ما أشبه اليوم بالأمس!
جاء تأليف كتاب “الإسلام والحداثة” في سياق مزدحم بالأحداث والوقائع، إنْ على المستوى المحلي والوطني أو على المستوى الإقليمي والدولي. فعلى المستوى المحلي فالحركة الإسلامية كانت تعيش الحصار والتضييق، والمؤلِّف مُحاصَر في بيته محروم من حرية التنقل والحركة. ومن جهة أخرى فالمغرب يعرف أزمة خانقة على جميع المستويات وهو مهدد بـ“السكتة القلبية”، وجيء بحكومة “التناوب” و”الانتقال الديمقراطي” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وعلى المستوى الإقليمي فالهوة بين الفقراء والأغنياء داخل المجتمعات العربية تزداد اتساعا، وأعداد المعطلين والمهمشين تزداد ارتفاعا، ولا أمل للتنمية المنشودة يلوح في الأفق رغم كل المحاولات. وعلى المستوى الدولي فالنظام الليبرالي الرأسمالي في أوج هيمنته، والإنسان الغربي معجَب بتقدمه العلمي وتطوره التكنولوجي، غير آبه بمسألة الأخلاق والقيم، غير مستعد لطرح الأسئلة المصيرية على نفسه ومحاولة الإجابة عنها: من أنا؟ إلى أين أسير؟ ماذا أصير بعد الموت؟ بل وأكثر من ذلك، في هذا السياق (1998) أصبحت وسائل الإعلام الغربية تروج بشكل كبير لأطروحة “صراع الحضارات” وبدأت التصريحات العدائية والتنظيرات المغرضة التي تهدف إلى تشويه صورة الإسلام وتضليل الرأي العام العالمي. في هذا السياق ألف الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله كتاب “الإسلام والحداثة”.
ما أشبه اليوم بالأمس، فالأزمة الخانقة باقية، بل اتسعت واستفحلت، وطرق معالجتها والتعامل معها نفسها لم تتغير ولم تتبدل: التنفيس عن الأزمات وإشراك النخب والمجتمع في التبعات، والهوة بين الفقراء والأغنياء داخل المجتمعات العربية تزداد اتساعا، وأعداد العاطلين والمهمشين تزداد ارتفاعا، ولا أمل في التنمية المنشودة يلوح في الأفق رغم كل المحاولات. وعلى المستوى الدولي، النظام الليبرالي الرأسمالي في أوجّ هيمنته، والإنسان الغربي معجب بتقدمه العلمي وتطوره التكنولوجي غير آبه لمسألة الأخلاق والقيم.
في هذا السياق، ومن خلال كتاب “الإسلام والحداثة”، سيقوم الإمام المجدد رحمه الله بنحت مفهوم “تسليم الحداثة” وذلك للتعبير عن معنيين أساسيين:
الأول: تغيير وتحديث واقع المجتمعات العربية الإسلامية والرقـي بها إلى مصاف المجتمعات المتقدمة المتطورة، إن على المستوى التربوي الأخلاقي أو المستوى السياسي المؤسساتي أو المستوى الاقتصادي والصناعي.
الثاني: الأخذ بيد هذا الإنسان “الحداثــي” حتى يعرف من خلقه؟ ولماذا خلقه؟ وأي مصير ينتظره بعد الموت؟ فالحداثة كنظام أخلاقي، وسياسي، واقتصادي، في حاجة إلى توجيه ومراجعة وإعادة بناء على أسس وقيم تضمن كرامة الإنسان وسعادته.
