كان لنجاح مسيرات 20 مارس أثر كبير في تكريس حركة 20 فبراير ملتقًى مشتركا للمطالبين بالتغيير الحقيقي، المنطلق من الشعب، بعيدا عن وصاية الأوصياء من الدولة ومن بعض أطراف الطبقة السياسية الذين تعودوا على التوقيع على كل ما يصدر عن النظام على بياض. ونجاح هذه الحركة في وقفاتها ومسيراتها يجعلها محط اهتمام من لا يريدون لقطار التغيير أن ينطلق. ولهذا تعرضت حركة الشباب هذه لسهام النظام غير الديموقراطي ولأجهزته الأمنية ولبعض ذيوله من محترفي السياسة ومخترقي الإعلام. فكيف نفهم تعاطي الأجهزة الأمنية مع مسيرات 20 مارس؟ وهل حققت هذه المسيرات أهدافها؟ وما هو أفق حركة 20 فبراير بعد شهر من ميلادها؟
التعاطي الأمني مع مسيرات 20 مارس
على عكس وقفات 13 مارس 2011، لم تعرف مسيرات 20 مارس 2011 تدخلا يذكر لأجهزة الأمن. فكيف يمكن أن نقرأ تعاطي الأمن المحايد؟يفسر الأستاذ مصطفى الريق، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان والكاتب العام للقطاع النقابي فيها، في تصريح لموقع الجماعة (aljamaa.net) بأنه تبين للدولة أن الحل الأمني غير مُجْدٍ بعد القمع الذي تعرضت له حركة 20 فبراير في 13 مارس، إذ لم يزد التدخل الأمني الشرس في حق المتظاهرين سوى إصرارا من هؤلاء وصمودا وثباتا، بدليل تزايد أعداد المتظاهرين في 20 مارس. وإذا ما استثنينا الخرق الوحيد الذي عرفته مسيرات 20 مارس بمحاولة تَمَيُّزِ “منظمة التجديد الطلابي” عن عموم المتظاهرين بلافتاتها الخاصة بها، فإنه لم تسجل ولو حادثة واحدة تشوش على المسيرة، مما يدل على نضج الحركة والتزام المتظاهرين بسلميتها وأخلاقياتها.)
وسلمية المسيرات لها شروط، منها، في رأي الأستاذ عبد الحميد أمين، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تصريح له لموقعنا (aljamaa.net): التزام الأجهزة الأمنية بالحياد وعدم استفزاز المتظاهرين المسالمين، ولهذا كانت التظاهرات والمسيرات سلمية وناجحة في مختلف المناطق، مما يحيل على السبب في أحداث العنف التي تحصل وهو أجهزة الأمن. وما حصل يوم 20 مارس يشجع على مواصلة النضال وعلى تصاعد وتيرته.)
هل حققت 20 فبراير أهدافها؟
ولدت حركة 20 فبراير واحتضنها الشعب، وكان الشارع قاعدتَها وشرعيتَها ومنطلقَها ومنبرَها في مطالباتها بالتغيير، فهل يمكن اعتبار مسيرات 20 مارس حققت أهدافها بتوجيه رسائلها إلى الدولة واضحة صريحة وإقامة الحجة عليها؟يجيب الأستاذ أمين في تتمة تصريحه لموقعنا (aljamaa.net) أن المطالب لم تتحقق لحد الآن، فالخطاب الملكي لم يتعرض سوى للشق الدستوري من مطالب حركة 20 فبراير، أما القطع مع الاعتقال السياسي، ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية، والقضاء على القمع السياسي والفساد الاقتصادي، وتشغيل المعطلين وتحقيق مطالب العمال، وتحقيق الحياة الكريمة في الاقتصاد والتعليم والصحة والمعيشة… فلم يتعرض لها الخطاب إلا من باب المسكنات التي لا تأثير حقيقي لها. وحتى الجانب الدستوري فالجواب فيه كان ناقصا والعرض المطروح في الخطاب ليس من شأنه أن يوصلنا إلى دستور جديد وديموقراطي حتى لو طبقت كافة التوجيهات الواردة في الخطاب. إنه باختصار: دستور مخزني في حلة جديدة).
ولا تختلف رؤية الأستاذ الريق إذ يعتبر أن الحركة لم تحقق كل مطالبها بعد، بدليل تأكيدها في ختام مسيرات 20 مارس 2011 على ضرورة مواصلة المسيرات والاحتجاجات والوقفات، رغم المحاولات اليائسة التي سعت إلى التمويه على الأنظار بمحاولة إقناع الناس أن المطالب التي نادت بها حركة 20 فبراير قد تحققت بمضمون خطاب الملك، وهو ما رأت فيه هذه الحركة محاولة للالتفاف على مطالبها الشعبية المحقة)
.طرح الأستاذين مصطفى الريق وعبد الحميد أمين يبقي الباب مفتوحا أمام نضال حركة 20 فبراير دون الحاجة إلى التنبؤ بمدى جاهزية النظام للاستجابة لمطالبها، غير أن الفنان أحمد السنوسي يشكك في تصريح لموقع “goud” في استعداد النظام للاستجابة لمطالب الشعب ويعتبر أنه من قبيل العبث الاعتقاد بأن الجلباب المخزني يمكن أن يخفي قناعة بفصل حقيقي للسلط، وباستقلال القضاء وبالنهج التشاوري والتشاركي، فأقصى ما يمنحه هو التغيير الشكلي الذي لا يمس الجوهر. فلو طرح المخزن الخيار الدستوري الحقيقي، لكان الأمر يتعلق في نظره بعملية انتحارية، وهو الذي اعتاد على إفراغ الجهاز التشريعي والجهاز التنفيذي والقضائي من حمولته، ووضع آلاف العراقيل حتى لا يتمكن الشعب من ممارسة حقه الرقابي وحق المحاسبة في نظام ضمن حق الإفلات من العقاب للحاشية والبطانة والمقربين والوسطاء والسماسرة الذين لهم دستورهم الخاص، وهو دستور غير مكتوب ولا يحتاج إلى استفتاء شعبي، لكن كل من خالف بنوده ومقتضياته يتعرض للنبذ والإبعاد.)
