الأولى للتحقيق، في غياب أدلة ملموسة أو إدانة صادرة عن القضاء منبهة إلى أن القتل والاغتيال ما كان ولن يكون سلوكا لدى أعضاء جماعة العدل والإحسان التي تنبذ العنف جملة وتفصيلا، مشيدة باستقامة الأخ عمر محب وانضباطه للمبادئ التربوية والتنظيمية للجماعة، ومطالبة في الأخير القضاء أن ينصف محب.

وفي نفس المنحى صدر عن المكتب القطري لشبيبة العدل والاحسان بتاريخ 19 شتنبر 2007 بلاغا يدين فيها الحكم الجائر في حق محب من أجل تهم واهية تخفي التهمة الحقيقة التي من أجلها يحاكم وهي الانتماء لجماعة العدل والإحسان، مؤكدا تشبثه بالمنهج السلمي في التغيير، وإن الحملات المخزنية والاعتقالات لن ترهبه ولن تثنيه على المضي في مسيرته التغييرية ومحملا الفاعلين الحقوقيين والسياسيين نتائج سكوتهم غير المبرر على ما يقترفه المخزن في حق الجماعة وأعضائها من تجاوزات حقوقية وقانونية.

وبنفس النبرة توالت مجموعة من البيانات والبلاغات التضامنية والتنديدية بالحيف والظلم الذي وقع على المعتقل السياسي عمر محب ونذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، البيان الصادر عن الكتابة الإقليمية للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بمدينة الدار البيضاء، والبيان الصادر عن جماعة العدل والإحسان بمدينة بوعرفة، والبيان التضامني الصادر عن المكتب المركزي للهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان.

وتستمر المحنة من داخل السجن

لم تكتف السلطات المغربية بسلب حرية السيد عمر محب وإيقاع أقسى عقوبة حبسية عليه لمدة تصل إلى عشر سنوات سجنا نافذة، من أجل تهمة هو منها براء، بل لاحقته الأيادي الآثمة داخل السجن لتنكل به، وتعرضه للتعذيب والإهانة والحرمان من الحقوق التي تخولها له القوانين والمواثيق والعهود الوطنية والدولية.

ومن الشواهد الكبرى التي تظهر لنا حجم التعسف الذي مورس عليه، ما حدث له يوم الخميس 17 يناير 2008، حيث دون سابق إشعار وعلم فوجئ المعتقل السياسي عمر محب باختطافه من طرف موظفي السجن المدني عين قادوس الواقع وسط مدينة فاس وترحيله عنوة إلى السجن المحلي بمدينة صفرو، وأنه لما أراد الاستفسار عما يقع، كان الجواب اللكمات والركل في جميع أنحاء الجسد، مصحوبا بأبشع العبارات، والاستهزاء المقيت، ولم يقف الحد هنا بل تم تجريده من ثيابه وتعليقه مكبل اليدين معرضا للفحات البرد القارص الجاثم على المدينة الجبلية.

هذا الحدث تناولته وسائل الإعلام الوطنية بشكل متواتر، حيث ثم تغطيته من طرف جريدة التجديد في عددها 1813 الصادر بتاريخ 24 يناير 2008 تحت عنوان (سجين العدل والإحسان يرحل ويتعرض للتعذيب). في حين اختارت جريدة المساء في عددها 419 الصادر بتاريخ 24 يناير قصاصة عن الحدث تحت عنوان (السلطات تتخوف من انتفاضة الإسلاميين بصفرو) مشيرة إلى أن هناك استنفار للأمن بالمدينة بسبب حالة الاحتقان والغضب التي سادت في أوساط نشطاء جماعة العدل والإحسان بالجهة بعد تنقيل عضوها المعتقل بفاس، وما تعرض له من تعذيب أثناء الترحيل.

أما صحيفة الأيام في عددها 313 الصادر بتاريخ 26 يناير 2008 فنشرت الخبر تحت عنوان (عمر محب يدفع ثمن أحداث صفرو) متسائلة في نهاية القصاصة… هل ما حدث بداية تغيير لأسلوب تعامل السلطات مع معتقلي جماعة الشيخ عبد السلام ياسين أم أنها تصفية حسابات مع محب بسبب الدور الذي لعبه خلف القضبان بخصوص قضية معتقلي أحدات صفرو.

وفي نفس السياق اختارت جريدة المشعل عنوانا بارزا للحدث في عددها 151 الصادر بتاريخ 30 يناير 2008 تحت عنوان: (معركة أثناء تنقيل معتقل إسلامي).

معلقة على أنها علمت بكون المعتقل عمر محب، عضو جماعة العدل والإحسان تعرض للتعذيب والضرب والشتم والاهانة، يوم الخميس 17 يناير 2008، من قبل موظفي إدارة سجن عين قادوس بفاس، وذلك خلال نقله إلى سجن مدينة صفرو، بعيدا عن زوجته وأبنائه المقيمين بمدينة فاس.