فكيف ينبغي أن تتم عملية “تسليم” الحداثة حسب الإمام المجدد رحمه الله؟ هل تستطيع المجتمعات البشرية أن تعدّل مسارها وتتحكم في مستقبلها أم حكم عليها بالخضوع للتغيير الذي يفرضه عليها منطق التطور الشامل للعالم؟ هل يخضع المسلمون للحداثة باعتبارها حتمية تاريخية مع ما يصاحب ذلك من نتائج أخلاقية واجتماعية أم أنهم يستطيعون التخلص من القبضة الحداثية؟ ما هي ملامح المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمجتمع العمران الأخوي؟ ما هي أهم مفاتيح التنمية التي من شأنها أن تضمن لنا الاكتفاء الذاتي، واستقلالية القرار السياسي؟ هل لابد من اتباع نفس الطريق الذي سلكته أوربا لتجاوز التخلف والاستبداد أم يحق لنا أن نسلك سبيلا آخر؟ ثم ما الفرق بين الإيديولوجية الحداثية والحداثة التقنياتية؟
التنمية ومسألة “الخصوصية”
لا حديث في المغرب اليوم إلا عن “النموذج التنموي الجديد”، وسبل تنزيله وكيفية تحقيق أهدافه وغاياته، وكأنه عصا سحرية ستقضي على كل المشاكل، وترفع البلاد إلى مصاف الدولة المتقدمة بضربة لازب.
في التجارب المقارنة، إن الحديث عن تخطيط دولة لتحقيق نموذجها التنموي هو حديث بالدرجة الأولى عن امتلاك تلك الدولة لقراراتها، واستناد خططها الاستراتيجية إلى مصالح شعبها القومية، وارتباط سياساتها بالإرادة الشعبية المنبثقة من صناديق الاقتراع الحر والنزيه، والسعي إلى التموقع في عالم سمته الصراع على المصالح برهانات الاستقلالية لا برهان تكريس التبعية لقوى الاستعمار السياسي والاقتصادي.
يعيش المغرب اليوم أزمة خانقة على جميع المستويات بسبب تراكم مخلفات الاستبداد والفساد، وما النموذج التنموي الجديد إلا وسيلة وأداة من أجل التنفيس، وهذا ما يذكر بلحظة “السكتة القلبية” نهاية التسعينات التي واجهها المخزن بإخراج حكومة تناوب على الأزمة.
إن عملية التغيير والتجديد والتنمية والتطور التي تعرفها المجتمعات الإسلامية، يجب أن تكون منسجمة وخصوصية هذه المجتمعات، بما هي مجتمعات وشعوب مرت بظروف تاريخية خاصة، كما أن لها مبادئ وقيم، وتصور خاص للإنسان وللكون وللحياة، ولا يجب أن يكون التغيير تقليدا أعمى أو محاكاة مطلقة لمسار المجتمعات الغربية في التغيير والتطور، بل في تقدير الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله لا يمكن إحداث أي تغيير أو حصول أي تنمية أو تقدم إن لم تتم مراعاة خصوصية المجتمع الإسلامي وقيمه.
“لقد سلكت أوربا العجوز طريقا طويلا لتجاوز عصرها الوسيط وتمر إلى عهد الحداثة، لكن لا حق لها في أن تنكر علينا سلوك سبيل آخر… فلتقبلنا أوربا العجوز كما نحن، ولنلج التعاون كما نريد دون أن تفرض علينا أية شروط لها، وحق الاعتراف المتبادل والاحترام التام كفيلان بتنحية الصعوبات وإتمام تبادل مثمر في جو تسوده الكرامة وتأمين مصالح الطرفين” 1. وإن الفرد في المجتمعات الحديثة غاية لذاته، غاية وجود المجتمع أن يلبي رغباته ويشبع حاجاته، وواجب وجوده هو يتلخص في احترام القانون الذي ينظم الحياة الاجتماعية المتغيرة باستمرار 2.
بينما في النموذج الأمثل للمجتمع الإسلامي، الذي علينا أن نبنيه، تشكل القيم الأخلاقية والروحية محركا وغاية في نفس الوقت للمشروع الفردي والجماعي، لا بد إذن من عمل دؤوب يسعى لتكوين الأجيال وإعادة صياغتها، لا بد من تربية الأطفال وتنشئتهم على معاني حب الله وحب رسول الله، لا بد من العناية بالمرأة حتى تسترجع مكانتها لتشارك في عملية التغيير والبناء.
