مرتكزات الأسرة من خلال الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان

Cover Image for مرتكزات الأسرة من خلال الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان
نشر بتاريخ

تقديم: أفردت الوثيقة السياسية، التي طرحتها جماعة العدل والإحسان، أربع صفحات خاصة بمنظومة الأسرة. تحت عنوان عريض عنونته بالمحور الاجتماعي، ابتداء من الصفحة 149 إلى الصفحة 152.

من خلال هذه الصفحات بسطت الوثيقة ثلاثة مرتكزات أساسية، لكيفية التعاطي مع منظومة الأسرة، باعتبارها حلقة مهمة في بناء الإنسان. ووتدا يشد خيمة المجتمع من التفكك والانحلال.

محورية الأسرة في الوثيقة السياسية

تؤكد الجماعة في وثيقتها السياسية أن أي مجتمع، لن تقوم له قائمة، إلا ببناء الإنسان بناء محكما ومتماسكا. بناء تكون نواته الأولى الأسرة، باعتبارها المحضن التربوي، الذي تتشرب من خلاله الناشئة القيم الأخلاقية، وتتشبع بالحب والعاطفة مما ينعكس على الأسرة انعكاسا إيجابيا، يضمن لها التوازن، والاستقرار، واستمرارها في تحمل أمانة الرسالة، وعمارة الأرض، وأداء الوظائف المنوطة بها، لتصبح حصنا منيعا من تفكك النسيج المجتمعي الذي تتربص به الدوائر من كل صوب وحدب.

من هنا تأتي أهمية الأسرة في هذه الوثيقة السياسية باعتبارها عاملا حاسما في أية عملية تغييرية حقيقية.

التشخيص ومكمن الداء

تنطلق الوثيقة السياسية في تشخيص واقع الأسرة المغربية اليوم، مما تتعرض له من هزات كبيرة، ومن تفكك خطير مس العديد من المرتكزات التي تقوم عليها، بحيث تم تعطيل العديد من وظائفها التي كانت تزاولها.

 كل هذا تسبب في ظهور العديد من الظواهر الاجتماعية، كالانتقال من أسر ممتدة إلى أسر نووية ومن بروز آفات الانتحار، والشذوذ الجنسي، ناهيك عن العنوسة والعزوف عن الزواج والطلاق، وظاهرة المرأة العازبة والأطفال المتخلى عنهم.

ترجع الوثيقة هذا الواقع المزري الذي وصلت إليه الأسرة المغربية اليوم إلى عاملين أساسيين، تعتبرهما الوثيقة مكمن الداء.

من جهة فهي تستحضر العامل الخارجي، المتمثل في السياق الدولي والعولمة المتسارعة، والتحولات العالمية الضاغطة على المجتمعات الاسلامية والعربية، رافعة العديد من الشعارات البراقة متسترة تحت يافطة حقوق الطفل وحقوق المرأة لتمرير العديد من الأفكار التي حولتها إلى توصيات عالمية أممية كان آخرها الدفاع عن قضايا المساواة تحت شعار جيل المساواة.

وبالموازاة مع هذا العامل الخارجي فإن الظلم السياسي والفساد المستشري في نظام الحكم أفرز لنا بيئة اجتماعية متفككة وبؤسا اجتماعيا مهولا وفقرا اقتصاديا بأرقام صادمة.

فالأسرة في نص الوثيقة “ليست قاربا أصيب في عرض البحر يمكن جره إلى مرفأ لترميمه وإصلاحه ثم إعادته للإبحار، بل هي جزء من منظومة ملاحة تتأثر بكل الظواهر المحيطة بها” 1.

يشير نص الوثيقة بوضوح إلى أن اختزال ورش إصلاح منظومة الأسرة في سياق مقاربة قانونية تجزيئية سطحية هو بمثابة الهروب إلى الأمام ومعالجة خاطئة، إن لم نوفر البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاضنة لهذه التعديلات واستحضار الأبعاد التربوية والثقافية والقيم الأخلاقية باعتبارها عوامل مساعدة.