أفق حركة 20 فبراير
وما بين النأي بالنفس عن التوقعات وبين استبعاد استجابة النظام لمطالب الشعب، كيف يقرأ الفاعل السياسي أفق حركة 20 فبراير بعد شهر من ميلادها؟
يجيب الأستاذ الريق بأنه يمكن أن نقرأ أفق الحركة بعد شهر من ميلادها من خلال التطور المتصاعد لهذه الحركة على مستوى الشعارات المرفوعة، والأشكال النضالية الميدانية، وحجم الأطراف الْمُنْضَمَّة، واتساع مساحات الدعم الشعبي للحركة بحيث شمل أكثر من 60 منطقة، مما يعكس التجاوب الشعبي المتصاعد والمتنامي ومستوى الخبرة التي اكتسبتها حركة 20 فبراير).
أما الأستاذ أمين فيرى أن حركة 20 فبراير تريد الانتقال من دولة المخزن إلى دولة الحق والقانون، ومن دولة الرعايا إلى دولة الشعب الذي يقرر مصيره بنفسه. وبدعم كافة القوى الحية والديموقراطية لحركة 20 فبراير، ستواصل هذه الحركة نضالها).
ومواصلة هذه الحركة لنضالها، حسب الكاتب العام للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، عبد الرحيم كلي، في تصريح لموقع الجماعة يحتاج إلى نَفَس طويل، وتفاؤل بالمستقبل، لأن قطار التغيير لحركة 20 فبراير لن يرجع إلى الوراء، وهو يشهد، يوما بعد يوم، التحاق ركاب جدد من المكونات الاجتماعية والسياسية والمدنية المغربية).
أما عضو التنسيقية المحلية لـ 20 فبراير بالرباط يوسف الريسوني فيصرح لموقع الجماعة: نحن مطمئنون من ناحية لمسار وأفق حركة 20 فبراير نظرا للاستجابة ولو الجزئية لمطالب الحركة، وهو انتصار رغم بساطته يشكل أملا ودفعة للاستمرار في النضال لتحقيق كافة المطالب. ولكن مع هذا هناك نوع من الترقب والخشية لكون هذه الحركة استطاعت في ظرف وجيز جمع ما لم يُجْمَع من قبل على مدى سنوات طويلة). أما عن أفق حركة الشباب فهو، في رأيه: النضال ثم النضال ثم النضال، إلى غاية تحقيق الدولة الديموقراطية ومجتمع العدل والكرامة والحرية، والقطع مع الفساد والاستبداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي).
وسبق لمحمد بلفول، ناطق إعلام باسم شباب حركة 20 فبراير، أن صرح لموقع الجماعة نت وقال الخطاب الملكي لم يتطرق لمجموعة من مطالب الحركة، كانت مطالبنا على المستوى السياسي دستور شعبي ديمقراطي تسهر عليه جمعية تأسيسية نابعة من إرادة الشعب وليس دستورا ممنوحا، وثانيا المطالب الاجتماعية والاقتصادية لم يتطرق لها الخطاب بتاتا والمواطنون والمواطنات لم يرو أي أثر للشعارات المرفوعة على هذا المستوى في واقعهم اليومي). وأضاف الوعود التي تحدث عنها الملك في الخطاب لم نرى لها أثرا في الواقع، فمباشرة بعد الخطاب الملكي تعرض المواطنون في 13 مارس لقمع عنيف جدا خلف إصابات وجرحى ومعتقلين). واسترسل قائلا أما عن ماذا بعد 20 مارس؟ فلا شك أن هناك اجتماعات للتنسقيات المحلية للتقرير، لكن الأساس هو أننا مستمرون ومستمرون حتى تحقيق المطالب).
بدوره عبد الفتاح العيدي من شباب الحركة بالدار البيضاء قال لـaljamaa.net: نحن هنا في الشارع، إذا تحققت مطالبنا فهذا هو المطلب، إذا لم تتحقق فنحن هنا سنواصل خطواتنا النضالية بعد لقاءاتنا التي نعقدها ونقيم فيها هذه المحطة النضالية ونخطط للمقبل)
. من جهتها غزلان بن عمر، من الناشطات والمتحدثات باسم شباب 20 فبراير قالت: الخطاب الملكي لم يستجب لمطالبنا، الخطاب كرس سياسة التعيينات الفوقية ولم يوضح الخطاب الخطوات التنفيذية، ونحن نطلب بتأسيس نظام سياسي يستمد شرعيته من السيادة الشعبية لكن النظام السياسي الحالي يرتكز على الملكية المستمدة قوتها من الشرعية التاريخية). وأكدت أنهم سيواصلون النزول للشارع بقولها نحن هنا في الشارع إلى أن يستجاب لكافة مطالبنا، وهي دستور ديمقراطي جديد تصوغه جمعية تأسيسية منتخبة، الفصل بين السلطة والمال، والعدالة الاجتماعية، تحرير المعتقلين السياسيين، تحرير الإعلام، استقلال القضاء.)