عرف “حراك الريف” يوم الجمعة 29 شعبان 1438هـ تحولا واضحا، عندما احتج الناس على خطبة الجمعة التي عممت على مساجد الحسيمة وأفردت للحديث عن الفتنة ومآلاتها، والفرقة والتشتت… في إشارة واضحة إلى حراك الريف وإدانة له، ثم تلا ذلك اعتقالات لنشطاء الحراك ومداهمات لبيوتهم.
وبعد يومين من الحادث، أي يوم الأحد 2 رمضان، ختم السيد وزير الأوقاف درسه الافتتاحي الرمضاني بقوله: “ومن جملة ما يحمي عمل العلماء في هذه السياسة الجانب الأمني الذي يدخل في وازع السلطان وتستدعيه الظروف الإقليمية والدولية التي يتسرب منها إلينا كثير من الضلال، كما يستدعيها المرض المتوطن، مرض المثالية الخداعة التي تغذت بالتشدد منذ الظهور الأول للخوارج”، وهو بذلك يشرعن لرجال الأمن والدولة ما صنعوا ويطلق أيديهم باسم العلماء.
إن مكمن الداء الذي ولّد “حراك الريف” واحتجاجات مدن أخرى هو الضيق والحرج الذي يعيشه الناس في دنياهم، نادوا بمطالب اجتماعية حتى بحَّت حناجرهم، وطالبوا بالحرية والكرامة والمساواة، فكانت النتيجة الالتفاف على المطالب والكيد، والانتهاء بالاعتقال.
كنا ننتظر من مشيخة العلماء التحرك لنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف بلسانها ومواقفها وبسلطتها المعنوية، وهذا واحد من مهامها، وليس التوجه صوب وسم التظاهرات بالفتنة.
فهل التنديد بالمفسدين والمستبدين يعد فتنة؟ هل المطالبة بحق مشروع بطرق سلمية يسمى أصحابه “خوارج” و”فتانين” و”متطرفين”؟هل المعادلة الآن أضحت هكذا: إما أن تصبر وتستسلم ولو أخذ حقك ودِيست كرامتك وسلبت حريتك، وإما أن ينكل بك وتعتقل ويكون مصير البلد مصير سوريا واليمن وليبيا…
المفسدون والمستبدون هم الفتانون وهم الخوارج، خرجوا من ربقة الشرع والقانون بإفسادهم واستعلائهم على خلق الله، والله لا يحب المفسدين.
العلماء في الأمة هم القيادة الفكرية والتربوية والدعوية؛ لأنهم ورثة الأنبياء، وهم ملح البلد، وهم القادرون على توجيه النصح للأمراء والعامة.
إن العلماء الذين أخذ الله عليهم الميثاق، ورزقوا شجاعة على قول الحق، وأرادوا تبليغ رسالات الله، وهم يخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، لا يمكنهم السكوت على الباطل، كان ذلك في السياسة أو الاقتصاد أو الحريات العامة…
إن مشيخة العلماء من منطلق مسؤوليتها كان لزاما عليها توجيه اللوم للجهات المقصرة والمسؤولة عن تردي الأوضاع في المغرب، وفي الوقت ذاته تجنح إلى تهدئة الشارع -تهدئة حقيقة لا صورية- بخطاب متزن مطمئن يزرع الأمل في الناس، وبذلك يؤكدون حضورهم الفاعل في المجتمع، درءا للمفاسد والشرور، وجلبا للمصالح والخيور.
رحم الله عددا من علماء المغرب كانوا ينتقدون الأوضاع الاجتماعية والسياسية والمالية، وما لانت لهم قناة كالحسن اليوسي وعبد السلام جسوس…
إن هذه المشيخة إن أريد لها تقديم الخبرة الشرعية ثم التولي إلى الظل فقد قيدت نفسها بدين الانقياد وحادت عن مهمتها الأصلية وضيعت الأمانة: “أمانة الدين” و”أمانة الأسوة” و”أمانة التبليغ” و”أمانة الشهادة على الناس” وأمانة النصح والتوجيه والإرشاد والحسبة… وما ينبغي لها ذلك، وما هذه بسبيل العلماء.
ألا وإن من الوظائف السامية للمشيخة الاستماع لرأي المخالف ومحاورته ووضع رأيه في ميزان الشريعة.
إننا لننتظر من مشيخة العلماء انتقاد مؤسسات الدولة، وتوجيه النصح بشروطه لمسؤوليها، خدمة للدين والوطن، حتى تكشف عن الأمة هذه الغمة، وينعم الناس فعلا بالأمن والاستقرار.
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ.
عبد العلي المسئول / أستاذ علوم القرآن بجامعة سيدي محمد بن عبد الله.