لتعاود بعد ذلك جريدة التجديد لمواصلة تغطية الحدث في عددها 1816 الصادر بتاريخ 29 يناير 2008، حيث أشارت إلى أن السجين عمر محب توجه برسالة لوزير العدل والتي توصلت بنسخة منها إذ يعرض من خلالها بكون (آثار التعذيب لا زالت بادية على مختلف أنحاء جسمه وأنه تعرض لأبشع صور الإهانة، تحت طائلة التهديد بالاغتصاب).

وأنه دعا إلى فتح تحقيق في النازلة وتقديم كل من ثبت أنه متورط في هذا الشطط إلى العدالة لتقول فيه كلمتها، مطالبا بترحيله من سجن صفرو البعيد عن محل إقامة عائلته إلى سجن بوركايز القريب من فاس.

وأوضح محب أن إدارة سجن عين قادوس بفاس أخبرته بتاريخ 17/01/2008 أنه سيرحل إلى سجن بوركايز بضاحية فاس، لكن وجد نفسه مرحلا إلى سجن صفرو، وعند وصوله إلى السجن حاول إفهام إدارته أن ترحيله غير قانوني فكان جواب مدير السجن هو السب والإهانة والكلام الساقط، حسب تعبير الرسالة.

وقال محب أن ثلاثة موظفين أشبعوني ضربا في كل مكان… سقطت على الأرض مرة ثانية، واستمر الضرب على مستوى الرأس والبطن والصدر مصحوبا بنزيف من الفم والأنف حتى أغمي علي بعد مدة، لا أستطيع تقديرها، ويضيف محب (أنه لما رجع لي وعيي لأجد أحدهم واضعا قدمه فوق وجهي، يوقظني بالسب والشتم والكلام النابي، والثاني يضغطني بقدمه على قصبة ساقي كأنه يريد كسرها، والثالث لا يزال يركلني أينما أراد).

وأضاف محب (فأوصلني إلى مكان يعلق فيه السجناء للتعذيب، فعلقوني بعد أن مزقوا ما تبقى من ملابسي، بل جردوني من ملابسي الداخلية وتركوني عرضة للبرد القارس الذي يلف هذه المدينة الجبلية، ثم بدأوا يتلذذون بالتفرج علي وعلى عورتي في هذا الوضع… ثم تركوني بعد أن وقعوا على جسمي ضرباتهم الأخيرة… بقيت على هذا الوضع أكثر من ثلاث ساعات).

ومن المؤشرات الأخرى التي تبين لنا بأن ملف المعتقل السياسي عمر محب ملفا غير عادي وتتعامل معه أجهزة الدولة بشكل استثنائي، هو الاعتداء الشنيع الذي تعرض له بتاريخ 02 يوليوز 2014 بالسجن المدني ببوركايز بنواحي مدينة فاس على يدي مدير السجن وموظفين تابعين لهذا الأخير، حيث ثم تجريدة من جميع ملابسه وضربه على مستوى الرأس حتى غاب عن الوعي لمدة أربع ساعات، مما جعل وضعيته الصحية المتدهورة أصلا جد حرجة.

ومباشرة بعد هذا الاعتداء قام ممثلون عن هيئة دفاع المعتقل السياسي عمر محب، بزيارة له في السجن المحلي بوركايز للوقوف على ملابسات الاعتداء الهمجي واللإنساني الذي تعرض له من طرف مسؤولين بالمؤسسة السجنية وللتخابر معه بخصوص المساطر القضائية والقانونية والإدارية التي سبق أن سلكها السيد عمر محب شخصيا عبر السلم الإداري لمؤسسة السجن وكذا المساطر التي يمكن لدفاعه أن يباشرها.

وفي هذا الصدد وقفت هيئة الدفاع عند الشكاية التي رفعها محب أمام وكيل الملك بابتدائية فاس في مواجهة المعتدين عليه والتي تحمل رقم: 5293/2014 والتي وضعت بتاريخ 04 يوليوز 2014، والشكاية الثانية التي وجهت إلى السيد وزير العدل والحريات بتاريخ 08 يوليوز 2014 تحت عدد: 5463/2014 والشكاية الثالثة التي رفعت إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتاريخ 07 يوليوز 2014 تحت عدد: 5412/2014، والطلب الموجه إلى وكيل الملك والرامي إلى عرض الضحية عمر محب على خبرة طبية للوقوف على حجم الضرر الذي لحقه جراء الاعتداء والمؤرخ في 07 يوليوز 2014 والحامل لرقم: 5411/2014.

إلا أن جميع هاته الشكايات المشار إليها أعلاه لم تراوح مكانها إلى حد الآن بل كان مصير بعضها الحفظ، دون سلوك مسطرة التحقيق فيها مما يجعلنا لا نطمئن لجهاز القضاء الذي يتحمل هو أيضا مسؤوليته في الظلم والحيف الذي يقع على الأستاذ عمر محب إلى حد الآن.