مثلما تتهدد الدول في وجودها السياسي عبر الاتفاقيات والتوصيات الاقتصادية العالمية، فإن مجتمعات بأسرها صارت تتهدد في كبانها عبر نفس هذه الاتفاقيات وما يستتبعها من تغيير ثقافي جديد. ومثلما نجد تزايدا في نسق التبادل الاقتصادي العالمي، فإننا نجد ارتفاعا لا مثيل له من قبل في نسق تبادل المنتجات والممارسات الثقافية. بل إن نفس القنوات التي تستخدم لتمرير الاستراتيجيات الاقتصادية ونشر مبادئ العولمة الاقتصادية تستخدم أيضا لنشر ثقافة العولمة، التي تنتجها الأقمار الصناعية و”الإمبراطوريات الإعلامية” وشبكات الاتصال العالمية عبر ما تتيحه من تجاوز لكل أنواع الحدود والحواجز. وهكذا انتفى دور العائلة والمدرسة والمسجد، وسائر المؤسسات الثقافية. فـ“كل محاكاة لا تبالي بخصوصية الإسلام وغاياته، لن تقود في أرض الإسلام إلا إلى الخيبة ثم الكارثة، وكل جهد -مهما تكرر- يرمي إلى الإصلاح دون تحكيم الأخلاق في الحياة الاجتماعية والعائلية والسياسية سيؤول حتما إلى الفشل، ولنعتبر بالمجتمعات الغربية الرأسمالية التي تعاني من مصائب نبه إلى خطورتها أكثر المفكرين الغربيين نباهة” 3.
بعض مفاتيح التنمية
إن تحقيق التنمية والتقدم وتجاوز ويلات التخلف والتقهقر، يحتاج إلى مفاتيح هي بمثابة الركائز والأسس، التي يعتمد عليها أي تخطيط استراتيجي أو مشروع مجتمعي. ويحدد الإمام المجدد رحمه الله من خلال جوابه على سؤال: كيف “تسليم” الحداثة؟ ثلاثة مفاتيح أساسية وهي:
1. المدخل السياسي
لا يمكن الحديث عن نجاح نموذج تنموي دون مدخل سياسي ودستوري، ركيزته الديمقراطية الحقيقية التي تجعل السياسات العمومية والقرارات الاستراتيجية للدولة تنبع من الإرادة الشعبية والمؤسسات التمثيلية للأمة ذات الصلاحيات الحقيقية. فـ“ليست طموحاتنا محدودة بموعد انتخابي أو تناوب على السلطة، لأننا نعلم أن تغيير حكومة أو دستور معين لا يكفل إلا حل أزمة عرضية إن كفل وهيهات” 4. “أفقنا التغيير العميق الذي لا يمكن أن تبنيه وتقوده بعون الله إلا حركة مباشرة متواصلة… مشروعنا بعيد المدى والتغيير العميق الذي يتم بواسطة التربية والإقناع، لا يمكن أن يعاش إلا بعد مخاض عسير” 5.
لكن يظهر أن منطق اشتغال النظام السياسي تجاه الأزمات يبقى هو هو لم يتغير؛ فلجنة النموذج التنموي تكرس منطق الاستمرارية وليس القطيعة، مما يؤكد كلام الإمام المجدد الذي يقول بأنه “بدل الرضا بدستور ممنوح، سيكون من اللازم انتخاب جمعية تأسيسية بواسطة التصويت الشعبي عقب نقاش طويل لا تستثنى منه أي تشكيلة سياسية أو شخصية مستقلة” 6.
إن النموذج التنموي الجديد لا حديث فيه عن المدخل السياسي للإصلاح، ولا عن تعديل الدستور باعتباره ركيزة ومنطلقا لأي إصلاح أو تغيير، ولا حديث عن تغيير عميق في قواعد الممارسة السياسية بالقطع مع الازدواجية في بنية الدولة، بين دولة الواجهة والدولة العميقة النافدة.
لقد أخفقت العقلية السلطوية مجددا الموعد مع الديمقراطية، بإصرار غريب على المضي بالبلد في نفق مظلم بمقاربة استعلائية إطفائية تروم ربح الوقت ورهن الأجيال المقبلة لسياسة الفشل، بعد أن أدت الأجيال الحالية والتي سبقتها أثمانا باهظة للعمى السلطوي.
