1. نموذجية اللقاء وعمق النداء
انعقد يومي السبت والأحد 2 و3 صفر الخير 1437 الموافق ل14 و15 نونبر 2015 المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان في دورته التاسعة عشرة، وحملت هذه الدورة اسم دورة علي سقراط رحمه الله).
جمع هذا اللقاء نخبة من العاملين في هياكل الدائرة السياسية، ومن فعاليات وخبرات، من أبناء الجماعة وبناتها، كما تميز بحضور كبير للقيادات التاريخية والقيادات التنظيمية طيلة الدورة، كان على رأسهم السيد الأمين العام محمد عبادي، وهو مؤشر بالغ الأهمية كما سيتضح.
تميز اللقاء من خلال اسم الدورة بترسيخ قيم الوفاء لرجال كانوا سببا من أسباب الله في وجود هذا المشروع الكبير؛ مشروع العدل والإحسان.
علي سقراط، هذا الرجل الولي التقي الخفي، ولا نزكي على الله أحدا، عنوان وفاء وأي وفاء، وفاء مع بناء وأي بناء؛ بناء جماعة، بناء أمة، خدمة الإنسانية، وهو دليل على نوع وفاء؛ وفاء الصحبة التي هي روح الجماعة وملاذ الأمة وضياء الإنسانية، صحبة رجل قضيته الإحسان والعدل، العدل والإحسان؛ قضيته تحقيق الاتباع الكامل لرسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
من هنا يبدأ الطريق إلى القدس، التي كانت موضوعا خاصا في حصة خاصة مع هيئة النصرة في هذه الدورة، ومن هنا كانت نموذجية هذه الدورة لمقدس؛ نموذجية التدبير لقضايا تفصيلية تهم التنظيم والحركة وأفقهما، تهم الجماعة والمجتمع والأمة ومصيرهما، في سياق الاهتمام بالمصير عند الله تعالى.
هنا النموذجية، وهنا صرخة النداء العميق إلى التجربة الإسلامية: عن التدبير وماهيته وعن أصوله ومقاصده وغايته، هنا نموذجية تدبير اللقاءات الكبرى بقيم الإحسان والعدل والشورى، وقد كانت ميزة رئاسة الدورة أن أدارتها كفاءة نسائية بكل حنكة ولباقة وجدارة.
2. محاور الدورة التاسعة عشر لمقدس
المحور الأول: في كلمات القيادة التاريخية لمشروع العدل والإحسان
تروم هذه المنهجية في بناء محاور الدورة تقديمها في صورة كلية واضحة المبنى والمعنى.
تميزت الدورة بثلاث كلمات للقيادة التاريخية، كلمة للسيد رئيس الدائرة السياسية عبد الوحد المتوكل، وكلمتين للسيد الأمين العام محمد عبادي، وكلمة للسيد نائب الأمين العام والناطق الرسمي باسم الجماعة فتح الله أرسلان.
كان العنصر الجامع بين هذه الكلمات وفاءها للمشروع وتركيزها على جواهره، وتذكيرها بصاحبه، الإمام المجدد عبد السلام ياسين، وبمعاني صحبته.
كانت كلمة السيد عبد الواحد المتوكل، بصفته رئيس الدائرة السياسية، افتتاحا للدورة، وتعبيرا عن صوابية خيار المقاومة والبناء من خارج قواعد اللعبة النظامية في زمن الفتنة التي تسقط فيها قيم المروءة والدين وتضطرب المواقف والخطابات وترتبك السلوكات والعلاقات.
وكانت الكلمة الأولى للسيد الأمين العام، بعد فترة القيام بين يدي الله تعالى وصلاة الصبح، حيث كان الحديث عن الغيب والقلب وعلاقة حركة الجماعة بهما وما يترتب على ذلك من علاقات الرحمة والرفق في الحركة ومخاطبة الآخرين، وهو ما يجعل أعضاء الدائرة السياسية أمام مسؤولية كبرى لا تتجلى فقط في قضايا التدبير اليومي بل في ضرورة تجديد الخطاب السياسي حتى يكون معناه ومبناه قرآنيا نبويا.
