رفع رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى ملك البلاد توصية نالت مصادقة هذا الأخير، و تتعلق بإحداث هيأة “للمصالحة و الإنصاف”.
و حسب التوصية المنشورة، فإن هذه الهيأة ستكون مهمتها إعداد تقرير بمثابة وثيقة رسمية، يرصد الانتهاكات ذات الصلة بالاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي، بعد إجراء بحوث في الموضوع، و ذلك في إطار مسلسل التسوية غير القضائية لطي ملف انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الماضي، مع الاستمرار في مسلسل تعويض الضحايا و إدماجهم و تأهيلهم.
و لقد أشارت التوصية إلى أنها استفادت من “القوة الاقتراحية المسؤولة و البناءة التي بلورها الفاعلون الحقوقيون و السياسيون و الضحايا في المناظرة الوطنية حول التسوية العادلة للانتهاكات الجسيمة”.
و قد حاولت التوصية أن تبني أساسها على استبعاد إمكانية مساءلة مرتكبي الانتهاكات، تحت ذريعة “الابتعاد عن ما من شأنه إثارة الضغينة و الانشقاق و إشاعة الفتنة”.
و لا بد لنا أن نسجل على هذه التوصية الملاحظات التالية:
1/ رغم أن التوصية حاولت أن تأسس نفسها في سياق سعي السلطات العمومية إلى “ترسيخ قيم و
فكر و ثقافة حقوق الإنسان كخيار ثابت للمملكة المغربية”، فإن المتتبع المنصف لا يمكن إلا أن يلاحظ أن المغرب لا زال بعيدا عن تلك القيم، و لن تكفيه الخطابات و الشعارات و الرسائل، مادام خرق حقوق الإنسان هو الزاد اليومي لسلطات البلاد. و قد شهد المغرب في السنوات الأخيرة عودة خطيرة لممارسات الاختطاف و الاعتقال التعسفي و التعذيب و المحاكمة غير العادلة، بل و الإعدام خارج نطاق القانون.
و لا يمكن إلا أن نستغرب حرص السلطات العمومية على ” الإنصاف و المصالحة” بخصوص أحداث وقعت منذ عقود مع استمرارها في قمع الحريات، و محاكمة و اعتقال الصحافيين و الحقوقيين. فما هي يا ترى “المصالحة” التي تسعى إليها السلطات العمومية؟ و متى سينال ضحايا اليوم “إنصافهم”؟ هل عليهم انتظار مرور عقود أخرى؟
2/ لا زالت السلطات العمومية تنظر إلى تصفية ملف حقوق الإنسان باعتباره شعارا و عنوانا لا باعتباره التزاما و اختيارا. لذا فهي سائرة لا تزال في المسلسل الذي أفرز إنشاء “المجلس الاستشاري” و “وزارة حقوق الإنسان” و تضمين عبارات حقوق الإنسان في الدستور و في الخطابات و الرسائل الرسمية.
و رغم أننا لاحظنا أن هذه التغييرات الشكلية لم توقف يوما النزيف الحاصل في مجال الاحترام الفعلي و اليومي لحقوق الإنسان، فإن السلطات العمومية لا زالت ترجو أن تحضى بثقة الحقوقيين و السياسيين في الداخل و الخارج.
4/ انتقدت التوصية الطرح الذي ينبني على مساءلة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، و وصفت بمحاولة إثارة الضغينة و الفتنة و بث الشقاق. و تبنت في مقابله طرحا يدعو إلى المصالحة و عدم البحث في المسؤوليات.
و رغم أن هذين الطرحين كانا يقتسمان الحركة الحقوقية و المهتمين بالموضوع في المغرب، و قد عبرت عن ذلك الآراء التي طرحت خلال “المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، فإن الرأي الذي عبر عنه المجلس لا يمت إلى أي منهما بصلة.
ذلك أن هناك إجماعا بين الحقوقين حول ضرورة تحديد المسؤوليات. أي تحديد من قام بالأفعال التي تشكل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، و من أمر بذلك، و من أشرف عليه، و من ساعد عليه أو سكت عنه…
و المجلس في توصيته أعطى تركيبا متناقضا، إذ جعل من مهام الهيأة القيام بالبحث و التقصي الذي لا يتصور في البحث عن الفعل دون الفاعل، فيما أغلق باب البحث عن الآمر و المشرف.
و لا بد أن نسجل أن ذلك يعني من جهة ثانية أن المجلس، و من وراءه يسعى إلى توفير تغطية لمن سيثبت في حقه أنه ارتكب أفعالا لا تشكل فقط انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان بل و كذلك جنايات يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي الذي كان ساريا وقت ارتكابها و لا يزال.