2. المدخل الاقتصادي
إن المال في عالم الحداثة في يد المؤسسات الدولية، في يد أصحاب الشركات متعددة الجنسيات، الذين لا يهمهم سوى تحقيق المزيد من الربح، في يد حفنة من الأغنياء المترفين الذين لا يهمهم سوى إشباع الغرائز وتحقيق الملذات، أما الغالبية العظمى من سكان العالم فهي تعيش تحت وطأة الفقر والتهميش. أموال الأمة وثرواتها في يد الحاكم المستبد ينفقها على الشهوات أو يهربها إلى الخارج والأمة تتخبط في مستنقع الفقر.
أصبحت السيادة مرتبطة بقوة ومتانة البنية الاقتصادية بقدر ما هي مرتبطة وربما أكثر بمدى السيطرة، لأنه إذا كانت البنية الاقتصادية هشة -زمن العولمة- فإن السيادة الوطنية تذبح على باب صندوق النقد الدولي والمنظمات الاقتصادية الدولية الأخرى. يقول الإمام المجدد رحمه الله “مرضنا يتجسد في سوء توزيع الثروة والخدمات وشتى أنواع الظلم والفساد المعمم” 7.
لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية تصنع رخاءً اجتماعيا دون فصل صارم بين السلطة والثروة، والقطع مع اقتصاد الريع والولاءات، ولا مدخل لذلك دون وجود إرادة سياسية حقيقية تنزل شعارات الدولة إلى سكة التنزيل الصحيح، لتنزيل عادل لثروة وطن قيل إن مواطنيه متساوون في الحقوق كما في الالتزامات.
رغم الحضور المهم للجانب الاقتصادي في تقرير النموذج التنموي الجديد، تشخيصا واستشرافا، إلا أن هذا التشخيص لم ينفذ إلى العمق البنيوي للأزمة الاقتصادية بالبلد، وظل التقرير يحوم تحت سقف الخطوط الحمراء، ولم يتحدث عن سوء توزيع الثروة، ونهب الثروات ورهن الاقتصاد الوطني للوبيات المحلية، ومؤسسات الهيمنة العالمية.
3. المدخل التربوي
إن المعرفة الغربية تبحث للإجابة عن جميع الأسئلة إلا سؤال: لِمَ الحياة؟ ذلك لأنها تنطلق من مسلمات عدمية تعتبر ألا معنى للحياة ولا أساس للأخلاق، مسلمات دوابية تعتبر بأن الإنسان ليس سوى حيوان متطور لم يخلقه أي إله من عدم.
ينتظر العالم رسالة تمنح للحياة وللكون معنى، إن “تسليم” الحداثة يبدأ بكشف الغشاوة لتتضح الرؤية وليرتفع الانزعاج المرضي الذي يعترض الرسالة الإلهية، ويقمع الصوت الداخلي الذي ينبعث من أعماق كل واحد منا.
الوحي وحده يمكننا من طرح الأسئلة الوجودية الصائبة والإجابة عنها: لماذا وُجدت؟ ما مصيري بعد الموت؟ ما واجبي؟ كيف أستعد للحياة الأخرى؟ بأي أخلاق أسير في المجتمع؟ يقول الإمام المجدد رحمه الله: “لا بد من كشف الداء لإحياء الإيمان وضخه في قلوب وعقول أجيالنا الشابة لا بد من فضح المسلمات الدّوابية التي تجعل من الإنسان مجرد قرد راقٍ، لا غاية له في الحياة سوى الرفاهية والمتاع… لابد من محاربة هذه المُسَلمة ومناهضة الثقافة التي تستلهمها” 8.
لعل من المفاتيح الأساسية التي تساعد على تحقيق التنمية والرقي والتقدم والتطور هو تحديد طبيعة القيم والمبادئ، طبيعة التصور للكون وللحياة الذي ينبغي تربية وتنشئة الأجيال عليه؛ طبيعة المنظومة التربوية التي ينبغي أن تحكم مدارسنا وإعلامنا، منظومة تنسجم وخصوصية المجتمع الذي ننتمي إليه كمجتمع عربي إسلامي، بل وضمان استمرارها للأجيال اللاحقة من خلال الاهتمام بالتعليم وجعله قاطرة لتحقيق التنمية.
