مِن مِنَن الله تعالى على عباده أن يُصيِّر المحن والشدائد في حقهم تطهيرا وترقية، ومن كمال النعمة أيضا أن يوفقهم للصبر والثبات عند نزول الابتلاء. وطلبة فاس المفرج عنهم مؤخرا لم يخرجوا عن هذا الاختيار؛ فقد نالهم من الكيد والتلفيق النصيب الأوفر، وتعرضوا للاعتقال والتعذيب والتعنيف، وأمضوا في سجن الظلم مدة من الزمن مقتطعة من حريتهم. كما واكب ذلك حملة من بعض الأبواق والأقلام المأجورة غرضها التشويه والتشويش متجاوزة في ذلك أشخاصهم إلى الإطار الذين ينتمون له.
غير أن هؤلاء الشباب ورغم حداثة سنِّهم أعطوا من أنفسهم المثال في البذل والتضحية والنموذج في الصبر والاحتساب فرسموا بصدقهم صفحة مشرقة من صفحات الثبات على الحق.
لقد تجسدت في هؤلاء الشباب معاني الفتوة، هذا المصطلح المنهاجي الذي يصور صفات الفتى المؤمن الحامل لثقل الدعوة وأعبائها:
– كرم النفس: وعزتها التي تربأ بالمؤمن عن ذهنية القطيع وتبعثه على مواجهة الباطل وحمل أعباء الدعوة. ففي عز الحملة الهوجاء على القيم والأخلاق التي تستهدف شبابنا بغية تطبيعهم مع الرذيلة ينبري هؤلاء الفتية وأمثالهم للدفاع عن إخوانهم الطلبة وتبليغ صوت المظلومين منهم، فبرهنوا بذلك على أن في الأمة خيرا كثيرا، وأن صحوة شبابها وحملهم لواء الدعوة يبشر بغد مشرق لها.
– الخدمة: يقول الإمام المرشد رحمه الله تعالى: “وُصف بالفتوة أهل الخدمة، وأشرفهم فتى موسى يوشع عليهما السلام”، فلم يصب هؤلاء الطلبة ما أصابهم من ظلم إلا لأنهم أخذوا على أنفسهم خدمة رفاقهم المحرومين من السكن، فعلى امتداد أربعة أشهر من الاعتصام كانوا مواسين ومحتضنين لهم بالوجه الباش والقلب الرحيم.
– الرفق: فالفتى في المنهاج النبوي هو من يتحلى بالشجاعة في مدافعة الباطل، وهو أيضا من يجعل الرفق والرحمة مبدأ عاما يؤطر كل حركاته وسكناته. لذلك لم يعرف عن الطلبة المحررين غير النضال السلمي الحضاري، والمشي في الناس بحسن الخلق ودماثته فشهد لهم بذلك الخصم قبل الصديق.
– البذل والصبر: يحتاج المؤمن أثناء خدمته للناس خصلة البذل بكل معانيها وتجلياتها؛ بذل النفس والمال والجهد والوقت..، مع استهانته بكل ذلك في مقابل نيل رضى الله تعالى وإحراز شرف خدمة دعوته ونفع عباده. ومن الطبيعي جدا أن يلاقي في طريقه أصنافا من الكيد والظلم، فيستعين بالصبر والاحتساب على ذلك. وقد وجدنا إخوتنا الطلبة مقتطعين من وقتهم وراحتهم واصلين الليل بالنهار في مواساة إخوانهم.
– خير خلف لخير سلف: لم يكن هذا الملف مفصولا عن غيره من الملفات التي استهدفت أبناء فصيل طلبة العدل والإحسان، فعلى امتداد مسيرة الجماعة وخصوصا في مراحل انتقالية معينة يُقدّمُ الطلبة لمحاكمات صورية بتهم سمتها العنف سرعان ما يتكشف زيفها وعورها. لذلك وبموقفهم البطولي هذا فقد انضم الطلبة المفرج عنهم لقافلة العزة و الإباء وموكب الأحرار وفي مقدمتهم معتقلو الحركة الطلابية السابقون الاثنا عشر، والمعتقل السياسي عمر محب الذي ما زال شاهدا على تضحيات الحركة الطلابية عموما وفصيل طلبة العدل والإحسان خصوصا.