نخصص في بيوتنا فضاءات للجلوس واستقبال الضيوف، وغرفا للنوم، وأماكن للطبخ والأكل، وغيرها. ونتفنن حسب استطاعتنا في الاعتناء بتصميمها وجمالها وديكورها. لكن القليل من يفكر في مكان للصلاة في البيت، نحمل سجادتنا ونصلي أينما اتفق، في أي زاوية من البيت نصادفها، علما بأن تخصيص غرفة من غرف البيت للصلاة والعبادة والذكر والتهجد من السنن المهجورة التي سنها نبينا محمد ﷺ. وكانت أول اهتمامات الصحابة والسلف الصالح، بحيث كانوا يتخذون في بيوتهم مصليات.
ذكر البخاري في باب “المصليات في البيوت”، ما روي عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “أمر رسول اللهِ ﷺ ببناءِ المساجدِ في الدورِ، وأن تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ” (صحيح أبي داود).
وروي عنها قولها رضي الله عنها: “لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ إلَّا وهُما يَدِينَانِ الدِّينَ، ولَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلَّا يَأْتِينَا فيه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، طَرَفَيِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لأبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بفِنَاءِ دَارِهِ، فَكانَ يُصَلِّي فيه ويَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقِفُ عليه نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ منه ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ، وكانَ أبو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إذَا قَرَأَ القُرْآنَ، فأفْزَعَ ذلكَ أشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِين” (صحيح البخاري).
ومن حديث عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: “كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمي ببَنِي سَالِمٍ، وكانَ يَحُولُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ وادٍ إذَا جَاءَتِ الأمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ، فَجِئْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ له: إنِّي أنْكَرْتُ بَصَرِي، وإنَّ الوَادِيَ الذي بَيْنِي وبيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إذَا جاءَتِ الأمْطارُ، فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيازُهُ، فَوَدِدْتُ أنَّكَ تَأْتي فَتُصَلِّي مِن بَيْتي مَكَانًا، أتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سَأَفْعَلُ. فَغَدَا عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَبُو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عنه بَعْدَ ما اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأذِنْتُ له، فَلَمْ يَجْلِسْ حتَّى قالَ: أيْنَ تُحِبُّ أنْ أُصَلِّيَ مِن بَيْتِكَ؟ فأشَرْتُ له إلى المَكَانِ الذي أُحِبُّ أنْ أُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَبَّرَ، وصَفَفْنَا ورَاءَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ وسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ” (صحيح البخاري).
وإن رأى بعض أهل العلم أن وصية النبي ﷺ ببناء المساجد في الدور تعني بناءها في الحي أو القبيلة، فالبعض الآخر قالوا إن ذلك يشمل حتى المنزل، ففيه يمكن للمسلم أن يصلي النوافل وقيام الليل وتصلي المرأة وكذلك الرجل إذا تعذر ذهابه للمسجد الجامع، أو يتم فيه حفظ ومدارسة القرآن وكتب الفقه والحديث مع أفراد العائلة.
عموما، استحب العلماء تخصيص مكان دائم للصلاة وقراءة القرآن والذكر والتهجد في البيت، والحرص على تنظيفه والاعتناء به وتطييبه. وكان من اهتمام عمر رضي الله عنه بالمسجد أنه كان يجمره، أي يطيبه بالبخور كل يوم جمعة.
الأحكام المتعلقة بمسجد البيت
وبين العلماء أن مصلى البيت لا يأخذ حكم المسجد، فلا يسن لداخله أن يصلي ركعتين لتحية المسجد، ولا يصح فيه الاعتكاف، ولا يمنع الجنب من دخوله، وغيرها من الأحكام المتعلقة بالمسجد عموما.
علينا إذن أن نسعى لإحياء هذه السنة في بيوتنا، ونحن أولى ممن يتخذ في البيوت معابد ويدين بدين باطل، ونحن على دين الحق نعبد الله الواحد.
كما نفكر في غرفة الضيوف التي نلتقي فيها مع الأهل والأحباب والأصحاب، نعطي الأولوية لمصلانا في البيت الذي نناجي فيه الله ﷻ، الذي هو أعظم وأحب وأجل.
أهمية مسجد البيت
أهمية وجود مصلى بالبيت -فضلا عن أجره- أنه يضفي جوا من السكينة والطمأنينة والراحة النفسية في المنزل عموما، وفي المصلى خاصة، يزيد من استحضار الخشوع أثناء الصلاة والتهجد وتلاوة القرآن، ويبرز اهتمام الأسرة بالذكر والصلاة، وينتقل هذا الاهتمام تلقائيا لأطفالنا ويرتبطون بالمسجد والصلاة وقراءة القرآن ارتباطا وثيقا.
وقد يراه زائر لنا لا يصلي فتعظم في قلبه الصلاة، فيكون بيتك أخي الكريم وبيتك أختي الكريمة قدوة لكل من يزوره.
وبلا شك تزيد أهميته أكثر عندما يتعذر الذهاب للمسجد لعذر شرعي أو مرض أو وباء أو ظرف آخر قاهر.
كيفية إعداده
لإعداد المصلى بالبيت علينا:
– تخصيص فضاء أو غرفة إن أمكن أو فقط ركن أو زاوية مساحتها من 2 متر مربع إلى 4 متر مربع كأقل تقدير. بحيث يحتاج كل مصل إلى 1.2*0.8 متر أي 1 متر مربع تقريبا.
وفي التزاحم على أقصى تقدير متر واحد طولا على خمسة وأربعين سنتمترا عرضا للفرد الواحد.
– يفضل أن يكون مدخل المسجد عكس اتجاه القبلة، أو من جهة الشمال أو الجنوب، إن أمكن طبعا لتجنب المرور أمام المصلين وتخطي رقابهم.
