تكاد كل البيوت أسبوعيا تستقبل باعة متجولين يطرقون باب الرزق بسلع خاصة أو مشتراة أو كمناديبَ لشركات مستغِلةٍ لفاقتهم وفقرهم، يطوفون الأزقة والشوارع الآمنة وغير الآمنة، تحت زخات الأمطار وقَرِّ البرد وحر شمس الصيف.
ينبري لهذا العمل غير الآمن الرجل والمرأة، والأمر على الأَخيرةِ أكثر حدة وأشد تنكيلا، إنْ وضَعنا في الحسبان ما قد يعتري مسارها ومسيرها من المتاعب والمهانة والتحرش بها ومقايضة الكرامة والجسد بالشراء، أو في أحيان كثيرة الاعتداء المباشر بسرقة الحقيبة التي تحوي السلعة أو تشتيت العربة.
“مهنة” توشك أن توازي مجال افتراش الأرض للسلع في الأسواق العشوائية، القطاع غير المهيكل الذي تدفع بواسطته عدد كبير من النساء عن أنفسهن وعوائلهن مهانة مد اليد؛ أُعطيت أو مُنعت، وتخلق فرص للكسب تغطي بعض البطالة المتفشية في البقاع، في بلد سِمَتُه الغالبة اقتصاد ريعي احتكاري يُصَنِّع الفقر والتهميش، ويمدد الهوة السحيقة بين مغرب “أمي فتيحة”، شهيدة الكرامة؛ الواقع وسط ركام السلع الغذائية أو المستعملة والذي تكاد التنمية فيه تدب دبيب سلحفاة معمِّرة.. وبين مغرب القطار فائق السرعة والمراكز التجارية خمس نجوم، في عالم تغولت فيه المادة والآلة والرقم والنَّقرة والمعلومة.
إن التاريخ لن ينسى أمي فتيحة، ومن على شاكلتها؛ نسوة لم يسعين لتسلق السلم الاجتماعي أو مسابقةِ الرجل في مضماره، لكنهن لجأن إلى الأنشطة الهامشية، وإلى الانخراط في مشاريع صغيرة عشوائية على الأرصفة، للكسب الحلال؛ حيث لا ساعات عمل محددة ولا دخل يومي أو أسبوعي أو شهري موثوق، ولا ضمان اجتماعي أو حقوق مرعية. أوضاع ترخي أسدالها وتلقي بكَلكَل الهَم على كاهل نواة المجتمع.
وهذا على الأرض ظاهرٌ كشمس الصيف الواضحة لكل مستفهم، المستنقع شاسع غارق، فيه من تلاوين التجهيل والظلم والتفقير ما لا يحصى، وفي الآفاق منظمات ومؤسسات رسمية وغيرها تغطي الشمس بشِباك الأوهام، وتحلق بالنساء في سماء حالمة؛ حيث الثروات للجميع والثقافة أَولوية والحريات مكفولة.. والموعد الانتخابات، فمثيلات هؤلاء الشريفات يثقلن موازين الفوز أو يطففنه.
غير أن هذا التفاوتَ الفئوي البارز رغم البرامج التقويمية، وهذه الملامحَ الفرعونية للسلطات على تنوع مساحيق التجميل، وهذه الأزمات المتوالية.. كل ذلك لا يزيدُ المرأة المغربية إلا وعيا بقضيتها، وهي التي لم تنثن عزيمتُها، وتبرهن يوما بعد يوم أنها الوفية لمسؤولياتها الأسرية، القادرةُ على مواجهة مؤامرة السحب للقاع، الفَطِنَة بما يحاك لها من وراء حجب الحريات والميوعة، الصادحةُ بالحق في وجه الظلم ولو من مائدة بيع الرغيف.