مقترحات الوثيقة لتقوية مؤسسة الأسرة

تؤكد الوثيقة على أن القوانين لوحدها. ليست كفيلة بإنصاف المرأة، والحفاظ على كرامة الرجل، وضمان حقوق الطفل. وانما لا بد من إرادة سياسية قوية وبنية اجتماعية واقتصادية سليمة تجد من خلالها الاقتراحات التي طرحت حاضنة قوية تكون قابلة للتنفيذ.

أولا: المجال القانوني والقضائي

الوثيقة لا ترفض مدونة الأسرة جملة وتفصيلا، وإنما تؤكد على أنها تحتاج إلى تعديل ومراجعة، لتساير ما استجد من أمور تخص المرأة بشكل خاص والأسرة بشكل عام وهي منفتحة على الفقه المتجدد الدي يجيب على إشكالات العصر.

وهذا الأمر بطبيعة الحال لن يتأتى إلا بسن قوانين تشريعية، واضحة تعيد النظر في منظومة القضاء لتكون سدا منيعا من تقويض مكانة الأسرة وتسهيل مأمورية أداء وظائفها. قوانين توفر لها الحماية لضمان استقرارها، وتعطي دورا جوهريا لمفهوم الوالدية الذي من خلاله نبني صرح طفولة نقية نحافظ لها فطرتها وتنشئتها تنشئة صالحة، بعيدة كل البعد عن الواقع المزري التي تعيشه اليوم.

ثانيا: مؤسسة الإعلام والتربية والتعليم

لا أحد ينكر أن الإعلام يلعب دورا مهما في التأثير على الأسر بشكل عام والطفل بشكل خاص، وهو يؤدي رسائل أخلاقية. لذا فهو يجب أن يكون ناطقا للترسانة القانونية التي تم تشريعها لحماية الأسرة. لا أن يصور الأسرة، كحلبة صراع بين الزوجين من جهة والأبوين والأبناء من جهة أخرى.

 لذا تقترح الوثيقة، ضرورة تطوير الإعلام في الاتجاه الإيجابي لنشر الوعي بين الأسر والرفع من قدراتهم في التعاطي مع تدبير العلاقة الزوجية، وتربية الأبناء. بل أكثر من ذلك ترى الوثيقة أنه لا بد من تضمين “تنمية العلاقات الأسرية وأبعاد الاستقرار الأسري في المناهج الدراسية والمقررات التعليمية، ومركزاتها في مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية” 2. لأن تطوير هذه البرامج سيساهم في التأهيل الخلقي والنفسي للطفولة لحمايتها من آفات العصر، وتوفير مراكز وفضاءات ملائمة تلبي حاجيات الأطفال، وتوفر موارد بشرية عبر تكوين مستمر للمربين والمساعدين الاجتماعيين.

ثالثا: مأسسة الوساطة الأسرية

“وجب تفعيل الوساطة الأسرية والاعتراف بها مهنة رسمية” 3. بهذا الشكل يمكن مأسسة مؤسسة الوساطة الأسرية، لما لها من دور كبير في تأهيل المتزوجين، وتنمية قدراتهم، وتوعيتهم بالمقاربة الوقائية. كما أنها تساهم في حل النزاعات الأسرية، وعلاج العديد من الخلافات الزوجية بعيدا كل البعد عن منظومة القضاء التي تحكمها قوانين، أحيانا تضيع حقوق الزوجين بين ثناياها.

ولقد أثبتت تجارب العديد من الدول التي فتحت مسالك أكاديمية ومهنية لتخريج الوسطاء كدولة قطر وماليزيا إلى أن نسبة الطلاق تراجعت بشكل كبير وأصبحت الأسرة عندهم تخضع لرعاية ومصاحبة الوسطاء من حيث الدعم النفسي والتوعية والوقاية والعلاج للعديد من الخلافات بل أكثر من ذلك، تعمل الوساطة على إيصال الزوجين إلى ما يسمى بالطلاق الآمن، إن تعذر الحل مما يجعل مؤسسة الزواج دائما في أمان.

 

                                                                                                                                                        


[1] مدونة الأسرة منطلقات مؤسسة.
[2] الوثيقة السياسية.
[3] مدونة الأسرة منطلقات مؤسسة.