“ذهب رمضان وتركنا أيتام”.. جملة تتردد على مسامعنا كل عام، تعبر بعمق بليغ عن شدة التعلق وقمة الحب لهذا الشهر الفضيل. إنها سنة الله في الكون، لا بد لكل بداية نهاية.
انتهى رمضان ولم تنته أسراره وعجائبه، ولم تنقض أنواره وفضائله. فطوبى لمن أخلص وعمل من ذكر أو أنثى، وهنيئا للمؤمن الذي غلب نفسه وفاز عليها، وللمؤمنة التي جدت واجتهدت، ولربها احتسبت، ولعملها أتقنت.
طوبى للصابرة التي عملت بجد جهيد لترضي ربها وتطيع زوجها وتخدم أسرتها، فتعبت وتفانت ليرتاحوا فما اشتكت، وتهممت بتفاصيل الزوج والأولاد والمطبخ فما أخفقت ولا ملت.
فيا أيها الزوج الكريم، أبليت حسنا، تقبل الله صيامك وقيامك وطيب أنفاسك وجعلك من الفائزين في هذا الشهر الفضيل.
لكن مهلا لقد نسيت شيئا..
نسيت أن تقول لزوجتك شكرا..
نسيت حق الملح والطعام..
أيها الزوج قل شكرا لزوجتك، لأمك، لأختك، للمرأة التي حرصت على راحتك وسعادتك، واعتنت بأكلك وصحتك ونومك واستيقاظك، واهتمت بك وبأسرتك. اشكرها واعترف بجميلها، ونوه بعطائها وتفانيها، ابتسم في وجهها واجلب لها هدية تسعدها.
قل شكرا، وتعلم كيف تخلق ثقافة الشكر وتربيها وتتعهدها في نفسك وأولادك، فإن كلمة الشكر والامتنان وخلق الرفق والإحسان يسموان بالعلاقات ويسريان في جسد الأسرة مجرى الدم في العروق، فيحافظ ذلك على تماسكها واستقرارها ويرسخ في الأجيال قداسة الأم وحرمتها. والشكر فن سام وأسلوب راق لا يتقنه إلا أصحاب الذوق الرفيع.
اشكر زوجتك وقل لها كلمة طيبة تُفرحها فإن ذلك من صميم الدين، وسنة شريفة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وشيمة من شِيم الكرام، وهو خلق الأنبياء والصالحين والعظماء.
اشكر زوجتك أمام أبنائها حتى يعرف النشء قيمة وقداسة الأم، ويَعظم حبهم واحترامهم لها، ويتعلموا أهمية شكر نعمة وجود الأم بينهم وفضلها عليهم، فهي ذلك “البرج الاستراتيجي” الذي لو غاب عن البيت لتغيرت أحواله ولهدمت أسواره.
بادر.. لا تبخل على زوجتك بكلمة طيبة لطيفة، ففيها من الأسرار والأنوار ما ليس في غيرها، إذ هي قادرة على ربط وتأليف القلوب، وتهدئة وإصلاح النفوس، وزرع أواصر المحبة بين الزوجين. بل هي النور المستنير الذي يضيء ظلمات الخواطر المهترئة بفعل الإهمال والجفاف العاطفي، وفيها من السحر ما تستطيع به تقريب البعيد وربط القريب وإخماد نار الخصام بين الأحبة.
ازرع خيرا.. تحصد خيرا.. تعش سعيدا هنيئا.. وخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤجر وتغنم. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم) أخرجه أبو داود.
احرص ألا تكون كالزوج الذي يعامل الناس بحسن الكلام ويجاملهم بأعذبه ويلاطفهم بأرقه وألينه، فيكون في العمل بشوش المحيا ومع الأصدقاء خفيف الظل كثير الضحك والابتسام، وحينما يدخل إلى البيت يلقى زوجته بعبوس الوجه وجفاف الابتسامة وبرودة الكلمات، غافلا عن سلوكه الذي هو مرآة لأخلاقه وقيمه ومبادئه. فالتبسم في وجه الزوجة صدقة، وإدخال الفرحة لقلبها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (والكلمة الطيبة صدقة) الحديث متفق عليه.
وقد جاء في باب الطرائف والمستملحات أن المرأة إن أنفقت عليها المال الوفير والغالي النفيس ولم تقل في حقها كلمة تفرحها فقد قصرت. مستملحة فيها نصيب من الخطأ والصواب، ولكن من بابنا هذا توزن بالذهب لحكمتها الخفية.
وبلغة العصر فقد جاء في كتاب “اليوم أجمل” للدكتور علي النابلسي (ألا يعلم هؤلاء أن للكلمة قوة تفوق قوة المدافع والصواريخ ولها سحرها الخاص..).
قليل من كثير؛ يؤكد أن الكلمة مفتاح قلب الزوجة وبلسم روحها، بل هي سبب تميزها وتوهجها وينبوع عطائها ومورد صبرها. وإن الشكر يحيي الهمة فيها ويقوي الثقة في نفسها فتزهر زهرا وتفوح رائحة وعطرا تطيب به الأنفاس.
ضع نصب عينيك أيها الزوج أن المرأة مخلوق عاطفي رقيق المشاعر رهيف الحس قد يصيبها الحزن من حيث لا تدري، ويتقلب مزاجها بدون سبب، فيكون ذلك مؤلما لها مدمرا لقلبها وصحتها. واعلم أن التغيرات الفيزيولوجية والتقلبات الهرمونية والتجارب الشخصية التي تمر بها طيلة مراحل حياتها تضعف مناعتها النفسية، وتجعلها هشة، وعرضة للتوتر والحزن والاكتئاب. فاتقوا الله في النساء.
مسك الختام، ما أحوجنا إلى إعادة إحياء عادة (حق الملح) في أسرنا ومجتمعاتنا. عادة اجتماعية مغربية قديمة، لكنها محمودة ومرغوبة في كل زمان ومكان؛ نظرا لقيمها النبيلة التي تسعى لحفظ الود وحسن العشرة بين الأزواج، وتعكس الوعي الكبير والأسلوب الراقي للزوج الذي يقوم كل صبيحة عيد فطر بتقديم هدية لزوجته (صانعة الطعام) تكريما لها وتقديرا لجهدها وعطائها.
والهدية كالكلمة الطيبة سنة نبوية شريفة تفتح مغاليق القلوب. فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (تَهَادَوْا تَحَابُّوا) رواه البخاري.
وعصارة القول، حينما تُقَدّر الزوجة وتُكرَّم، فإننا بذلك نُكرِّم الأسرة بأكملها، فينعكس ذلك إيجابا على المجتمع وتظهر ثماره وتجلياته ساطعة في السلوك والمعاملات وجل مظاهر الحياة. رفقا بالقوارير..
ويبقى خيار الأزواج وأفضلهم من اهتدى بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستن بسنته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي وابن ماجة.