الإضاءة:
يفضل توفير نوعين من الإضاءة في المكان:
* الضوء البارد:
يعطي نغمات زرقاء أو بيضاء، تتراوح قوته بين 4000 و5000 كيلفن، وهو أقرب إلى ضوء الشمس أو الضوء الطبيعي، لكي يساعد على قراءة القرآن والكتب بشكل واضح وسهل. وذلك من خلال مصباح مركزي وسط الفضاء أو بقع ضوئية موزعة على جميع زوايا المكان كما هو موضح في الصورة.
* الضوء الخافت الدافئ:
تتراوح قوته بين 2700 و3500 كيلفن، يجسد شعور الدفء والهدوء والاسترخاء. كما يمكن الاستغناء عن الضوء الساطع خلال الصلاة، ونستعين فقط بإضاءة دافئة تبعث السكينة والطمأنينة وتساعد على الخشوع من خلال إضاءة غير مباشرة كأشرطة الضوء، التي يمكن أن نزين بها محراب الفضاء أو سقفه.
كما يمكن إضافة بعض الفوانيس والشموع الاصطناعية لإضفاء رونق وجمالية على الغرفة.
شكل الغرفة:
الصلاة في الصف الأول تجعل هناك تفضيلا لبعض الأشكال المعمارية عن الأخرى، فالشكل المستطيل (ضلعه الأكبر في اتجاه القبلة) والمربع وشبه المنحرف ونصف الدائرة، كلها أشكال تحقق صفوفا أولى أكثر عددا، وهي أفضل من الأشكال التي يكون طول ضلعها في مركزها مثل الدائرة والمسدس والمثمن، حيث تتناقص الصفوف باتجاه القبلة.
النوافذ:
يفضل عدم وجود النوافذ في مستوى نظر المصلي، وبشكل خاص جهة القبلة، حتى لا يحدث صرف لنظر المصلي أو شغل ذهنه وفتنة قلبه في الصلاة. وفي حالة وجود النوافذ جهة القبلة يفضل أن تكون أعلى من مستوى نظر المصلي، أو يرسل عليها ستارا أثناء الصلاة.
المحراب:
أهم أجزاء التصميم الداخلي للمسجد، حيث يشير المحراب دائما إلى اتجاه القبلة (نحو الكعبة المشرفة). يكون التعبير عنه بقوس من الخشب المزخرف، أو جبص منقوش، كما يمكن تزيينه ببعض الزخارف والنقوش الإسلامية أو اقتباسات من القرآن الكريم، وإضافة عمودين على طرفي المحراب للزينة.
الأشكال المستخدمة في الزخرفة الإسلامية تشمل النباتات والأشكال الهندسية فقط، لأن صور وأشكال الكائنات الحية مثل الطيور والحيوانات والشخصيات البشرية لا تليق بهذا الفضاء، تفاديا للفت النظر وشغل البال عن التوجه لله قلبا وقالبا.
كما يستحسن عدم المبالغة في الزخارف والترف داخل المصلى حتى لا يشتت ذهن المصلي خلال الصلاة. «وكل ما يُصلح المسجد ويحببه للمصلين والجلساء فهو من هذا الباب حاشا التزويق. ويرحم الله أسلافنا لم يكفهم أن يتباهوا من المساجد بالحيطان حتى بنوا الأضرحة وشيدوها وبذروا الأموال” (1).
الأرضية:
يفرش فوق الأرضية سجاد ضد الحساسية، ويفضل أن يكون رطبا وذا كثافة عالية لكي لا يتعرض للتلف والرطوبة بسرعة.
تكون على السجاد نقوش إذا كانت الجدران فارغة، أما إذا كانت الجدران مزخرفة أو عليها نقوش يفضل أن يكون بسيطا بلون واحد. الجدران:
يفضل أن تكون بألوان هادئة ومحايدة بتدرج الأبيض أو البيج، كمثال فقط.
ويمكن تغليف الجزء السفلي من الجدار بالخشب أو الفلين للحماية من برودة الجدار، وإن أردنا التخلي عن الوسائد للاتكاء على الجدران.
يمكن أيضا تزيينه بورق الحائط أو تعليق اقتباسات من القرآن الكريم ووضع لوحة في مكان بارز مكتوب عليها أوقات بداية ونهاية جميع الصلوات وأرقام الأحزاب اليومية وساعة لمعرفة الوقت.
إضافة بعض الرفوف على الجدران الجانبية لترتيب المصاحف، الكتب، حجر التيمم، صندوق أو علاقة للمسبحات، صندوق لجوارب الصلاة، مع حامل القرآن للقراءة جلوسا أو وقوفا حسب الرغبة.
استخدام سلم صغير أو علاقة لحمل السجادات أو ملابس الصلاة وغيرها.
مع مقرأة لقراءة القرآن جلوسا أو وقوفا حسب الرغبة لحمل المصحف ويفضل أن تكون قابلة للتحكم في طولها لكي تناسب جميع القامات.
وإذا لم تتوفر غرفة مستقلة أو مكان خاص للصلاة، من الممكن فصل مكان للصلاة بحاجز خشبي مخرم بحيث يسمح بمرور الضوء والحفاظ على خصوصية المكان. مع الحرص أن يكون بعيدا عن الضوضاء والضجيج ما أمكن.
“ليكن لنا في كل حي مسجد وفي كل معهد وفي كل مصنع وإدارة، والعهد الذي بيننا هو الصلاة. وإن للصلاة في استواء أوقاتها واستواء الناس متواضعين أمام ربهم واستواء صفوفهم وطيب أنفاسهم لبهاء وجمالا” (2).
(1) باسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ط 1973/1، مطبعة النجاح – الدار البيضاء، ص 277.
(2) المصدر نفسه، ص 278.