وكانت كلمة السيد الأمين العام الثانية هي ختام الدورة بعد كلمة السيد فتح الله أرسلان، الذي ذكر بسنة الله الجارية على عباده في تدبير أقداره، حيث ذكر أن هذه الآلام والجراح التي تعيشها الأمة والإنسانية إنما هي بدايات خروج الأمة من ضيق الظلم إلى سعة العدل تحت صرح الخلافة الثانية على منهاج النبوة.
أما كلمة السيد الأمين العام الختامية الجامعة فقد كانت بيانا نبويا منهاجيا للآيات الكريمة من سورة إبراهيم [12-13-14]: وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ.
يمكن أن يستخلص من هذه الكلمات ما يلي:
1. لا خوف، بإذن الله، على مشروع الإمام، رحمه الله، التجديدي، لا من حيث فهمه وعلمه والسلوك به على الخصال العشر وشعب الإيمان.
2. لما تجالس القيادة التاريخية الساهرة على حركة المشروع لقاء من حجم مقدس طيلة فترة انعقاده وحتى ختامه، فذلك مؤشر هام على مدى المتابعة الدقيقة للسير وتفاصيله، وهو ما كشفت عنه هذه الكلمات في توجيهاتها وتوصياتها، كما هو شعور بما يمكن أن يهدد السير من غفلة عن قيم الإحسان في تحقيق المقاصد ونيل الأهداف.
3. لم يكن حضور القيادة التاريخية والتنظيمية رمزيا توجيهيا، بل كان حضورا مشاركا من خلال الإنصات العميق للمداخلات والردود والنقاشات، ومن خلال الوقوف على أهم نقاط القوة ونقاط الضعف في عمل الدائرة السياسية.
4. إن هذا الحضور المشارك العميق من طرف هذه القيادات شكل عامل التميز في لقاءات العدل الإحسان، حيث يمكن أن يفضي إلى القول الذي يجب أن يصبح ماهية الخطاب السياسي وراعي تفاصيله: إن القيادة الربانية الساهرة على تفاصيل السير، الراعي لأصوله الكلية، الواقفة بين يدي الله، جل جلاله، طلبا لمدده وعطائه وتوفيقه، القائمة على الحق عدلا وشورى هي الدواء من داء السقوط المروع لحركات قد تحسب نفسها يوما أنها البناء الذي لا ينهار والفهم الذي لا يأتيه الباطل.
المحور الثاني: كلمة في التقرير السياسي للدائرة السياسية في دورة مقدس التاسعة عشر
قبل التقرير السياسي تمت مناقشة التقرير التنظيمي حيث يتم من خلاله تقديم الصورة الكاملة عن سير هياكل الدائرة السياسية ومجالات اشتغالها ومؤشرات تحقيق أهداف برامجها.
كان العرض واضحا وكان النقاش واضحا، حيث وقف التقرير على أهم نقاط الضعف التي عالجتها المداخلات عبر توضيحات واقتراحات. وقد كانت دلالات التقرير التنظيمي ونقاشاته ملحة على مزيد من العطاء والتعبئة وترميم الهياكل والإبداع في صياغة البرامج وتنزيلها، كما كانت له دلالة واضحة على ضرورة اكتشاف مزيد من الطاقات واستثمارها.
أما التقرير السياسي، فهو عبارة عن وثيقة سياسية تلخص تصور الجماعة ومواقفها من القضايا السياسية خلال المدة الفاصلة بين الدورة 18 والدورة 19 لمقدس.
انتقلت منهجية التقرير من العالمي إلى المحلي إلى عرض المدخل لإنجاز التغيير المنشود.
فعلى المستوى العالمي كان الموقف جذريا من الهيمنة الاستكبارية على خيرات الشعوب وحرمانها من حرياتها والاستفادة من ثرواتها.
