بعد شهر كله صيام وقيام ودعاء وجود وصحبة لكتاب الله.. ومباشرة بعد التطهر من اللغو والرفث بإخراج زكاة الفطر، يأتي يوم الجائزة؛ يوم العيد الذي توزع فيه الجوائز على المتفوقين والمتفوقات، المتخرجين من مدرسة رمضان بشهادة التقوى، كل حسب اجتهاده وسعيه وصدقه في طلب رضى الله.
فكيف نستقبل هذا اليوم السعيد؟
وكيف نعظمه ونحتفي به؟
سمي العيد بهذا الاسم لأنه يعود علينا كل عام بالفرح والسرور، فرح بالله تعالى أن أحيانا لبلوغه ووفقنا في أعظم الشهور لصالح الأعمال، فعن أبي هريرة رضي عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِئَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ” (صحيح مسلم). فأول فرحة للصائم يوم فطره فرحه أن وفقه الله لاستكمال وإتمام صيام رمضان، فما أعظمها من فرحة ممزوجة ببلوغ المراد، ومشاركة الأهل والأحباب بالتهنئة وصلاة العيد والاحتفال بكرم الله وفضله، وثاني فرحة يوم لقاء الله حيث يوفى الصائمون أجرهم بغير حساب.
آداب وسنن العيد
لا شك أن لكل عبادة ولكل عمل آداب وسنن وذوقيات تجوده وتجمله وتكمله، ومن أهم ما يجب علينا القيام به يوم العيد:
1- الاغتسال ولبس أحسن الثياب مع التطيب للرجال: فقد أخرج مالك في موطئه عن نافع: «أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى» (وهذا إسناد صحيح).
قال ابن القيم: “ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه” (زاد المعاد، 1/442). وثبت عنه أيضاً لبس أحسن الثياب للعيدين.
قال ابن حجر: “روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين” (فتح الباري، 2/51). وبهذين الأثرين وغيرهما أخذ كثير من أهل العلم استحباب الاغتسال والتجمل للعيدين.
2- أكل تمرات وترا قبل الخروج لصلاة العيد، لحديث أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً» (أخرجه البخاري).
3- التكبير والجهر به للرجال، ويبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى وقت خروج الإمام في صلاة العيد، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حيث يخرج من بيته حتى يأتي المصلى» (حديث صحيح بشواهده). وعن نافع: «أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام، فيكبر بتكبيره» (أخرجه الدارقطني وغيره بإسناد صحيح)، ومن صيغ التكبير المسنونة ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه: “الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد”.
4- الخروج للمصلى ماشيا، والذهاب من طريق والرجوع من آخر، لحديث جابر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق» (أخرجه البخاري).
5- صلاة العيد، وتشرع بعد طلوع الشمس بربع ساعة (في وقت الضحى)، بدون أذان وبدون إقامة، وهي ركعتان؛ يكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات. ويسن أن يقرأ الإمام فيهما جهراً سورة (الأعلى) و(الغاشية) أو سورة (ق) و(القمر). وتكون الخطبة بعد الصلاة.
6- ويتأكد خروج النساء والعواتق والحيض لصلاة العيد، فعن أمِّ عطيةَ رضي الله عنها قالت: “أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نُخْرِجَهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحُيَّض، وذوات الخُدُور، فأما الحُيَّض، فيَعْتَزِلن الصلاة، ويشهَدْنَ الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: ((لتُلبِسْها أختُها من جلبابها))” (متفق عليه).
7- التهنئة بالعيد، فعن جُبَيرِ بنِ نُفيرٍ، قال: “كان أصحابُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا الْتَقَوْا يومَ العيدِ يقولُ بعضهم لبعضٍ: تَقبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنكم”.
8- صلة الأرحام، فالعيد فرصة عظيمة لتفقد الأهل والأحباب ومبادلتهم مشاعر الفرحة والسرور، وهي من أعظم القربات عند الله، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يُمد له في عمره ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه» (رواه الحاكم وصححه).
9- التوسعة على النفس والأهل من خلال اللهو المباح والمتعة الحلال، فرحا بفضل الله وبنعمته أن وفقنا لعبادته.
ختاما أقول إن العيد فرصة لزرع بذور الفرح بالله وبرسول الله وبدين الله في قلوبنا وقلوب أبنائنا وجميع المسلمين، ومحطة لشكره تعالى أن جعلنا من أمة حبيبه صلى الله عليه وسلم، الأمة المرحومة، فعيد الفطر احتفال واحتفاء باصطفاء الله لنا أن أكرمنا بمدرسة ربانية تفتح أبوابها مرة في السنة، لتدريبنا على الصيام والقيام والصبر والجود وإخلاص النية والعزم على الاستمرار في طاعة الله والتقرب إليه بالفرض والنفل طيلة السنة وطيلة العمر، فهذا اليوم العظيم يأتي تتويجا لشهر من المثابرة والمنافسة، وهو أيضا دليل على أن ديننا فيه فسحة وفرح وسعادة، يقول تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (يونس، 58).
فاللهم أسعدنا برضاك، واجعل أيامنا كلها عيد وفرح بذكرك والقرب منك والأنس بك. وتقبل الله منا منكم صالح الأعمال.