إن المدرسة لبنة أساسية من لبنات المجتمع، فهي مفتاح التربية وسر التغيير، ومن خلالها وبها يتم تربية الفرد وتنشئته على القيم والمعارف المتجددة. وعلى جودة المدرسة وتجددها تتوقف جودة الإنسان ورقي سلوكياته وأفعاله، بل وعلى جودة المدرسة يتوقف تقدم المجتمع أو تخلفه، فجودة المنتوج من جودة الإنسان، وجودة الإنسان من جودة التربية التي يتلقاها داخل الأسرة والمدرسة. لابد من مشروع مجتمعي يروم تحقيق الحرية والكرامة والعدالة، مفتاحه إنسان متعلم واع على درجة معتبرة من الكفاءة العملية، وبيئة مجتمعية معافاة من المحسوبية وكل أشكال الريع. يقول عالم الاجتماع الدكتور محمد جسوس رحمه الله: “إنهم -القائمون على شأن العباد والبلاد- يريدون خلق أجيال من الضباع، يريدون هدم المجتمع بهدم التعليم، ولهدم التعليم لا بد من هدم المعلم”. ويقول الإمام عبد السلام ياسين: “إن رزية الشعب في رجال التعليم أعظم رزية. إذا أهين المعلم وسُبّ ولُعن حتى جُرحت كرامته الجرح الذي لا يندمل، فإنما أهين الشعب ودِيست كرامتُه”. ويبقى المُدرس هو اللبنة التي لابد منها من أجل إصلاح أو تجويد قطاع التعليم، فالاهتمام به، واحترامه، وتقديره، والاعتراف بمجهوداته، يساهم لا محالة في تجويد المدرسة العمومية، أما إهانته واحتقاره، وتبخيس ما يقوم به من عمل واجتهاد، فهو لن يؤدي إلا إلى القضاء على ما تبقى من هيبة وهوية المدرسة العمومية.
إن مفتاح إصلاح التعليم بعد توفر إرادة الإصلاح هو “معلم منسجم في نفسه، مرتاح في سربه الاجتماعي، سوي في بنيته النفسية الخلقية، كفء في مادته العلمية، مراقب لله تعالى في أمانته، مطمئن بالإيمان، صابر على معالجة النفوس الناشئة والعقول، زاهد فيما بأيدي الناس، ذو مروءة وعفة وهمة… هذا نمط من الرجال في حقل التربية والتعليم لا يتعايش ولا يزدهر إلا إن كان نفس النمط له القيادة والسيادة في الحقل السياسي” 9.
خــلاصات:
نعود لنؤكد بعض الخلاصات الأساسية التي سعينا لإبرازها:
– إن “تسليم الحداثة” يعني أن نثمن ونقدر ما لدينا من خصوصية وهوية إسلامية، وننطلق منها في تغيير الإنسان وبناء مجتمع التقدم والرقي.
– “تسليم الحداثة” يعني أن ننهض جميعا ونشمر على ساعد الجد من أجل تقويض دعائم الباطل وبناء دولة الحق والعدل والمساواة، لأن المدخل السياسي هو مفتاح تحقيق التنمية والتقدم.
– “تسليم الحداثة” يعني أن توحَّد الجهود وتجتمع الإرادات من أجل بناء اقتصاد الاكتفاء الذاتي، والاستقلال السياسي، وخلع ربقة التبعية والخضوع لمراكز القرار العالمي.
– “تسليم الحداثة” يعني أن يعم السلم والسلام العالم عوض العنف والحرب، أن يعم الإنصاف والعدل عوض الظلم والقمع، أن يعم الحب والاحترام والاعتراف عوض الحقد والإقصاء والصراع.
– إن “تسليم الحداثة” عند الإمام عبد السلام ياسين أكثر من مجرد مفهوم؛ إنه مشروع متكامل أمله ومنتهى غايته أن يأخذ بيد هذا الإنسان حتى يعرف الله ويحبه ويشتاق للقائه، حتى يعرف هذا الإنسان أن دولة الحق والعدل والمساواة، دولة التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، ما هي إلا وسيلة وأداة، المطلوب منها توفير شروط العبادة للناس، أما الغاية فهي رضا الله ولذة النظر إلى وجه الكريم.