أما على المستوى المحلي، الذي حظي بتفصيل واف، فقد وقف التقرير على استمرار احتكار مصادر الثروة والسلطة والاستخفاف بإرادة الشعب المغربي، والتمادي في ضياع حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتلاعب بمرجعيته والالتفاف على مطالبه.
كما وقف التقرير على عوامل وأسباب تصاعد الاحتجاجات الفئوية والشعبية وحذر من الكوارث المحدقة مع استمرار الاستخفاف بإرادة الشعب والإصرار على التمادي بالاستفراد بتدبير قضاياه ومصيره.
وفي الختام أكد التقرير، مرة أخرى، على خيار العدل والإحسان في المدخل الجماعي وفق استراتيجية حوارية تستثمر واقع الاختلاف والتنوع في اتجاه بناء قوة التغيير الذي يقوض أركان الاستبداد والفساد ويقيم قواعد الحرية والعدل والكرامة.
لقد عبر التقرير السياسي لمقدس19 عن جوهر الأزمة السياسية والمجتمعية التي يعيشها المغرب، وفي نفس الوقت لم يكتف بالوصف، بل اقترح مدخلا يستفيد من تنوع الخطاب والممارسة في اتجاه بلورة تصور جذري للخروج من لعبة الغموض والالتفاف على إرادة شعب عبر في كل مناسبة عن احتجاجه على أوضاعه كان آخرها الاحتجاجات الشعبية القائمة في مناطقة عدة مضافة إلى نسبة المقاطعة لانتخابات 4 شتنبر 2015.
المحور الثالث: كلمة في البيان الختامي لدورة مقدس التاسعة عشر
عبر البيان الختامي الصادر عن هذه الدورة عن توازن كبير ووعي سياسي عميق في بناء منهجيته وصياغة مضامينه.
فقد وفق في الجمع بين النقد الجذري للواقع السياسي المغربي وبين الاقتراح الرصين للخروج من الأزمة.
أما على المستوى الدولي فقد عبر البيان عن التضامن والمساندة لانتفاضة الشعب الفلسطيني واستنكار صمت الأنظمة العربية، بل وتآمر بعضها على الفلسطينيين، كما أشاد بصمود الشعوب الثائرة مثل سوريا ومصر، وندد بالتصفية التي يتعرض لها المسلمون في بورما وإفريقيا، كما دعا الشعوب العربية والمسلمة إلى الحرص على وحدتها وتفويت الفرصة على العاملين على فرقتها وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتعميق حالة العنف والعنف المضاد والتدخل الأجنبي في شؤونها.
لقد كان البيان شاملا ومتوازنا وكاشفا عن تصور جماعة العدل والإحسان في المرحلة للقضايا المحلية والدولية.
3. في الختام
تميزت دورة مقدس 19 بعرض لهيئة النصرة حول اشتغالها على محور قضايا الأمة، وخاصة، القضية الفلسطينية، حيث تم التركيز على مركزية هذه القضية في حركة العدل والإحسان وعلى كيفيات العمل الميداني، المحلي والدولي، لنصرتها، وهو ما يدلل على موقع هذه القضية ضمن استراتيجية الجماعة التغييرية.
لقد كانت هذه الدورة كاشفة عن منهاج العدل والإحسان في التعاطي مع قضايا الشعب المغربي وقضايا الأمة والإنسانية.
فمن مقدس إلى القدس كان التعبير عن جوهر مشروع العدل والإحسان، حيث أعطتنا هذه الدورة نموذجية الجمع بين مطلبي العدل والإحسان وطريقة هذا الجمع في الفهم والسلوك والتدبير التفصيلي.
دورة هيمنت عليها معاني الربانية في كل تفاصيلها، ورفعت سقف الاشتغال حتى سقف قضايا الأمة والإنسانية، على رأسها فلسطين والقدس والأقصى، وخاضت في أدق معاني التدبير من المحلي إلى القطري في جو مفعم بالإيمان واليقين والمحبة والنصيحة والشورى.
وهو ما يدلل على وعي هذه الدورة الدقيق بالمرحلة وبمطالبها.