للفقر في المغرب مظاهر لا ينكرها إلا أعمى أو متعام، وله خط متصاعد في درجات الأزمة تخنق المستضعفين وما أكثرهم في هذا البلد، وله ضحايا سقطوا ويسقطون تباعا تُزهق أرواحهم في ميدان الكدح من أجل لقمة عيش لا تكاد تسد رمق أصحابها.
ومن ضحايا الفقر في هذا البلد شريحة عريضة تفصل التقارير الدولية في نسبتها الكبيرة من عموم الشعب، تموت موتا بطيئا مضنيا، ومن هؤلاء الضحايا نماذج مفردة تمثل كل منها شريحة من الشعب المقهور.
ومن هؤلاء الضحايا الذين كان لهم رمزية هزت الرأي العام “مي فتيحة”، والتي هي واحدة من أكثر وأشهر القضايا التي شغلت بال الشعب المغربي. فانضافت الى السجل التاريخي الدامي للسلطات المخزنية.
ساق القهر الحاجة والظلم الاجتماعي، الذي يقف خلفه الاستبداد السياسي، “مي فتيحة” ذات 42 عاما إلى كسب قوتها وقوت ابنتها ووالدها الطاعن في السن بإعداد و”بيع البغرير”، وهي تجارة يعلم الجميع سقف مداخيلها وكثرة إكراهاتها وشدتها على نفس امرأة بسيطة مستضعفة فقيرة.
كانت هذه السيدة المستضعفة تَعرف بالمُعايشة اليومية درجةَ تسلط المخزن، ولكنها لم تكن تتصور أن تصل هذه الدرجة إلى أن تمتد يده الظالمة إليها فتصادر مصدر عيشها الوحيد المحدود يوم 9 أبريل 2016.
هذه المصادرة لبضاعتها دون وجه حق لم تستسغه مي فتيحة، فطالبت وتوسلت ﻹعادة مصدر رزقها الوحيد، غير أن السلطة تعنتت واستمرت في جبروتها، فهددت الضحية بإضرام النار في جسدها إن لم تتراجع السلطة عن قرارها الجائر، وأمام هذا الغلو الظالم للسلطة المخزنية، نفذت مي فتيحة تهديدها أمام ملحقة منطقة بئر الرامي بالقنيطرة في مشهد مؤثر تناقلته مختلف المواقع الصحفية بالصوت والصورة.
نقلت مي فتيحة على إثرها إلى المستشفى، حيث لفظت أنفاسها الأخيرة، بسبب عدم تحمل جسدها آثار الحروق الخطيرة التي نهشته.
بعد الواقعة خرج المغاربة للاحتجاج والمطالبة بفتح تحقيق ومحاسبة المسؤولين عن وفاة مي فتيحة، ووعدت الداخلية بفتح تحقيق ومعاقبة الجناة، غير أن مصير الملف كان رفوف التجاهل والنسيان كسابقيه…
رحم الله “مي فتيحة”، ورحم ضحايا الفقر في هذا البلد المفقر، وأغاثه من بطش الاستبداد.